بقلم: خالص جلبي
العاصفة تكنس الطبيعة وتعيد ترتيب العلاقات، والثورة تكنس الأوضاع وتعيد تنظيم علاقات القوة وتوزيع الثروة، والعلم يقلب التصورات في قفزات كمية؛ ليحدث في النهاية ثورات علمية نوعية. نحن اليوم نمشي فوق الزلزال العلمي الذي يقذف حممه دون توقف.
وخلال فترة قصيرة تم الإعلان عن اختراقات معرفية مثيرة:
1ـ في (الفيزياء الذرية) أعلن الفيزيائي «أولرت» من معهد «سيرن CERN» في جنيف عن «تصنيع مضاد المادة ANTIMATERIAL»، فأمكن تركيب ذرة مقلوبة الهيئة من بروتون سالب وإلكترون موجب «بوزيترون». إذا اجتمع الضدان (المادة وضدها) تولدت طاقة، أعظم من كل طاقة حلم بها الإنسان منذ عصر اليونان.
2ـ وفي (الكوسمولوجيا) أعلن عن «كوكب بيغاسوس» يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي، بتطبيق ظاهرة «ترنح النجم»، «نحتاج إلى 80 ألف سنة للوصول إليه، وإذا وصلنا مع تمدد الكون المستمر قد لا نلقاه حيث توقعنا»، كما ما زلنا نتذكر كيف رست مركبة «الباثفايندر» على سطح المريخ؛ لتندلق من أحشائها عربة «السوجرنير» الأنيقة، مزودة على ظهرها كسلحفاة، بمائتي حجرة ضوئية للطاقة، تعاين سطح المريخ بعيون ثلاثية الأبعاد، تنحني بأنفها، تشم سطح المريخ العابق بأكاسيد الحديد الحمراء تقول: لا المس مس أرنب ولا الريح ريح زرنب.
3ـ وفي (البيولوجيا) بعد إعلان «أيان ويلموت» من اسكتلندا، عن أول نجاح له بتوليد النعجة دوللي، بواسطة الاستنساخ الجسدي، تبعها جيلان «بوللي» و«بوني» بنعجات تحمل جينات بشرية، وقفزت أجيال متراكبة من خمسين فأرا، تقفز بمرح ورشاقة، من الاستنساخ الجسدي في نسخ تتري، نجحت فيها التجربة بعد خمسين محاولة، عرضها اليابانيون في مؤتمر علمي بما عرف بـ«تكنيك هونولولو». ومن أوريغون في أمريكا تمت عملية استنساخ مرادفة طبقت على القرود، في قفزة نحو الاستنساخ الإنساني؛ عندما توقع عالم الجزيئات البيولوجي «لي سيلفر» أول نسخة إنسانية خلال سنوات قادمات «قد يكون هناك إنسان مستنسخ يدب بيننا ولم يعلن عنه بعد؟»
4 ـ وفي (الأنثروبولوجيا) استطاع الأمريكي «دونالد جوهانسون» انتشال هيكل «لوسي LUCY» المدفون في طبقات الأرض، في مثلث عفار بالحبشة، وبتطبيق تقنية «الأرغون ـ البوتاسيوم» المشع، أمكنه أن يحدد عمر أنثى تمشي منتصبة بطول 120 سنتيمترا، وبحجم دماغ لا يزيد على 450 سنتيمترا مكعبا، يعود إلى زمن سحيق يرجع إلى 3,2 ملايين سنة، واستطاع زميله «تيم وايت TIM WHITE» وبواسطة تمويل سيدة أمريكية ثرية محبة للعلم، أن يعلن عن كشف أقدم هيكل عظمي عرف حتى الآن، يعود إلى 4,6 ملايين سنة، ضاربا الرقم القياسي في عمر الإنسان السحيق، أعطاه اسم «أرديبيثيكوس راميدوس» في اقتراب حثيث لجذور وجود الإنسان الأولي، التي تقدر بـ(5 – 7 ملايين سنة).
5 ـ وفي (الطب) أعلن الأخوان الصقليان «فاكانتي» عن ثورة جديدة في استنبات الأعضاء، بتعاون علم البيولوجيا والكمبيوتر والهندسة الحيوية؛ فنجحا في استنبات 14 نوعا من الأنسجة، وكبد جرذ، وذراع إنسانية غير كاملة، ليلحقه تكنيك جديد لتوليد الأعضاء، بما يشبه الاستنساخ المتطور، بالاستفادة من الخلايا بعد تميزها، ودفعها باتجاه توليد عضو بذاته، من قلب ووعاء وكلية.
وهكذا يتقدم الطب بكسر المسلمات السابقة، كما فعل جراح العظام الروسي «إليزاروف»، بمعالجة العظم ليس بالتجبير بل بالكسر. عندما اهتدى إلى طريقة انقلابية في معالجة قصر القامة، التي كانت قدرا بيولوجيا؛ فمط الأقزام؛ بتسخير قانون ضد قانون، بالاستفادة من آلية النمو داخل البدن، سنة الله في خلقه.
6ـ وفي (الكيمياء) قفز العلم إلى حل مشكلة جنسية، يعاني منها الرجال منذ أيام حمورابي، بالإعلان عن الماسة الزرقاء «الفياغرا Viagra» تم تركيبها بصدفة جانبية.
7 ـ وفي (علم الخلية) أعلن الثنائي «جيري شاي» و«وودرنج رايت» من تكساس، عن استنساخ إنزيم «التيلوميراز» وحقنه في الخلايا؛ فأعطاها فسحة جديدة من العمر؛ فتابعت انقسامها بهمة لا تعرف كللا، في مؤشر إلى إمكانية مط أعمار الناس قرونا، مذكرا بقصة أصحاب الكهف.
8ـ وفي (أبحاث الأعصاب) في السويد من جامعة «لوند» أعلن طبيب الأعصاب «وايدنر» عن بداية رحلة زرع الدماغ، بتقنية الاستفادة من بقايا «الأجنة الساقطة» في عزل خلاياها العصبية، وإعادة زرعها بنجاح في أدمغة المصابين بداء (باركنسون الرقصي) لتحل مكان الخلايا التالفة، في كسر مريع لعقيدة ثبات الخلايا العصبية.
9 ـ وفي (أبحاث الجينات) من لوس ألاموس أنجز مشروع الماموت الجديد «الجينوم البشري» العالمي لفك الشيفرة الوراثية عند الإنسان، ونجح «كريج فينتر» في فتح «الطريق السريع» لكشف الكود الإنساني بثلاث سنوات، مسخرا ثلاثمائة كمبيوتر، تعمل أطراف النهار وآناء الليل، بكمبيوترات لا تعرف الاستراحة وشرب القهوة، تقدح بيديها أشعة الليزر، فوق أسرار نواة الخلية، وتقوم «جراحة الجينات» بأخطر لعبة على الإنسان منذ أن بدأت الخليقة رحلتها، فسبق مشروع الجينوم وهو يفكر بفك جينومات الخلائق جميعا؟
10 ـ وفي أبحاث (التاريخ) قامت الكنيسة بما يشبه «بريسترويكا» داخلية بالسماح للعلماء بدخول أقبية الفاتيكان، يناظرون 4500 ملف سري، من عصور ظلمات التعصب الديني وحرق قريب من مليون امرأة بتهمة السحر، أو الكتاب الأسود الذي يعرض جرائم الشيوعية، تقتل قريبا من مائة مليون إنسان، باسم يقين الإيديولوجية.
نافذة:
أعلن الأخوان الصقليان «فاكانتي» عن ثورة جديدة في استنبات الأعضاء بتعاون علم البيولوجيا والكمبيوتر والهندسة الحيوية فنجحا في استنبات 14 نوعا من الأنسجة