سهيلة التاور
شهد العالم في الأسابيع الأخيرة حالة من الاستنفار في عدد من البلدان، فقد واجه بعضها فيضانات وإعصارات مدمرة وقاتلة والبعض الآخر عرف حرائق استمرت لأيام دون السيطرة عليها إلى حد الآن. أما إيطاليا فقد عاشت الحرائق والفيضانات معا. ويرجع تقرير صادم هذه الكوارث إلى التغير في المناخ بسبب الاحتباس الحراري ويدق التقرير ناقوس الخطر متوقعا حدوث الأسوأ.
أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريرًا صادمًا حول مستقبل التغيرات المناخية وآثارها على بلدان العالم، حيث أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقريرها أن التغييرات والانحرافات المناخية التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة ستمتد لآلاف السنين. ولفتت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لخفض معدلات الاحتباس الحراري؛ لمواجهة التغيرات المناخية غير المتسارعة وغير المسبوقة.
وأوضح التقرير، أن التغيرات المناخية الحالية والناتجة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا يمكن تدارك آثارها الكارثية بل ستمتد لقرون، وصولًا لآلاف السنين، لا سيما فيما يتعلق بالمحيطات والصفائح الجليدية ومستوى سطح البحر العالمي.
ولفت التقرير إلى أن الممارسات البشرية دفعت نحو التغيرات المرصودة في الظواهر المتطرفة، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف ونسبة الأعاصير المدارية الشديدة، وهي ممارسات حذرت منها المنظمة منذ تقرير التقييم الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2014.
وبدوره، أوضح الأمين العام للمنظمة، بيتيرى تالاس، أن التطرف المناخي الذي يشهده العالم بين حرائق وفيضانات، والذي يحدث كنتيجة طبيعية للتغيرات المناخية يعد مجرد مقدمة لما ستواجهه الأجيال القادمة، مضيفا أن بعض التغييرات السلبية لا تزال محصورة بالفعل في النظام المناخي. وتابع تالاس: «لا يزال بإمكان العالم تدارك آثار التغيرات المناخية في حال جرت مواجهة الانبعاثات بتخفيضات قوية وسريعة ومستدامة في الانبعاثات الآن، خاصة أن تركيزات غازات الاحتباس الحراري وخاصة ثاني أكسيد الكربون لا تزال عند مستويات قياسية».
وأضاف تالاس متناولًا النتائج التي توصل إليها تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، مؤكدًا أن التغيرات المناخية ستزداد في العقود القادمة في جميع أرجاء العالم، لافتًا إلى زيادة الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، وبما يعني تصاعدا مطردا في موجات الاحترار وأمد الفترة الزمنية للمواسم الدافئة، مع تراجع المدد الزمنية للمواسم الباردة، فضلًا عن التغيرات في أنماط هطول الأمطار التي تؤثر على حدوث الفيضانات والجفاف.
وحذر التقرير من أنه عند زيادة الاحترار بدرجتين فإن درجات الحرارة القصوى ستصل في كثير من الأحيان إلى عتبات تحمل حرجة للزراعة والصحة.
وأشار التقرير إلى حرائق الغابات التي يشهدها العالم في كثير من مناطقه، محذرا من أن منطقة القطب الشمالي تسخن بأكثر من ضعف المعدل العالمي، مما سيؤدي إلى ذوبان التربة الصقيعية وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي وذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، وفقدان الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي، موضحا أن تغير المناخ يؤدي إلى تكثيف دورة المياه وبالتالي هطول أمطار غزيرة، وما يرتبط بها من فيضانات فضلا عن زيادة حدة الجفاف في العديد من المناطق.
ولفت التقرير إلى أن معدل التسخين الملاحظ تسارع خلال الفترة من 2006 إلى 2018، مقارنة مع الفترة من 1971 إلى 2006، مؤكدا أن الغازات الدفيئة من الأنشطة البشرية مسؤولة عن حوالي 1.1 درجة مئوية خلال السنوات العشر الأخيرة من الاحترار، مضيفا أن المتوسط السنوي لدرجة الحرارة في عام 2020 كان أعلى بمقدار 1.2 درجة مئوية عن المعدل الطبيعى.
وتوقع التقرير أن يصل متوسط تقدير درجة الحرارة على مدى السنوات العشرين القادمة إلى 1.5 درجة مئوية أو أكثر من الاحترار، مضيفا أنه من المتوقع أن يتغير العديد من العوامل المؤثرة على تأثيرات المناخ في جميع مناطق العالم، حيث تشمل التغييرات الخاصة بكل منطقة تكثيف الأعاصير المدارية والعواصف خارج المدارية وزيادة فيضانات الأنهار، وانخفاض متوسط هطول الأمطار وزيادة الجفاف وزيادة طقس الحرائق.
وعلى الرغم من أن هذا التقرير أكثر وضوحا وثقة بشأن الجوانب السلبية لارتفاع درجات الحرارة، فإن العلماء يأملون أكثر في أنه إذا استطعنا خفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، والوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر، بحلول منتصف القرن الجاري، فسيكون باستطاعتنا وقف بل وربما دفع ارتفاع درجات الحرارة نحو الاتجاه المعاكس.
المغرب والجزائر..تحت لهيب الحرائق
اندلعت النيران يوم الثلاثاء 10 من الشهر الجاري بإحدى الواحات في إقليم زاكورة جنوب المغرب، حيث شهدت واحة تمزموط حريقا ضخما قضى عليها بالكامل، والتهم عددا كبيرا من أشجارها المثمرة، بعدما اجتاحت النيران مساحات واسعة.
وكشفت مصادر رسمية أن الحريق تسبب في إتلاف حوالي 2500 نخلة وأشجار أخرى. وقد تمكن رجال الإطفاء من إطفاء الحريق بسرعة قبل اتساع رقعته، حيث شاركت طائرات من نوع ّكنداير سي إل 415ّ في عمليات الإطفاء.
ومن جهة أخرى، اندلعت عشرات الحرائق في أنحاء مناطق الغابات بشمال الجزائر منذ مساء الاثنين 9 من الشهر الجاري كما اشتعلت حرائق أصغر في 16 ولاية أخرى ّفي ولاية تيزي وزو 25 حريقا، و14 بالطارف، و12 حريقا بجيجل ومثلها في بجاية، كما سجلت 9 حرائق بسكيكدة، و4 في بومرداس، و3 في كل من مدن المدية والبليدة وسطيف وعنابة. كما رصدت الحماية المدنية حريقين في البويرة، وحريقا واحدا في مدن قسنطينة، وقالمة، وتبسة، وسوق أهراس، وتيبازةّ. وقالت الحكومة الجزائرية إن حرائق الغابات المستعرة بالبلاد أودت بحياة 65 شخصا بينهم 28 جنديا و37 مدنيا تم نشرهم للمساعدة في إخمادها، في حين غطت سحب الدخان الكثيف معظم جبال منطقة القبائل شرقي العاصمة.
وقال رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن إن الحكومة تجري محادثات مع شركاء من الخارج لاستئجار طائرات للمساعدة في تسريع جهود مكافحة الحرائق.
ولا تزال فرق الإطفاء تحاول احتواء الحرائق مع رجال الجيش، وقال بلجود إن الأولوية هي تجنب سقوط المزيد من الضحايا وتعهد بتعويض المتضررين.
الهند..غرق بالأمطار الموسمية
ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات وانزلاقات التربة التي تسببت بها أمطار موسمية غزيرة في الهند إلى 127 قتيلا، في حين لا يزال المسعفون يبحثون عن عشرات المفقودين. وغمرت المياه الساحل الغربي للبلاد لأيام متتالية.
وتعد الفيضانات وانزلاقات التربة شائعة خلال فترة الأمطار الموسمية في الهند، لكن التغير المناخي تسبب بزيادة وتيرة وحدة الفيضانات وانزلاقات التربة في السنوات الأخيرة في هذه المنطقة من العالم، وفقا للخبراء.
ففي ولاية ماهاراشترا قتل 117 شخصا بينهم أكثر من 40 في انزلاق للتربة ضرب قرية تالي الواقعة على بعد نحو 250 كيلومترا إلى الجنوب من مومباي. وأفادت تقارير بوفاة ثمانية مرضى في مستشفى محلي يستقبل مرضى كوفيد-19 بعد توقف أجهزة التنفس الاصطناعي بسبب انقطاع التيار الكهربائي. فيما اعتبر رئيس حكومة الولاية برامود ساوانت أن الفيضانات هي الأسوأ منذ عام 1982ّ. وإلى الجنوب في ولاية كارناتاكا، ارتفع عدد القتلى من ثلاثة إلى تسعة بين ليلة وضحاها وفقد أربعة آخرون.
الصين..فيضانات قاتلة
ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات التي وقعت في مدينة تشنغتشو بوسط الصين إلى 63 قتيلا، وتحولت طرق مؤلفة من عدة حارات لأنهار، مما أدى لطفو السيارات. وغمرت مياه الفيضانات مترو الأنفاق، مما أدى لمحاصرة المئات.
وألغت منطقة شنغهاي التجارية الصينية والمناطق الساحلية المجاورة جميع الرحلات الجوية وأبطأت أو أوقفت خدمة قطارات الأنفاق وأغلقت المتاجر مع وصول الإعصار إن-فا إلى اليابسة واقتلع الأشجار وأغرق المدن والبلدات بمياه يصل عمقها حتى نصف متر في شرق الصين. كما وصل الإعصار إلى منطقة بوتو في مدينة تشوشان وهي ميناء رئيسي في إقليم تشغيانغ الواقع على الساحل الشرقي.
وقالت إدارة الأرصاد الجوية إن الإعصار يتحرك بسرعة 38 مترا في الثانية أي ما يعادل نحو 137 كيلومترا في الساعة.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن بلاده تواجه فيضانات ّخطيرة للغاية، بعدما أعلنت السلطات في تشنغتشو مصرع 12 شخصا جراء سيول غمرت مترو أنفاق في المدينة الواقعة وسط البلاد. وأعلنت سلطات تشنغتشو أنها قامت بإجلاء نحو 200 ألف شخص من المدينة المنكوبة، وأشارت إلى أن 36 ألف شخص تضرروا جراء الفيضان.
ألمانيا وبلجيكا..غضب الطبيعة
توفي 20 شخصا على الأقل وفقد العشرات جراء فيضانات عارمة وأمطار غزيرة اجتاحت ولايتي ّراين لاندّ وّشمال الراين وستفاليا غربي ألمانيا. وقد أدت الأمطار الغزيرة لارتفاع مستوى مياه الأنهار واقتلاع الأشجار وإغراق المنازل والطرق بالمياه.
وقالت بالاتينات مالو دراير رئيسة وزراء ولاية راين لاند ّلم نشهد كارثة بهذا الحجم من قبل، إنها مدمرة حقاّ.
وقال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر لصحيفة ّبيلدّ الألمانية إنها ّمأساة حجمها بعيد عن أن يكون متوقعاّ. وأضاف أن هذه الظروف المناخية القصوى هي عواقب تغير المناخّ، معتبرا أنه على ألمانيا ّأن تكون أكثر استعداداّ له.
أما في بلجيكا، فقد ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن 4 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم جراء الفيضانات التي غمرت عدة مدن، وقالت وسائل إعلام محلية إن هطول الأمطار الغزيرة تسبب في دمار واسع بالممتلكات. كما أسفرت الفيضانات المتنامية في البلاد عن إجلاء نحو 3 آلاف شخص.
وطالت الفيضانات دولا أوروبية أخرى، ففي هولندا تضررت الكثير من المنازل في إقليم ليمبورغ جنوبي البلاد، وجرى إخلاء عدة دور للرعاية، كما يهدد ارتفاع منسوب المياه بعزل بلدة فالكنبورغ الصغيرة في غرب ماستريخت.
تركيا واليونان…200 حريق
اشتعلت النيران في بعض مدن المنتجعات التركية على البحر المتوسط وصلت إلى200حريقا اشتعل في غابات البلاد، تمت السيطرة عليها باستثناء الحرائق في منطقتي ميلاس وكويجيز.
واستخدمت تركيا في الإطفاء الطائرات المروحية، واستعانت بالطائرات المسيرة لإخماد الحرائق التي اندلعت قبل نحو أسبوعين في 47 ولاية، خاصة جنوبي البلاد، مثل أنطاليا وأضنة وموغلا ومرسين وعثمانية، كما حصلت على الدعم من دول عدة.
ولا تزال اليونان تواجه حرائق متزامنة اندلعت أشدها في جزيرة إيفيا، وهي ثاني أكبر جزيرة بالبلاد (200 كيلومتر شرق أثينا). ولليوم السابع على التوالي، تواصل فرق الإطفاء مكافحة الحرائق في جزيرة إيفيا، وقال مصدر مسؤول في الجزيرة إن 500 رجل إطفاء -بينهم 200 من أوكرانيا ورومانيا- تؤازرهم 17 طائرة قاذفة للمياه وطائرة مروحية، يحاولون إخماد الحرائق ومنعها من الوصول إلى المناطق السكنية.
وأكد نائب حاكم إيفيا صعوبة الأوضاع في الجزيرة بسبب ضعف الموارد، مشيرا إلى أن النيران التهمت 35 ألف هكتار على الأقل، كما دمرت مئات المنازل، فضلا عن إخلاء عشرات القرى من سكانها.
وأجلت السلطات آلاف السكان باستعمال عبّارات، في حين قال رئيس الوزراء اليوناني إن بلاده تعيش صيفا مرعبا.
حرائق وأمطار بإيطاليا
شهدت إيطاليا حرائق غابات أيضا. ففي مدينة بيسكارا الإيطالية، على ساحل البحر الأدرياتيكي، هرب الناس من الشاطئ عندما رصدوا الدخان وألسنة اللهب تتصاعد من غابة صنوبر قريبة، كما أصيب عدة أشخاص عندما حاولوا إطفاء الحرائق التي وصلت إلى منازلهم.
وبعد أسابيع من اندلاع حرائق الغابات يتعين على البلاد التعامل مع أمطار غزيرة وفيضانات وانهيارات أرضية وطينية ببعض المناطق خاصة في شمالها.
وقالت السلطات المحلية، إن هطول أمطار غزيرة في ّساوث تيرولّ أدى لفيضان الأنهار، كما تم إغلاق الطرقات بسبب الانهيارات الأرضية، مشيرة إلى فيضان نهر ّايساكّ على ضفتيه في مدينة ّكلاوسينّ، ما دفع الشرطة لمطالبة الأهالي بالتوقي والحذر والاستعداد لفيضانات مرتقبة.
وأوضحت أن السكان في إقليم ّلومبارديّ يواجهون مستويات مياه مرتفعة وسيول من الطمي، بما في ذلك على طول بحيرة ّكوموّ، التي فاضت لفترة قصيرة، ما أدى لغمر شوارع بأكملها بالمياه، مضيفة أن طمي ّبحيرة جارداّ غمر فندقا في بلدة ّليموني سول جارداّ، وتم إنقاذ نحو 100 نزيل.
ونشرت قوات الدفاع المدني الإيطالي نحو ألف من رجال الإنقاذ في المناطق المتضررة، كما تخضع إيطاليا الآن لثاني أعلى مستوى طوارئ ضمن أربعة مستويات.
أمريكا وروسيا
أعلنت السلطات في ولاية كاليفورنيا (غرب أمريكا) أن حريق ديكسي الذي اشتعل منذ 3 أسابيع شمالي الولاية ما زال مستعرًا، ليصبح ثاني أكبر حريق في تاريخ الولاية.
وقالت إدارة الغابات في كاليفورنيا إن رجال الإطفاء يواصلون معركتهم ضد 11 حريقًا في الغابات والأبنية بأنحاء الولاية.
ومن جانبها، أعلنت الوكالة الفدرالية للغابات في روسيا أن المساحات التي تشهد حرائق شرقي البلاد بلغت حتى الآن نحو مليون و793 ألف هكتار من الأراضي. وأضافت الوكالة أن الجهود تتواصل لإخماد الحرائق المتواصلة في مناطق مختلفة من البلاد.
وأشار البيان إلى إخماد حرائق في 44 نقطة مختلفة، خلال 24 ساعة الأخيرة، لافتًا إلى استمرار اشتعال 176 حريقًا تبلغ مساحتها الإجمالية نحو مليون و793 ألف هكتار.