الانتخابات بداية وليست منتهى
منذ 2001 اتضح جليا أن مشروع الجهوية المتقدمة ليس فقط مجرد حل للنزيف الاقتصادي والدبلوماسي الذي تكلفنا إياه قضية الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، بل إنها تحيل إلى قضايا أكبر من أن تكون قضية جهة لتكون قضايا وطن بأكمله، قضايا لن يستقيم أي حل لها بدون الإقدام على إقرار نظام تدبيري جهوي، يمارس فيه المواطن المغربي في جميع الجهات مواطنته الكاملة، من خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية جهوية، وفقا للمبادئ والقواعد الديمقراطية، والتي تتيح لهذا المواطن فرصة المشاركة الفعالة في إدارة شؤونه المحلية، ووضع مخططات التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي في مجالات الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة، وهي مجالات متنوعة تختلف من جهة إلى أخرى، وبالتالي فإن عهد المخططات الخماسية الممركز يجب أن يولّي إلى غير رجعة.
هكذا نستطيع القول إن مشروع الجهوية كما شرع في تطبيقه اليوم، يخضع لفلسفة متكاملة على المستوى الاستراتيجي، فهي من جهة مدخل لترسيخ الحكامة المحلية الجيدة واللامركزية، في أفق تعزيز القرب من الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطن، ومن جهة أخرى فهي أداة لتفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا يشترط من جهة تقطيعا ترابيا ملائما يضمن مبدأ التكافؤ بين الجهات من ناحية الإمكانات الاقتصادية والبشرية.. تقطيع يخضع أيضا لرؤيا ثقافية تجعل من الجهة الشكل الأمثل لتدبير التنوع الاثني، داخل وحدة وطنية يغنيها التنوع ولا يهددها.
إن جهوية بهذه المواصفات تستلزم في طور التبلور إشراكا واسعا لكل الحساسيات الوطنية، مما يعني ضمنيا أن الجهوية تستحق أن تكون بعد هذا التصور المتكامل صفة القضية الوطنية الأولى، لاعتبار أنها الإطار الذي يقترحه المغرب على المُغرر بهم من مواطنيه في الجزائر، ومن جهة أخرى أنها الإطار الذي سيحكم إعمالنا لدولة ديمقراطية تشاركية، دولة المواطنة والمؤسسات. ومن الطبيعي، في حال تم تمتيع هذا المشروع بهذه الصفة، أن تشكل أرضية لنقاش وطني موسع، يشارك فيه السياسي ورجل الأعمال والنقابي والفاعل الثقافي ورجل الدولة، لأنه ببساطة مشروع مغرب الألفية الثالثة، وهذا في تقديرنا ينبغي أن يبدأ أولا بخطوة تشريحية على صعيد بنية النظام، لتبين مكامن المقاومة التي ستمنع إعمال هذه الخطوة الاستراتيجية، ومن ثمة حصول توافق بين مختلف الحساسيات الديمقراطية الوطنية.
فالناظر في المسافة بين ما كانت تنص عليه القوانين وما يتم تطبيقه، حتى في المراحل السابقة، سيستنتج أنه بالرغم من الترسانة القانونية التي أضحت تسمح بإشراك فعلي للمواطنين، فإن هيمنة فلسفة تدبيرية معينة يهدد ببقاء الجهة محافظة على طبيعة ممركزة، بمعنى أن الجهة دستوريا هي كيان ترابي وتنموي وتدبيري مستقل، لكنها عمليا تسير وكأنها «مقاطعة من حجم كبير»، وبالتالي فمجلس الجهة، حتى وإن تم احترام الدستور في انتخابه، فإن التخوف هو أن يبقى ذا طبيعة استشارية في سلم بيروقراطي ممركز على شخص الولي، وهو شخصية يمكن أن نطلق عليها مجازا صفة «الملك صغير» في الجهة، قياسا لحجم الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها، والتي تخول له الإشراف المباشر على جميع القطاعات، بدءا من الأمن والجماعات المحلية، وصولا إلى قطاعات التعليم والرياضة وغيرهما. لذلك نؤكد أن الانتخابات الجهوية هي البداية فقط، وليست هدفا في ذاتها.