شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

الإيدز والختان عند الذكور

 

 

 

بقلم: خالص جلبي

كتبت عن ختان الإناث أنه جريمة في التشويه والخطر والحرمان من المتعة الجنسية عند المرأة، باستئصال منطقة البظر، وأشنعه ما يسمى الختان الفرعوني، وأن 140 مليون امرأة تعرضن لهذه الجريمة، وكل سنة مليونان ويوميا 6000 فتاة في إفريقيا، خاصة يجري عليها بالشفرة وموسى الحلاقة لقطع الأعضاء التناسلية عندها، بما يحمل من التشوه وخطر التسمم والنزف والموت، فراسلني من قال: فما بال ختان الذكور، هل له من فائدة؟ هنا حضرتني مصيبة الإيدز وعلاقتها أيضا بالختان.

لا غرابة أن أعلن «كوفي عنان» حملة ضد الإيدز يومها مع اندلاعه، فهو إفريقي وعالمي ويعرف معاناة إفريقيا اليوم من هذا المرض العضال، وقد مات من المرض حتى الآن أكثر من عشرين مليون نسمة. وهو في إفريقيا مثل الوباء، ويموت الأطفال منه مثل تساقط الذباب، ولكن لا يوجد له حتى الآن لقاح أو دواء نوعي. وأفضل علاج له الطهارة الأخلاقية، والاحتياط الطبي الصارم، والعزل المشدد للمصاب. وفي خريطة (الجغرافيا الإمراضية) لتوزع مرض الإيدز، يظهر بشكل واضح خلو العالم العربي نسبيا من لعنة الإيدز.

ولقد تبرع «بيل غيتس»، إمبراطور الميكروسوفت، في مؤتمر (دافوس) الاقتصادي في سويسرا في مطلع عام 2000 م، بمبلغ مائة مليون دولار لأبحاث الإيدز. وكانت وزيرة الصحة الأمريكية عام 1982 قد توقعت أن تحل مشكلة المرض في مدى أربع سنوات، وقد مر اليوم على ذلك التصريح المتعجل 41 سنة وليس في الأفق شيء. وإفريقيا اليوم تحمل الوزر الأكبر من هذا المرض، فعدد المصابين في العالم يحتشد 70 في المائة منهم في إفريقيا، باستثناء الشمال، حيث العالم العربي.

وفي الخريطة يظهر بشكل واضح أن توزع المرض يحتل جنوب صحراء الجزائر. ويبلغ عدد المصابين حدا مرعبا، قفز إلى 25 مليون مصاب، مما يوحي بإمكانية انقراض العرق الأسود، إذا استمر المرض في هذا التسارع ولم يوجد لقاح أو علاج، وهو الحاصل اليوم. وفي الخريطة الإمراضية، التي عرضتها مجلة «دير شبيغل» الألمانية عن عدد المصابين في إفريقيا، تبين وجود أشد الإصابات في الجزء الجنوبي من القارة السوداء، حيث يبلغ عدد المصابين 15 في المائة، وأكثر من السكان في الأعمار التي تتراوح بين 15 و49 سنة، في مناطق مثل أنغولا وزامبيا وناميبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وجنوب إفريقيا، وكلها محتشدة في الجنوب. في حين أن هذه النسبة تتناقص إلى درجة أقل من خمسة بالألف في الشمال الإفريقي، حيث مصر وليبيا وتونس وهو منظر لافت للنظر، حينما يقع نظر المرء على الخريطة في شهادة جميلة على معنى الثقافة في انتشار مرض من انحساره.

ولا غرابة أن سمي مرض الزهري سابقا بالإفرنجي، لأنه توطن بين الإفرنج في أوروبا. وتقول الإحصائيات إن 70 في المائة من إصابات الإيدز تالية للاتصال الجنسي، وعدد المصابين 12,8 مليونا ومعظمهم في إفريقيا، ولكن المثير في المعلومات الجديدة أن الختان يقي من الإيدز، وهناك هجمة عارمة للاختتان. وتفسير هذا جاء من جامعة «ميلبورن» أن السبب هو تعشيش الفيروس في جلد الحشفة الداخلي، ولا يحصل هذا مع السطح الخارجي. وقام «بروس باترسون Bruce Patterson»، من جامعة «الشمال الغربي» من شيكاغو، بتجربة مثيرة، عندما طلب من المشافي مده بكل الحشفات المقطوعة، خاصة من أولئك الذين يتخلصون منها، بسبب ضيق القلفة، وعمد إلى تعريضها لفيروس الإيدز، خاصة عند المجموعة الأشد تعرضا للمرض في العمر بين 20 و40 سنة،  ولشدة دهشته رأى أن الفيروس يعشش بشكل واضح في جلدة الحشفة الداخلية، في الوقت الذي يتساقط من الجلد الخارجي لمقدمة القضيب، كما تتساقط حبات المطر فوق مظلة واقية.

وبالمقارنة فقد ارتفعت نسبة الإصابة بالإيدز عند غير المختونين 2,5 إلى ثماني مرات. ولذلك فهو ينصح بشدة بممارسة عادة الطهور عند الذكور، كما هو متبع عند المسلمين كوقاية من مرض الإيدز، خاصة في إفريقيا التي تشكل الإصابات فيها 70 في المائة، مما هو موجود في العالم، في الوقت الذي يشكل سكان إفريقيا 10 في المائة من تعداد سكان العالم.

لقد ساقتني ظاهرة الإيدز إلى القيام بدراسة موسعة، فكتبت كتابا بما يزيد على 400 صفحة شرحت فيه قسمه الطبي، ولكنني تأملته في جوانبه الأخلاقية والفلسفية والدرس العظيم الذي يؤخذ منه، ولفت نظري أن القرآن الكريم ذكر قصة لوط في أربعة عشر موضعا، وأحيانا في الموضع الواحد يعالجها بما يزيد على خمس عشرة آية، في حين أن الزنى ذكر في أربعة مواضع فقط، ثلاثة منها مدمجة مع معان أخرى مثل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ـ «الفرقان»، الآية: 68)، أو بشكل غير مباشر (والذين هم لفروجهم حافظون- سورة «المؤمنون»، الآية: رقم 5)، أو بشكل مقتضب كما في سورة «الإسراء» (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا- الآية: 32). ولفت نظري أن نقطة الصراع الأساسية في قصة لوط خلافا لقصص الأنبياء الأخرى، كانت تصب فقط في الانحراف الجنسي. فقضية هذا النوع يعطيها القرآن كل هذا الحجم لا تفهم فقط في إطارها الزمني والموضوعي، ثم النهاية المرعبة لعملية جراحية كونية كبرى باستئصال ورم اجتماعي برمته، لينجو أفراد يهربون على وجوههم ولا يلتفتون (حتى التفاتا) إلى ورائهم لما يحدث، يجعلنا نفهم البعد الأخلاقي العظيم في تفجر أمراض من هذا النوع. (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

 

نافذة:

الختان يقي من الإيدز وهناك هجمة عارمة للاختتان وتفسير هذا جاء من جامعة «ميلبورن» أن السبب هو تعشيش الفيروس في جلد الحشفة الداخلي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى