الاستهداف الصاروخي لناقلة النفط الإيرانية
عبد الباري عطوان
لا نعتقد أنه من قبيل الصدفة أن يتزامن الاعتداء على ناقلة نفط إيرانية محملة بمليون برميل من النفط كانت في طريقها إلى سوريا مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية «البِنتاغون» عن إرسال آلاف الجُنود ومنظومات صواريخ «ثاد» الدفاعية إلى المملكة العربية السعودية، فمن الواضح أن المنطقة، سواء في الخليج أو البحر الأحمر، مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد، بعد الهجمات المدمرة التي استهدفت منشآت بقيق وخريس النفطيتين بأكثر من 20 صاروخا مجنحا وطائرة مُسيرة مجهزة بمحركات نفاثة، وغيرت قواعد الاشتباك بالتالي. الهجوم الذي استهدف ناقلة النفط الإيرانية «سابيتي» قُبالة سواحل مدينة جدة السعودية، بصاروخين كان الأول من نوعه، لأن جميع ناقلات النفط التي تعرضت لمثل هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة لم يكن من بينها ناقلة نفط إيرانية واحدة، وخاصة تلك التي هوجمت قبالة سواحل ميناء الفجيرة الإماراتي، وجرى توجيه أصابع الاتهام إلى إيران. شركة النفط الوطنية الإيرانية التي تملُك هذه السفينة، نفت أن يكون الصاروخان قد انطلقا من الأراضي السعودية، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الجهة التي أطلقتهما. هناك تكهنات لا تستبعد أن تكون غواصة إسرائيلية هي التي أطلقت هذين الصاروخين في تهديد واضح لإيران، الأمر الذي دفع الناقلة إلى تغيير مسارها، والعودة إلى الخليج، فإسرائيل وقفت وتقف خلف مئات الهجمات الصاروخية والغارات الجوية التي استهدفت قوات إيرانية في سوريا طيلة السنوات الماضية، ومن غير المستغرب أنها وسعت دائرة ضرباتها إلى البحر الأحمر وربما الخليج أيضا.
هناك رواية أخرى تلمح إلى أن البحرية الأمريكية قد تكون من بين المتهمين أيضا، إن لم تكن على رأسهم، وكرد على إعطاب ست ناقلات نفط سعودية وإماراتية ونرويجية في بحر عُمان، مثلما أشرنا سابقا قبل بضعة أشهر، وإسقاط الطائرة المسيرة «غلوبال هوك» قبل شهرين.
هجوم «بقيق» عصَب صناعة النفط السعودية، الذي أعلنت جماعة «أنصار الله» اليمنية مسؤوليتها عن تنفيذه، وجه إهانة مزدوجة: الأولى إلى المملكة العربية السعودية وهيبتها بكشفه عن هشاشة إجراءاتها الحمائية لمنشآتها النفطية، والثانية لمنظومة الصواريخ وأجهزة الرادار الأمريكية التي نجحت هذه الصواريخ والطائرات في اختراقها، والوصول إلى أهدافها، وإصابتها بدرجة من الدقة وصلت إلى 90 في المائة.
تبرئة إيران للمملكة العربية السعودية من الوقوف خلف الهجوم على ناقلتها، وبهذه السرعة، وحتى قبل بدء التحقيقات الفنية رسميا، يوحي بأنها لا تريد أي تصعيد معها في الوقت الراهن، وقبل يوم من وصول السيد عمران خان، رئيس وزراء باكستان، إلى طهران حاملا معه عرضا سعوديا بالحوار إلى القِيادة الإيرانية بطلب سعودي، مثلما يوحي أيضا بأن طهران تعرف الجهة التي تقف خلف هذا الاعتداء. احتمالات إقدام إيران على الرد على هذا الهجوم تبدو كبيرة جدا بالقياس بتجارب الأشهر الأخيرة، فالحرس الثوري الإيراني لم يتردد لحظة واحدة في إسقاط طائرة «غلوبال هوك» الأمريكية المسيرة، التي اخترقت الأجواء الإيرانية فوق مضيق هرمز قبل شهرين، كما أن الحرس نفسه نفذ تعليمات السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى، بالرد الفوري على احتجاز بريطانيا لناقلة نفطية إيرانية أثناء مرورها عبر مضيق جبل طارق، والرد باحتجاز ناقلتين بريطانيتين في مياه الخليج. هل نحن أمام تصعيد جديد في حرب الناقلات، أم أن المسألة أعمق من ذلك، أي وجود خطط أمريكية وإسرائيلية وسعودية مشتركة لتوجيه ضربات لإيران ثأرا لهجوم «بقيق»؟
لا نملك أي إجابات، ولكن إعلان «البنتاغون» عن إرسال 3000 جندي ومنظومات صواريخ «ثاد» و»باتريوت» إلى السعودية لحماية المنشآت النفطية فيها، يوحي بأننا أمام تطورات خطيرة جدا، ربما نرى إرهاصاتها في الأيام والأشهر القليلة المقبلة، ولعل الرد الإيراني على القصف الصاروخي للناقلة «سابيتي» في البحر الأحمر، وحجمه في حال حدوثه، سيحدد حجم وخطورة هذه التطورات.