شوف تشوف

الافتتاحية

الاستثمار في المستقبل

يطبق المغرب اعتبارا من الموسم الدراسي الجديد نظام البكالوريوس، الذي يعتبر الشهادة الأكثر تداولا في العالم، وسط تجدد المطالب بزيادة الاعتماد على اللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية. بالموازاة مع ذلك انطلقت حملة افتراضية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل شعار «نعم للإنجليزية لا للفرنسية»، والتي تطالب بتعويض اللغة الفرنسية التي أصبحت متجاوزة في العلوم والتكنولوجيا، باللغة الإنجليزية. أكثر من ذلك فالتوجه الجديد القائم على اعتماد اللغة الإنجليزية بشكل رسمي، دفع إلى إحداث برنامج إذاعي لتعليم لغة شكسبير.
نحن إذن أمام تحول جيواستراتيجي جديد لا يختزل أهدافه في تنويع العرض البيداغوجي للغات التدريس، من خلال اعتماد بكالوريا إنجليزية، أو وضع اشتراطات تعلمية وإعطاء حيز زمني لا بأس به لهذه اللغة في التدريس والإعلام، بل الأمر يتجاوز ذلك نحو تحول يعيد بناء تحالفات واستراتيجيات الدولة المغربية، والتي من شأنها تغيير موقعها الدولي نحو الأفضل.
فالعالم يخوض في السر والعلن معارك اصطفافات مصيرية وشرسة تجري أطوارها على رقعة الشطرنج الدولية، بين محاور كبرى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، في مواجهة صعود محاور تقودها روسيا أو الصين أو أوروبا المنهكة بالأزمات، والتي تحاول استرداد أحلامها بعد صفقة الغواصات الأسترالية بدعوات ديغولية، تسعى إلى إنشاء قوة مسلحة أوروبية أقرب ما تكون إلى جيش أوروبي يعمل بعيدا عن وصاية حلف الناتو.
وحرب المحاور هاته تستوجب على بلدنا التموقع المبكر في الرقعة الدولية، دون أن نغلق الأبواب تجاه علاقات استراتيجية تجمعنا مع الحلفاء الكلاسيكيين، الذين تربطنا بهم مصالح اقتصادية وديبلوماسية تاريخية، وكذلك الصين التي تقول كل المؤشرات إنها ستكون سيدة العالم، خلال العقود القليلة المقبلة، والتي أظهرت جائحة «كوفيد- 19» وحرب الاستفادة من اللقاحات أنها تكن لرموز المغرب الكثير من التقدير والاعتبار.
ولذلك فالدولة المغربية تدرك في خضم حرب المحاور القائمة، أن هناك حاجة إلى الاستثمار في المستقبل، عبر تنويع تحالفاتها بعيدة المدى، بما يفي بتحقيق المصالح الاستراتيجية للدولة. وعلينا أن نذكّر في هذا السياق بأن كل أشكال الاستهداف الاقتصادي والسياسي والإعلامي والأمني والعسكري، التي يتعرض لها بلدنا أخيرا من دول تصنف ضمن خانة الدول الصديقة، ما هي إلا تمظهرات طبيعية وضريبة عادية لتغيير المغرب لوجهة تحالفاته نحو المحور الأنجلوساكسوني، الذي يبدو أنه أقلق الكثيرين ويحاولون نسفه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى