شوف تشوف

الافتتاحية

الاتجار بقضية الأسرة

شرعت الأحزاب السياسية في القيام بتسخيناتها السياسية الأولى لموسم الاتجار بقضية المرأة، للتعويض عما تم فقدانه من مواقع ومقاعد انتخابية. ومع اقتراب موعد تعيين المجلس الوطني للأسرة والطفولة، أو وضع مشروع قانون جديد لمدونة الأسرة، وفق التوجيهات الملكية، سيكثر الحديث عن هذه المحطة المجتمعية، وسيتصاعد النقاش، بل الجدال، بشأن مختلف مراحل هذه العملية والكثير من تفاصيلها.

وبدون شك ستبدأ حفلة المزايدات والسجالات والمناكفات في ما بين السياسيين والقوى من قبيل تسجيل النقاط والحشد، أو التحشيد، والتهييج وهو الأمر الذي يفسر، بدوره، نوعية المفردات والعبارات واللغة التي سيتم استخدامها، والتي لن تمت، في كثير من الأحيان، إلى العقلانية والرؤية المسؤولة والوطنية بصلة، بل تجافي الواقع، وتحاكي الغرائز السياسية لبعض التوجهات.

بيد أن أسوأ ما يمكن أن يحدث في هذا الموضوع، أن هذا النقاش السياسي، وكذلك إدارة الحوار والمنافسة، على الأصعدة السياسية والشعبية والنخبوية، أن تتحول قضية بهذا الحجم إلى ساحة للتصفية الإيديولوجية وأن لا يرتفع النقاش إلى درجة الوعي السياسي والوطني الذي يقتضيه موضوع من حجم إصلاح الأسرة المغربية التي توجد اليوم على حافة الانهيار اجتماعيا وماديا وقيميا وديمغرافيا.

لذلك لا تجوز المزايدة على موضوع حقوق المرأة والأسرة لتلبية عجز سياسي، وأعتقد أن الرأي العام لن يعيد تكرار ما حدث من انقسام سنة 2004، ولن ينجر إلى تصرف لا يعكس سوى استثمارات سياسية، بما ينطوي عليه هذا النمط من الاتجار السياسي من مفردات عنيفة وأشكال التحريض في سياق اجتماعي صعب.

والذي يعلمه السياسيون قبل غيرهم أن حقيقة الخلاف بشأن قضية الأسرة أبعد بكثير مما تعلنه خطاباتهم السطحية، وقبل ذلك فهم يعلمون أن موضوع الأسرة حساس ومرتبط بمجال محفوظ لرئيس الدولة، سواء بصفته ملكا دستوريا أو أمير المؤمنين، وبدلاً من تخصيص بعض السياسيين نهاية الأسبوع للتراشق بقضية المرأة والأسرة وتحويلها إلى عملة سياسية، فإن الصراع والتدافع المقبولين يجب أن يكونا على أساس الاقتراحات والمذكرات وقوة الترافع، في كل ما له صلة بتطلعات الأسرة وتحسين أوضاعها من خلال محاربة العزوف والطلاق وتشغيل الأطفال وتحسين الوضع الاجتماعي للأسر.

ومن الوهم أن نعتقد أن إنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها ومساواتها بأخيها الرجل وتحسين وضعية الأسرة ستتحقق بمجرد إصدار قانون جديد لهذا الغرض، فالطريق طويل ومليء بالمصاعب والأعراف والثقافة البالية والتفسيرات الدينية التي لا تساير مقاصد الإسلام، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأول الخطوات المطلوبة هي التوقف عن اللغط والمزايدات وفسح المجال للعقلاء والحكماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى