الاحتراف المبلل
حسن البصري
نشر فريق الوفاق المنتمي لبطولة القسم الشرفي بعصبة الشمال على صفحته الرسمية، صورة للاعبه عثمان الذي وصل إلى مدينة سبتة سباحة، وقال إن نجم الفريق يأمل في البحث عن فرصة للاحتراف في إسبانيا. وقال رئيس الفريق إن الوضع الهش لأسرة اللاعب كان الدافع الرئيسي لركوب صهوة الأمواج. فيما لم يخف أحد أعضاء الفريق رغبته في الانسلال خارج ملاعب الكرة بحثا عن كسرة رغيف.
فشل عثمان في المحاولة الأولى وعاد أدراجه، وظل يحكي لرفاقه أسرار سباحة على القهر، آمن أن المحاولة الثانية والثالثة سترميان به بعيدا عن بطولة لا يجني منها سوى العرق والكدمات، بينما ظل المكتب المسير لفريقه يؤازره بتدوينات تتمنى له الوصول إلى سبتة في أمان.
كان عثمان يمني النفس بهجرة سرية خالية من المخاطر، وكان يجد في لاعبين سابقين اختاروا «لحريك» قدوة وسراجا منيرا، أبرزهم علي حبابا عميد أمل أولمبيك آسفي ومريم بوحيد لاعبة المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية واللائحة طويلة.
يرغب عثمان بهجرة خالية من المتاعب، يراهن على الإفلات من حملات الترحيل، يرابط كل يوم أمام ملاعب سبتة بحثا عن نصف محاولة لتغيير الجلد الهاوي.
يفتخر أبناء سبتة ومليلية بانتماء لاعبي المنتخب المغربي منير الحدادي ومنير لمحمدي للمدينتين المحتلتين، بل إن والد الحدادي ركب أهوال البحر ليدخل الأندلس فاتحا.
لمنير قصة تستحق أن تروى على مسامع قضاة محكمة التحكيم الرياضية في سويسرا، قصة كفاح بطلها والده محمد الحدادي ريفي الجذور، الذي اختار سنة 1984 الهجرة السرية في قوارب «الموت» من ضواحي لفنيدق إلى سبتة ومنها إلى سواحل الجزيرة الخضراء، لكنه هاجر نحو شمال إسبانيا هروبا من الحرس الإسباني، وفي مدينة بيلباو قرر الاستقرار واشتغل في مطعم يقدم لزبنائه وجبات السمك، عرف الحدادي في الأوساط الباسكية بلقب «خايمي» نسبة لطباخ شهير.
ولأن منير كان يعشق الكرة والسمك، فقد شاءت الصدف الماكرة أن ينضم في طفولته وشبابه لفرق تشبه أسماؤها أنواع الأسماك «كوربينا» «سانتانا» «جالاباجار» وكأن الفتى كائن بحري.
منير آخر يحرس مرمى المنتخب المغربي تخرج من ملاعب مليلية، كان والده لمحمدي حارسا لفريق مغمور في هذه المدينة السليبة، فكان من الطبيعي لطفل نشأ في بيت توجد فيه القفازات ولوازم حراسة المرمى أن يسقط في حب المرمى، ويصبح حارسا لفريق مليلية ومنه التحق بنادي نومانسيا الإسباني ليعبر نحو المنتخب المغربي.
أبهر لاعب مغربي يدعى آدم مسينا الإيطاليين والإنجليز، عاش قصة عذاب حقيقية، فقد ولد في مدينة خريبكة سنة 1994 وهاجر رفقة والديه إلى إيطاليا وهو رضيع، وعند وصوله إلى الضفة الأخرى فارقت والدته الحياة، فعاش طفولة صعبة في كنف الجمعيات الخيرية إلى أن تبنته أسرة إيطالية في بولونيا ومنها استمد اسم «ماسينا». وبفضل هذه الأسرة فتحت له أبواب التألق في ملاعب الكرة إلى أن حمل قميص المنتخبات الإيطالية.
اكتفى عبدو ابن حي طابولا التطواني ب«لايف» من سبتة، كشف فيه عن هويته كمدرب حامل لشهادة تدريب معترف بها من «الكاف»، قال إنه اختار التدريب طوعا وكراهية، وركز جهوده على تدريب المهاجرين، وقال إنهم يستحقون ميداليات ذهبية، لأنهم قطعوا آلاف الكيلومترات مشيا على الأقدام ومارسوا كل الرياضات في طريقهم إلى سبتة، من الركض إلى المصارعة إلى القفز على الحواجز وركوب الأمواج، وقال مازحا: «أنتم أفضل بكثير من أبطال أولمبيين تصرف الدول ملايين الدراهم من أجل تأهيلهم دون أن يصعدوا منصات التتويج».
اليوم نحتاج أولا لإقناع وكلاء أعمال اللاعبين المغتربين قبل آباء وأمهات «الحاركين»، نحتاج لخطة استقطاب لا مكان فيها لـ «العار» و«التحزار» و«المرفودة»، ونحتاج أكثر لمن يستوعب المغزى الحقيقي لـ «هب فتاك لبى نداك».