شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الاتفاقات التي لا تنفذ

عرفت بلاد عربية كثيرة في السنوات الأخيرة ظاهرة «الاتفاقات» التي لا تطبق، فمنذ اتفاقات المصالحة بين فتح وحماس والتي رعتها مصر مرات عديدة منذ عهد الرئيس الراحل حسني مبارك ولم تسفر عن أي مصالحة، وانتهاء بالجزائر التي وقع الطرفان على اتفاق جديد للمصالحة بينهما «على الورق»، ولم ينفذ في أرض الواقع.

مقالات ذات صلة

أما ليبيا، فمسارها السياسي لم يعرف منذ اتفاق الصخيرات في المغرب سنة 2015، إلا اتفاقات لم تنفذ، وتفاهمات لم تحترم، وإعلانات ومبادرات من عواصم كبرى في باريس وبرلين والقاهرة وكلها لم تنفذ.. وحتى حكومة الوحدة الوطنية التي تم اختيارها من ملتقى الحوار الليبي، الذي ضم ممثلين مختارين من مختلف المناطق والأطياف السياسية الليبية وقاموا في فبراير 2021 بانتخاب رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ومجلس رئاسي ثلاثي، لم تستطع تنفيذ الاتفاقات والمهام التي جاءت من أجلها.

فقد عهد إلى الحكومة الجديدة بمهمة توحيد المؤسسات الليبية وإجراء انتخابات في 2022، ولكنها لم تستطع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وعجزت لأسباب كثيرة عن توحيد المؤسسات، واستمر الانقسام بين المناطق الليبية المختلفة، وتعمق بعد أن كلف مجلس الدولة والبرلمان، وزير الداخلية الأسبق ورجل مصراتة القوي «فتحي باشاغا»، بتشكيل حكومة جديدة لم تستطع ممارسة مهامها.

أما السودان، فقد شهد أخيرا توقيع أكثر من 40 حزبا وتيارا سياسيا وعدد من الفصائل المسلحة على اتفاق إطاري مع الفريق البرهان، قائد الجيش السوداني، وبمقتضاه ستقوم سلطة مدنية بحكم البلاد بشكل انتقالي لمدة عامين، ومع ذلك فإن تحدي تطبيق الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه في احتفال رسمي هو تقريبا نفس الذي واجه اتفاقات المرحلة الانتقالية الأولى، فالقضية ليست في التوقيع على اتفاقات بين المكونات السياسية المختلفة كما حدث طوال السنوات الأربع الماضية، وإنما في وجود إرادة سياسية لدى كل الأطراف لتنفيذ ما يتم التوقيع عليه، وهو التحدي الكبير الذي يواجه السودان حاليا، كما يواجه ليبيا والأراضي الفلسطينية وغيرها.

إن التوافقات الهشة التي شهدتها في السنوات الماضية أكثر من تجربة عربية ظلت معرضة لانتكاسات مختلفة، بسبب غياب القدرة السياسية على تحويل هذه الاتفاقات إلى واقع ملزم ويحترم. والحقيقة أن ما يلفت النظر في مثل هذه الاتفاقات أنه رغم اختلاف السياقات بين كل خبرة وأخرى، فإن النتيجة واحدة، وهي عدم القدرة على الالتزام بالاتفاقات والتفاهمات الموقعة.. فيقينا، واقع حركتي فتح وحماس المتصارعتين (رغم أنهما تحت سلطة احتلال) يختلف جذريا عن خلاف الشرق والغرب في ليبيا، وعن خلافات القوى السياسية في السودان، ومع ذلك فالنتيجة واحدة: اتفاقات لا تُنفذ.

ظاهرة الاتفاقات التي لا تُنفذ والقوانين والدساتير التي لا تُحترم يجب مواجهة أسبابها، حتى يستطيع العالم العربي أن يتقدم إلى الأمام.

عمرو الشوبكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى