«الباصبور» المغربي رقم 1!
يونس جنوحي
بقدر ما يبدو الأمر طريفا، بقدر ما هو في غاية الأهمية. من يكون المغربي الذي حصل على أول جواز سفر في تاريخ المغرب؟
الجواز المغربي لم يكن باللون الأخضر. وأول من حصل عليه كان مغربيا في مهمة إلى الخارج، ممثلا القصر الملكي في فاس لحضور حفل تنصيب الملك البريطاني الجديد إدوارد السابع في غشت 1902.
لم يسبق لأحد المكلفين بهذه المهمة الدبلوماسية، أن ارتدى سروالا وبذلة طيلة حياته. كلهم ذهبوا إلى لندن بالجلباب المغربي والسبحة. وكانوا يطلبون الماء الدافئ للوضوء أكثر مما يطلبون برنامج حفل تتويج الملك إدوارد.
السفير المغربي الذي ترأس الوفد هو القايد عبد الرحمن بن عبد الصادق، وكان معه كاتبه الحسن بن محمد الغسّال، الذي ترك وراءه إرثا من الوثائق والأرشيف، وتولى التوثيق للمهمة الدبلوماسية وكتابة ملخص عنها، يمكن أن نعتبره اليوم توثيقا سياسيا لتلك المهمة.
أما كيف حصل الوفد، المكون أساسا من ستة أفراد بينهم وزراء ومخزنيون بالإضافة إلى السفير وكاتبه، على جواز السفر فتلك قصة تستحق فعلا أن تُروى.
تحرك الوفد المغربي من مدينة طنجة في اتجاه جبل طارق، ويكتب الحسن الغسال قائلا إن أعضاء «السفارة» المغربية كانوا يحملون معهم أوراقا رسمية باللغة العربية تثبت هويتهم وصفاتهم ومهامهم، لكن لا أحد في المغرب وقتها فكّر في استحالة اطلاع الأجانب على تلك الوثائق وفهمها. وهكذا أصبح السفير المغربي عالقا في جبل طارق، لأن المسؤولين البريطانيين لم يفهموا كلمة في تلك الوثائق التعريفية، وبالتالي لم يكونوا قادرين على السماح للقايد عبد الرحمن بالسفر على متن باخرة إلى لندن.
تصوروا أن هذا الوفد المغربي الذي كانت مهمته، إلى جانب حضور مراسيم تنصيب إدوارد السابع ملكا على بريطانيا العظمى، مناقشة اتفاق بين البلدين حول أمور عسكرية تتعلق برسو البوارج البريطانية على السواحل المغربية في طنجة، لم يكونوا يتوفرون أساسا على جوازات سفر تتيح لهم التنقل.
لحسن الحظ كان هناك قنصل مغربي عام، يقيم في جبل طارق، عينه المغرب في المنصب ممثلا للسلطات المغربية في الجبل الذي استعمره البريطانيون ولا يزال إلى اليوم تابعا للسيادة البريطانية.
هذا القنصل العام كان اسمه عبد السلام بوزيان، وهو من عائلة طنجاوية عريقة. بادر هذا الرجل إلى اتخاذ قرار سيدخل التاريخ من خلاله، رغم أنه اليوم يبقى غير معروف لدى العامة. فهذا القنصل العام بادر إلى صناعة أول جواز سفر مغربي، حيث كتبه باللغة الإسبانية وختمه بخاتم القنصلية المغربية حيث تضمن الجواز معلومات عن حامله، ومُنح لأعضاء الوفد المغربي لكي يعبروا به إلى لندن.
لم يكن الجواز مطويا ولا يتضمن صفحات التأشيرات. كل ما هنالك أنه كان ورقة تُطوى وتوضع في جيب «الجلابة»، لاستخراجها عند الحاجة والإدلاء بها. في الأعلى توجد عبارة «القنصل العام للإمبراطورية المغربية في جبل طارق» باللغة الإسبانية. ثم اسم القنصل العام في جبل طارق بخط بارز في أعلى الورقة، ولم يكن اسم حامل الجواز يظهر إلا بصعوبة.
لم يكن هذا القنصل يعلم أنه سوف يدخل التاريخ لأنه صنع أول جواز سفر مغربي، في جبل طارق، ووقعه باسمه لكي يستطيع سفير مغربي حضور مراسيم تنصيب الملك الجديد لبريطانيا العظمى.
طوى التاريخ سنوات مديدة وأصبح الجواز يُوقع في الرباط، وبدل الرقم 1، أصبح رقمه الطويل يتغير كلما استبدل الجواز، وتمنحه السلطة مقابل أداء ثمن «التنبر»، لكي يعبر به المُجازون والعاطلون والدكاترة والأميون والأتقياء وحتى أصحاب السوابق، إلى أرض الله الواسعة، بتأشيرة وبدونها، راكبين ومُبحرين وعلى ظهورهم. فحتى الذين يهربون من المغرب عبر «فلوكة»، لا يرحلون بدون جواز سفر.
ورغم أن «الباصبور» أصبح اليوم كُتيبا بأوراق كثيرة مخصصة لـ«التأشيرات»، إلا أن الحصول على «فيزا» في هذا الوقت، أصبح أصعب من إمكانية تلقي دعوة عشاء مع الملكة إليزابيث.