«الاجتماعات الحكومية التي كان يرأسها بوتفليقة اشتهرت بطولها المزعج»
إعداد : حسن البصري
على الرغم من كثرة التحركات السياسية لم يخلف محيي الدين عميمور موعده مع الكتابة الصحفية، خاصة أعمدة الرأي في صحيفة الأهرام المصرية، فمع مطلع صبح كل اثنين يتخلص المستشار الإعلامي من جميع صفاته المهنية ويتحول إلى صحفي يعيد قراءة الوضع الجزائري والعربي بصيغة أخرى.
يقول محيي الدين عن هذه الازدواجية: «كانت الكتابة في الأهرام شرفا أعتز به بقدر ما كانت مساهمة متواضعة في توضيح الرؤية العربية بالنسبة لما كانت تعرفه الجزائر في تلك المرحلة الدامية. أرسلت مقال الأسبوع الماضي كالعادة يوم السبت لأفاجأ في نفس اليوم بقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتكليفي بوزارة الثقافة والاتصال، ترددت في ذهني تلك الآية الكريمة التي تتحدث عن إشفاق السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة، وفي الوقت نفسه تذكرت سطورا قاسية كان أحد قراء الأهرام قد بعث بها إلي في العام الأسبق عندما تحملت عضوية مجلس الأمة».
احتار الرجل الذي أصبح يحمل قبعتين في ما سيقوله لقراء الأهرام، خاصة بعد أن اختار الاستقالة من الكتابة، «لقد فقدت حريتي ككاتب مستقل بمجرد تعييني وزيرا ولن يصدقني أحد إذا قلت رأيي الشخصي».
أشارت الأهرام إلى تعيين أحد كتاب الرأي فيها وزيرا للثقافة والاتصال، في نفس المكان الذي ظل يكتب فيه محيي الدين عموده «حديث الاثنين»، وذكرت بمكانته من بين كتاب الأعمدة في الأهرام الذين عينوا وزراء للثقافة أو الإعلام وأولهم محمد حسنين هيكل. سعد الوزير بالخبر وصياغته فبادر إلى اقتناء أعداد كثيرة منها وزعها على أصدقائه.
تابعت الأهرام الحديث عن التغيير الوزاري الذي أحدثه عبد العزيز بوتفليقة، وصنفت عميمور في خانة المحافظين مثل زميله عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية، وهو ما أغضبه.
كتبت الأهرام قراءة في التعديل الحكومي تحت عنوان: «إحداث وزارة جديدة يسيطر عليها الاتجاه المحافظ»، تحدث مقال عن طبيعة التعديل يحمل توقيع «وكالات». شعر الوزير والصحفي عميمور بخيبة أمل واتصل بعبد المنعم سعودي سفير جمهورية مصر في الجزائر وقال له إن مندوب أي صحيفة في الجزائر هو سفير لمؤسسته الإعلامية، ومهمته هي أن ينقل الصورة الحقيقية من واقع رؤيته وعلى ضوء تجربته، بدل اللجوء لما تكتبه الوكالات.
رفع الوزير الجزائري من نبرة عتابه حين قال لسفير مصر، «بصراحة أنا لا أرى داعيا لتحمل كل النفقات التي يتطلبها وجود مراسل دائم لجريدة مادامت وكالات الأنباء تلتقط في كل مكان، خاصة حين يتعلق بمراسل مؤسسة إعلامية عريقة تضم أكبر صحفيي العالم العربي، فتحت أمامه كل الأبواب بما في ذلك باب بيتي شخصيا، وتأكد اليوم أنه لم يكن في مستوى الثقة، وهكذا حرم العديد من أصدقائي من عدد الاثنين، إذ أنني لم أقم كالعادة بتوزيع النسخ التي كنت قد طلبتها».
كتب محيي الدين رسالة وداع لقراء الأهرام، اعتذر فيها عن الكتابة بحكم منصبه «الحساس» شاكرا هيأة تحرير الصحيفة وبعض القراء دون أن يلقي التحية على مراسل الأهرام في الجزائر.
«كنت أعرف أن مراسل الأهرام آنذاك يقوم بتشغيل عدد من الصحفيين الجزائريين الذين يعدون له مضامين مراسلاته أو نصوصها مقابل حفنة من الدولارات، ومن هنا جاء تعبير «المحافظين» وهو تعبير غير مستعمل في الوطن العربي، مما يبرز اتجاه أولئك الصحفيين، ولأنني كنت أعرف معظم من يتعاونون مع المندوب الدائم للأهرام في الجزائر، فقد أيقنت أن الرجل مخترق فكريا».
يروي عميمور قصة مراسل الأهرام ويتحدث عن الإمكانيات التي وضعتها الحكومة الجزائرية والمصرية تحت تصرفه، وقال إنه كان من المتحمسين لجمال مبارك نجل حسني مبارك، الذي كان يستعد لوراثة منصب الرئاسة في مصر، بل إن الصحفي المصري لم يكن يخفي ولاءه لجمال.
«استطاعت المجموعة الجزائرية التي أحاطت به، ومن بين أعضائها من كانت له صلة بمراكز النفوذ المتناقضة مع الاتجاه الذي أمثله، أن تكسبه لصالح توجهاتها، وأصدر المراسل في الجزائر كتابا عنها ضم مجموعة من الحوارات وحمل عنوانا مشبوها فيه حكم قيمة «الدائرة المغلقة» طبعته وكالة النشر والإشهار باهتمام خاص من الوزير الأسبق، وبعد سقوط نظام مبارك أصبح هذا الصحفي في طليعة من هاجموا نظامه وأصبح يقدم برنامجا في قناة الحياة خصصه لاصطياد رموز النظام البائد».
مرت مياه غزيرة تحت جسر العلاقات الجزائرية المصرية ونسي عميمور خلافاته السابقة مع مندوب الأهرام، فأصدر بعد تقاعده الوزاري كتابا بعنوان «أربعة أيام صححت تاريخ العرب»، والذي تناول العلاقات الجزائرية – المصرية، وأبرز المواقف النضالية التي تبادل فيها الشعبان المؤازرة والتأييد، متوقفا عند مهزلة التغطية الإعلامية لتداعيات مباريات الكرة الشهيرة التي جمعت المنتخبين في أم درمان.
قلب الرجل صفحة الصحافة ووضع قلمه في غمده وشرع في التأقلم مع مركزه الجديد، حيث تسيطر الاجتماعات على أجندته، وفي الاجتماع الثاني للحكومة، برئاسة علي بن فليس، اقترح تكوين ست لجان وزارية لإعداد البرنامج الذي ستتقدم به الحكومة إلى البرلمان، وقد عرفت الاجتماعات بطول زمنها إذ غالبا ما يتسرب إلى الوزراء الملل وتضيع مقترحاتهم. وهناك فرق بين مجلس الوزراء الذي يعقد تحت رئاسة رئيس الجمهورية، ومجلس الحكومة الذي يرأسه رئيس الحكومة.
«عرفت الاجتماعات التي كان يترأسها عبد العزيز بوتفليقة بطولها المزعج، الذي وصل أحيانا إلى 12 ساعة، منها سبع أو ثماني ساعات متواصلة دون انقطاع، وغالبا ما يتناول الوزراء طعام الغداء في وقت العشاء، وكانت اجتماعات الحكومة تسير على نفس المنوال إلى أن أصبح علي بن فليس يقسم الاجتماع إلى فترتين تفصل بينهما فترة راحة لتناول الغداء، وكان ذلك بإصرار مني وتفهم منه».
حرص الوزير الذي يحمل حقيبتي الثقافة والإعلام على منح الثقافة الأولوية، إيمانا منه بأن الإعلام ظل يهيمن على الثقافة، مع التركيز على الجانب التاريخي، دون أن يقطع حبل التواصل مع حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه، خاصة أن رئيس الحزب بوعلام بن حمودة شعر بالحرج من زملائه وهو يتعرف على التشكيلة الحكومية دون أن يكون له رأي فيها أو يكون وراء ترشيح عميمور وبلخادم فيها.
بحكم مسؤولياته الوزارية ابتلع عميمور رد فعله أمام مجموعة من الغارات التي استهدفت الجزائر، خاصة ما جاء في كتاب «الحرب القذرة» من انتقاد لتحكم الجيش في السلطة، «كانت فيه إساءة واضحة لمؤسسة الجيش، لكنني تلقيت تعليمات واضحة من رئيس الجمهورية بخصوصها وهي تعليمات شخصية تلقيتها منه في مجلس الوزراء، دعا فيها للتصدي لكل من يمس بالجيش وقال «من يلمسه يجب أن يكسر».
«كلفت وزارة الخارجية سفيرها لدى فرنسا بلقاء الصحافة والرد على كافة القضايا التي كانت تشغلها، لكن لا يجب التوقع أن دولة مثل الجزائر سيختل توازنها وتهتز أركانها وتقوم فيها الدنيا ولا تقعد لأن ملازما صغيرا أصدر كتابا مشبوها، فضلا عن الأشياء المشبوهة الأخرى التي رافقت إصدار الكتاب في فرنسا وتسهيلات الإقامة التي منحت له في غضون فترة قصيرة».
وجد عميمور نفسه مقيدا لا يجرؤ على استعمال قلمه للرد على ما اعتبره حملات خارجية تستهدف الجزائر، وهو ما اعترف به حين قال: «لو كنت، كما كنت عليه قبل عدة أشهر مفكرا وأديبا أو كاتبا أمارس عملي بحرية مستقلا عن أي عمل رسمي، كنت أجبت على ما تنشره هذه الصحف، لكن كوني اليوم عضوا في طاقم الحكومة فلا أرد إلا على ما يصدر عن الحكومة الأخرى».