الانفجار الديموغرافي في فاس صادم وفرنسا فكرت في مدينة «جديدة»
يونس جنوحي
تاريخيا، لطالما كانت مدينة فاس فريدة في المغرب، لكن ينقصها بعض سحر مراكش. طغيان اللون الرمادي المتسخ، لا يمكن مقارنته مع البني الدافئ للمدينة الجنوبية. لكن أجمل ما في الأمر أن فاس استطاعت الصمود في كل الظروف، ولم تتغير. لو عاد الرجل الفاسي الذي كان يعيش قبل قرنين أو ثلاثة، إلى الحياة، فإنه سوف يجد طريقه، أو يفقدها، بنفس الطريقة التي عاش بها حياته السابقة.
فاس أكثر إثارة ليلا. ضوء النجوم اللامعة انعكس على الأسوار، وجعلها تبدو رومانسية بدل أن تعكس القوة والسلطة. حكايات ألف ليلة وليلة ظهرت جلية في ظلام الشوارع والأزقة.
سيطر الغموض على أفراد الحشد المار بجانبي، عندما جمع الرجال أغطية رؤوسهم وجعلوها حول وجوههم اتقاء لبرد المساء.
كان الظلام يحجب أكوام التراب المكوم على جوانب الأزقة. حتى الروائح كانت أقل حدّة. (للإنصاف، يجب أن أقول إن المدن المغربية أنظف بكثير، وروائحها أقل حدة، من مدن أي بلد عربي آخر).
بين الفينة والأخرى، يتسرب ضوء متقطع من كوة باب المسجد. وغالبا ما تنكشف مجموعة صغيرة من الرجال جالسين القرفصاء في زاوية ما. غالبا ما يتحدثون في ما بينهم، لكن أحيانا تجدهم صامتين.
من السهل أن تجعل هذا المشهد يعود بسهولة قرنا إلى الوراء.
الفتاة السوداء التي كانت تحمل بين يديها إبريقا، وتسير في الزقاق، تكون في العادة من العبيد. ولم يكن هناك أي مصباح أو إنارة في الشارع. وإلا فإن أساسيات المشهد الذي يعود إلى القرن الماضي، لن تتغير.
ربما لن يشاركني المسؤول الطبي المحلي للصحة، آرائي حول رومانسية أجواء فاس. إن المدينة القديمة تعرف نسبة ازدحام وانفجار ديموغرافي صادم. وهي مشتل نادر لجرثومة مرض السل.
المسؤولون عن التخطيط في مدن إنجلترا، يفكرون في وضع ست منازل في كل فدان. بينما في فاس، يوجد 500 شخص في الفدان الواحد.
والآن، يتم التخطيط لمدينة رابعة، غرب فاس «الجديد». الأشغال جارية، وسكان أحياء الصفيح الصغيرة، يستفسرون بقلق عن إيجار المنازل الجديدة.
اتجهت صوب الأرياف، عبر السهول الخصبة، لكي أحصل على فترة راحة قصيرة. كان محمد يشتكي من آلام في المعدة، وأوصلني إلى سيدي حرازم، حيث يُزعم أن المياه هناك مفيدة وغنية. ثم سمع عن وجود الينابيع الساخنة في مولاي يعقوب، الواقعة شمالا، وانغمس هناك مع الحشود، بمرح، في حمام السباحة العمومي.
رغم كل هذا، فإن ذكرياتي عن فاس، تبقى سياسية بالدرجة الأولى. المدينة تُشبه «أوكسفورد» في مزجها بين العلم والصناعة. بعض مثقفيها كانوا وراء أفكار حركة الاستقلال، وبعض رجال الأعمال المنحدرين منها وفّروا المال. نادرا ما يكون توفر هذا المزيج مصدرا للسعادة. وفهمي للتطلعات المغربية لم يكن واضحا دائما بالنسبة لي وأنا أتنقل بين الأشخاص الذين التقيتهم، من واحد لآخر.
ثم إنه لم يكن هناك أي جو من الفتنة بين الفرنسيين والمغاربة. من الصعب تقبل هذا الكلام، لكنه نابع من خلفية مسالمة بعيدة عن التعصب. موقف مثل هذا، لا يمكن أبدا أن يُصنف على أساس أنه ميؤوس منه.