اتحاد الملاك يحمل أصحاب المقاهي والمطاعم والمحلات المسؤولية بسبب كثرة المخالفات
سكان يطالبون السلطات بإيجاد حل للوضع وآخرون عرضوا شققهم للبيع هربا من “الفوضى”
شكايات بسبب هجوم الكلاب الضالة وانتشار النفايات وغياب الإنارة وكثرة المنحرفين
النعمان اليعلاوي
على ضفاف نهر أبي رقراق تبحر القوارب التقليدية للعبور، قاطعة النهر جيئة وذهابا، مشتكية من “إهمال” يطولها منذ سنوات، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها أزمة كورونا، في الوقت الذي يواصل أصحاب قوارب النقل التقليدية بين الرباط وسلا على ضفتي نهر أبي رقراق التجديف لكسب العيش برغم ما يتهدد هذه المهنة في ظل القيود المفروضة على خلفية أزمة كوفيد-19، في وقت يشتكي مهنيو قوارب العبور بأبي رقراق من الإهمال الذي يطول الضفة والمنصة الخاصة بزبائن القوارب، ويرى المهنيون أن “الجهات المسؤولة لم تول أي اهتمام للقطاع، وعمقت أزمة كورونا الأزمة الاقتصادية التي تواجهنا”، حسب المهنيين.
وبين انشغال مهنيي القوارب التقليدية بالتجديف، تطفو على سطح ضفاف النهر مشاكل جمة باتت تؤرق زوار وسكان الضفة التي كان مسطرا أن تكون نقطة جذب سياحي واستثماري مهم للعدوتين، على أن تضم المحلات الراقية للعلامات التجارية الكبرى، ومقاهي ومطاعم من الطراز الرفيع، بالإضافة إلى إقامات سكنية عالية الجودة، قبل أن يتحول هذا الحلم إلى كابوس لدى عدد من السكان بسبب الإهمال الكبير للمشروع من طرف الجهات الوصية، فقد باتت الأزبال تكسو جنبات الوادي والكلاب الضالة تصول وتجول، فيما تعلو الهواء روائح نتنة خلفتها بقايا الزيوت وبعض ما تلقيه المطاعم والمقاهي الموجودة بالضفة خلسة وبعيدا عن أعين المسؤولين.
النفايات.. عنوان المعاناة
الإهمال وغياب التتبع والمراقبة لمشاريع تهيئة ضفتي أبي رقراق، حولا الضفة من نقطة جذب سياحي وفضاء نموذجي للعيش، إلى نقطة جذب للمنحرفين والسكارى ليلا، فينكشف ما تركه سمارى الليل نهارا، وتنتشر بقايا العربدة الليلية من قناني الخمر الفارغة وبقايا أزبال وطعام، في الوقت الذي ترتفع أصوات سكان إقامة “باب البحر” منادية بوقف “التسيب” على ضفاف النهر، وتحول بعض الأماكن منها المحال التي لم يكتمل تشييدها من مشروع إقامة باب البحر إلى أوكار للسكارى والمنحرفين، وهو ما يؤرق بال السكان الذين سبق ووجهوا شكايات متكررة إلى السلطات المحلية مطالبين بإيجاد حلول للوضع الأمني بالمنطقة.
وما يزيد من معاناة السكان، الذين اختار بعضهم وضع شققهم للبيع هربا من “الفوضى” التي باتت تعم المكان، غياب الإنارة على طول الضفة اليسرى للنهر، حيث يستغل المنحرفون الوضع ويحولون المنطقة ليلا إلى نقطة سوداء، فباستثناء الواجهة المطلة على مرسى القوارب واليخوت الخاصة، فالظلام يكسو الواجهة المقابلة لضفة الرباط من النهر، وباستثناء أمتار قليلة رصيف المطاعم والمقاهي يمتد الظلام على طول ضفة النهر وشاطئ سلا، ناهيك عن إصرار عدد من أرباب المطاعم والمقاهي بمشروع “مارينا” على تحدي السلطات المحلية من خلال تحويل محلاتهم لتقديم “الشيشة” ليلا، بعيدا عن رخص الاستغلال التي منحت لهم، كلها أوضاع دفعت بعدد من سكان “مارينا” إلى مغادرة شققهم والبحث عن بدائل في انتظار بيعها ومغادرة الإقامة السكنية بشكل نهائي.
ويقول ياسين، وهو شاب في أواخر الثلاثينيات، من سكان إقامة باب البحر بسلا المطلة على ضفة أبي رقراق، إن “الوضع هنا أصبح لا يطاق، فالأزبال باتت تتكدس غير بعيد عن الإقامة، ومعها تنتشر جحافل من الكلاب الضالة، تمضي طول الوقت بالضفة، ويتعالى نباحها ليلا”، يقول المتحدث، مضيفا أن “لسكان وحراس العمارات قصصا شتى مع المنحرفين والسكارى، أخويا ما كانشوفوش النعاس فالليل غير بالصداعات ونباح الكلاب”، يشير المتحدث، مردفا أن “الكثير من جيراني قرروا مغادرة الإقامة بسبب هذه المشاكل التي لا تنتهي على الرغم من مراسلات وشكايات تقدم بها اتحاد الملاكين، مكتب اتحاد الملاكين المشتركين، إلى السلطات المحلية بالمدينة، والتي قامت حينها بتنظيم حملة ضد الكلاب الضالة، لكن سرعان ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه وربما أسوأ”.
ومن جانب آخر، حمَّل (ياسين) جانبا من المسؤولية للمقاهي والمطاعم الموجودة بالمشروع السكني “باب البحر” بمارينا سلا، وقال إن “عددا من المطاعم توفر الغطاء لانحرافات بعض الأفراد مع استمرارها في العمل لساعات متأخرة من الليل، وتقديمها للشيشة في ضرب صارخ للقوانين، وهو ما يعطي الفرصة لعدد من الأشخاص الذين يختارون فضاء المارينا لمعاقرة الخمور والإلقاء بالنفايات والأزبال بجانب الإقامة، في ظل الظلام الدامس الذي يعلو جزءا كبيرا من المكان”، يقول المتحدث.
المطاعم.. فوضى ومخالفات قانونية
جزء كبير من معاناة سكان إقامة باب البحر بمارينا سلا كانت وراءها المقاهي والمطاعم الموجودة بالموقع، حسب ياسين، موضحا أن “ملاك وسكان الإقامة رصدوا عددا من المخالفات التي يقوم بها أرباب تلك المحلات، والتي تسيء لضفة أبي رقراق، ووجهنا ضدهم عدة شكايات للسلطات المحلية، لكن دون أن تتمكن من ردعهم”، يقول ياسين بنبرة أسف، مشيرا إلى أن جزءا من النفايات التي تنتشر على طول ضفة الوادي وأيضا بشاطئ سلا، يتسبب فيها، وإن بطريقة غير مباشرة، أرباب تلك المحلات، دون الحديث عما يلقى خلسة في الوادي وبعيدا عن الأعين”.
من جانبه، أشار رضوان معزيزو، مدير الموقع في الشركة الممثلة لاتحاد الملاكين المشتركين، بإقامة باب البحر بمارينا سلا، إلى أن “المخالفات التي تم تسجيلها ضد أصحاب المقاهي والمطاعم بالإقامة، كانت موضوع عدة شكايات وقد وصلت حد المحاكم، وهي التي ستبت فيها”، مبرزا أن “هناك عددا من الملاحظات بخصوص وضعية المشروع على ضفة نهر أبي رقراق، ومنها المتعلقة بالنظافة والإنارة، بالإضافة إلى عدد من النقاط التي أثارها السكان ويتوصل مكتب السانديك بشكايات من السكان بشأنه”.
وكان مكتب اتحاد الملاك المشتركين بالتجزئة الثالثة في إقامة باب البحر وجه مراسلة إلى رئيس وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، أشار فيها المكتب إلى أن بعضا من المطاعم لا تستوفي الحد المسموح به من الظهير رقم 1 – 03 – 59 بشأن التلوث الضوضائي، كما أشارت رسالة ممثل الملاك إلى “أن تلك المطاعم لا تحترم القانون المتعلق باحترام محيطها، من خلال العمل حتى ساعات متأخرة من الزمن دون مراعاة لما فيه احترام لراحة الساكنة، كما أن بعض هذه المطاعم توجد في وضع غير قانوني مقابل التراخيص الممنوحة لها من قبل وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، بسبب استخدام أفران الغاز بدلاً من الأفران الكهربائية، وإلقاء بقايا مواد القلي في المجاري المائية ما يتسبب في اختناقها”.
أشغال غير مكتملة ومشاريع معلقة
إلى جانب المشاكل التي يرى مهنيو القوارب التقليدية أنها باتت ترافقهم، والتي عمقتها الأزمة الاقتصادية المرتبطة بانتشار وباء كورونا، أوضح المهنيون أن “عددا من المشاريع التي أريد لها أن تحسن من جاذبية الضفتين للزوار، وترفع من جودة الظروف المهنية التي يشتغلون فيها، باءت بالفشل أو تم تجاهلها، كشأن مشروع تهيئة طريق مؤدية إلى المنصتين الأولى والثانية من ناحية سلا، وتزويد تلك الطريق بالإنارة العمومية، بالإضافة إلى مشروع الإصلاح الدوري للمنصات، وهي التي لم تخضع للإصلاح منذ تم تركيبها”. وأشار (إدريس.ي) إلى أن “اشتراك أرباب قوارب الصيد مع الفلايكية في نفس المنصة، جعلها عرضة للتلف، وشباك الصيادين تعيق مرور زبناء القوارب التقليدية، دون الحديث عن بعض بقايا الأسماك التي يتم إلقاؤها أو التي تعلق بجنبات المنصة وتصدر منها روائح كريهة تنفر الزبائن”.
وأشار المتحدث إلى أن “مهنيي القوارب التقليدية سبق وعقدوا عددا من اللقاءات مع مسؤولين محليين في كل من الرباط وسلا، وتلقينا وعودا بتحريك مشروع تأهيل المنطقة، ونقل الصيادين إلى محطة التفريغ بسلا، على أن يتم ترميم المنصتين، من الواجهتين معا، وتخصيص القوارب التقليدية لعبور النهر، وهو ما لم يتحقق منذ سنوات، بعد عدة مراسلات وجهناها للجهات المعنية”، مبينا أن “المهنيين أطلعوا من جهات غير رسمية على مشروع تحويل مصب نهر أبي رقراق إلى منطقة إيكولوجية أقرب إلى بحيرة تمتد من جنبات مشروع باب البحر بسلا، وهو ما جعلنا نتساءل عن مصيرنا، هل سيتم تنقيلنا؟ وأين؟”، يضيف المتحدث.
وفي المقال، أشار مستشار من الأغلبية المسيرة لجماعة الرباط، طلب عدم كشف اسمه، إلى أن “الجماعة غير معنية بمشاريع تهيئة ضفتي أبي رقراق، على اعتبار أنها باتت من اختصاص وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق”، موضحا أن “عددا من المشاريع التي تشرف عليها الوكالة، للجماعة عدة ملاحظات بشأنها، غير أنه لا وصاية للجماعة على الوكالة”، يشير المتحدث، مبينا أن “من الملاحظات التي كانت موضوع نقاش، ما يتعلق بالإنارة العمومية على مستوى المدينة العتيقة للرباط وكورنيش أبي رقراق، حيث تأخرت الأشغال بالكورنيش لمدة من الزمن، كما أن عددا من المناطق لم تزود بالأعمدة الجديدة، خصوصا بالجانب المحادي لقنطرة مولاي الحسن” يضيف المتحدث.
من جانبه، أوضح إدريس الرازي، رئيس مقاطعة حسان، التي يوجد كورنيش أبي رقراق بترابها، أن “المقاطعة لم تتسلم بعد المشاريع الخاصة بالكورنيش”، موضحا أن “تدبير وتهيئة عدد من المرافق حاليا، بما فيها الإنارة العمومية بالموقع، تحت وصاية وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، والمقاطعة ستواجه صعوبات مالية بعد تسلم المشروع، إذ إن السؤال المطروح هو هل تستطيع ميزانية المقاطعة الوفاء بالالتزامات المتعلقة بهذا المشروع”، يوضح الرازي، مبينا أن “الإنارة العمومية لوحدها في كورنيش الرباط، بعد تركيب عدد من الأعمدة الكهربائية والمصابيح، ستكون مرتفعة التكلفة، ولن تتمكن ميزانية المقاطعة من الوفاء بتأديتها، اللهم إلا إذا تمت مراجعة هذه الميزانية بناء على ما سيستجد بخصوص عدد من المشاريع التي ستتسلم تسييرها المقاطعة”، يضيف المتحدث.
القوارب التقليدية.. “التاريخ المنسي“
كانت ضفاف النهر هي البوابة الرئيسية بين الرباط وسلا، وكانت القوارب تقل أولئك الذين يعملون في مدينة الرباط ويقطنون في مدينة سلا، والمركب هو الصلة الوحيدة بين الضفتين” يقول إدريس (76 سنة) وهو يربط حبال قاربه الراسي على ضفة النهر قرب منصة الرسو، ويشد وثاق الحبل دون أن يغادر مركبه الذي يعد مصدر رزقه منذ ما يزيد عن خمسين عاما. فحسب إدريس فإن “قواربنا هي جزء من تاريخ المدينتين لكننا نعاني اليوم من دون أي دعم. نشعر أننا مهملون”، مضيفا أن عشرات الناقلين يقطعون النهر بالتناوب بين الضفتين جيئة وذهابا منذ طلوع الفجر إلى منتصف الليل.
وعلى الرغم من كون جانب من ضفتي أبي رقراق خضع للتهيئة من قبل الجهات الوصية التي كانت قد تدخلت من أجل تهيئة منطقة العبور الخاصة بالقوارب التقليدية، حيث تم طمر المستنقعات على جنبات النهر وتشييد منصات خاصة للركاب، وزبناء القوارب غير أن تلك المنصات باتت شبه مفككة، وتهدد حياة أولئك الزبائن القلائل الذين باتوا يحجمون عن زيارة المكان، فتلك المنصات الحديدية تم تركيبها منذ 10 سنوات، ولم تخضع للتأهيل والترميم، وهو ما دفع أرباب القوارب التقليدية إلى تقديم مساهمات في إطار من أجل إصلاح المنصات وإعادة تأهيل المنطقة التي يشتغلون بها، غير أن أزمة كورونا أوقفت المشروع، كما أن عددا من الناقلين التقليديين اختاروا التوجه إلى الصيد التقليدي على مستوى النهر، بسبب قلة الزبائن، وتوقفت مرات متعددة أشغال تهيئة الإنارة العمومية بالواجهة الرباطية للنهر.
وكان الملك محمد السادس سلم، قبل ثماني سنوات، شواهد استغلال قوارب جديدة لفائدة عدد من أرباب القوارب الذين يؤمنون العبور بين ضفتي نهر أبي رقراق، وهي العملية التي تولي أهمية كبيرة للبعد التاريخي، حتى يساهم المستفيدون في التعريف بتاريخ وثقافة المنطقة عند تعاملهم مع السياح المحليين والأجانب، واستفاد منها 72 شخصا في سياق دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للأنشطة المدرة للدخل، ومكنت العملية المستهدفين من التوفر على دخل قار بصفة مباشرة ودائمة، أخذا بالاعتبار حماية البيئية وأمن وسلامة المستهدفين والحفاظ على التراث الثقافي للمدينتين.
“أوراش” شوهت وجه الضفتين
إلى جانب عدد من المشاريع التي قال المتحدث إنها كانت مبرمجة في المنطقة، ومنها “تعبيد طريق نحو منصة القوارب التقليدية وتخصيص ورشة عصرية لإصلاح القوارب في المنطقة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل منصة خاصة بالقوارب الشراعية، إلا أن توقف الأشغال بعدد منها أو عدم إنجاز أخرى بالشكل المطلوب بات يشوه معالم (كورنيش أبي رقراق)”، وأوضح المتحدث أن “من بين هذه المشاريع ما وعدنا به من تخصيص طريق معبدة ومضاءة نحو المنصات (الطبلة)، بالإضافة إلى الأشغال التي تم إنجازها على مستوى الكورنيش من جهة الرباط، حيث لم تكتمل أشغال تغيير أعمدة الإنارة العمومية، وتم إنجاز ما أنجز دون احترام لمعايير وحدة الترصيف، وهو ما شوه المنظر العام برصيف الكورنيش، الذي كان وما زال مقصدا للرباطيين وزوار العاصمة”، يقول المتحدث، معتبرا أن “الأمر يتطلب تدخلا حازما من السلطات المحلية كما كان الشأن بالنسبة لقرار هدم النادي البحري”.
وبدل أن تساهم مشاريع تهيئة الضفتين في الرفع من جاذبية المكان، خلفت عدد من المشاريع تذمرا كبيرا لدى زوار المنطقة وقاطنيها، كشأن مشروع تركيب أعمدة الإنارة العمومية منخفضة الاستهلاك (ليد) بالضفة اليمنى للنهر، على امتداد كورنيش أبي رقراق بالرباط، فبعد ثلاثة أشهر من الأشغال والحفر وغلق الكورنيش في وجه المشاة، أنهت الشركة تزويده بالأعمدة المبرمجة، غير أن الأشغال أخذت منحى مغايرا لما هو مبرمج له وتم بشكل “ترقيعي”، إذ ما يثير انتباه الزائر بقايا حفر وأتربة تركتها الأشغال على رصيف الكورنيش.
في المقابل، تضرب وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق طوقا من الكتمان على المشاريع المستقبلية المتعلقة بتهيئة ضفة النهر ومصبه، فباستثناء الكشف عن مشروع مستقبلي يهم تمديد المارينا حتى تستطيع استقبال 100 حلقة إضافية، مع انتهاء الأشغال للمشروع العقاري لباب البحر، وهو ما تقول الوكالة في ورقة حول المشروع إنه سيمكن الميناء من التحول إلى فضاء للترفيه والجذب السياحي، حيث سيكون محاطا بمطاعم ومحلات للترفيه والاستجمام بالإضافة إلى تجمعات سكنية وفندقية، حيث تراهن الوكالة في مخططها المستقبلي على تجاوز عدد من الملاحظات التي شابت بعض المشاريع التي أشرفت عليها بضفة أبي رقراق.