شوف تشوف

الرأي

الإم روج

هناك معضلة حقيقية لن يُصلح الشأن العام أبدا في هذا البلد دون إصلاحها. سيارات الدولة التي تتجول في كل المدن المغربية، أثناء ساعات العمل وأيام السبت والأحد أيضا وفي جميع أيام الله الأخرى بما فيها الأعياد الدينية والوطنية.
هناك موظفون عموميون لديهم الصلاحية لاستعمال سيارات الدولة في تنقلاتهم خارج المناطق التي يعملون بها، ولديهم أيضا الحق في استغلالها بشكل رسمي في التجول أثناء عطلهم، باعتبارها وسيلة نقل تضعها الدولة رهن إشارتهم دائما، ما داموا في ذلك المنصب. وهناك بالمقابل سيارات أخرى، لا يحق أبدا لأي كان إخراجها من مرآب الإدارة العمومية خارج أوقات العمل الرسمية. ومع ذلك تجدها في الأسواق والشوارع والحدائق وأمام الحمامات العمومية وفي المنتزهات والأماكن السياحية.
استغلال سيارات الدولة شكل من أشكال الريع. وما لا يعلمه الكثيرون أن سيارات الدولة أرخص بكثير إن قورنت بقيمة الميزانيات التي تخصص سنويا لتزويدها بالمحروقات. وهكذا تصبح المصيبة مصيبتين.
بعض الموظفين، لا يحبون ركوب سيارات الدولة التي تكون من النوع الاقتصادي، أو محلية الصنع، ويفضلون استغلال سيارات الدولة، رباعية الدفع، أو الفاخرة.
لا أحد سيفهم لماذا تخصص الدولة لنفسها سيارات رباعية الدفع في مدن ومناطق لا توجد بها جبال ولا منحدرات. وكأن المهام في الوظفية العمومية تتعلق بصيد الحجل أو قنص «الحلّوف»، وليس قضاء أغراض المواطنين ومصالح الإدارات التي يشتغلون بها.
يمكن أن نتفهم، وضع الدولة لإحدى سياراتها، مع سائق طبعا، رهن إشارة موظف عمومي رفقة زوجته وأولاده، وسنعتبرها من وسائل الراحة التي يمكن أن نغض عنها الطرف. لكن ما يصعب هضمه، هو أن تكون سيارة الدولة من النوع الفاخر، في حين أن الدولة تتخبط في الديون التي يزداد ثقلها كل عام.
الدول المتقدمة، بجلال قدرها، توفر سيارات اقتصادية للموظفين، وعلى كل من يرغب في الحصول على سيارة فاخرة، أن يعمد إلى شرائها من ماله الخاص، وليس من مال الشعب.
في المغرب، توجد مدرسة قائمة بذاتها، يلجها كل الراغبين في حلب أموال الدولة إلى آخر قطرة. هؤلاء تعلموا أن يحصلوا على كل شيء مجانا من أموال الشعب، وألا يكتفوا فقط باقتناء سيارات فاخرة ووضعها في ملكية الدولة واستغلالها، بل أصبحوا يتعاقدون مع أصدقائهم من أصحاب مكاتب كراء السيارات، وهكذا أصبحنا في المغرب نرى كيف أن الإدارة العمومية أصبحت تكتري سيارات بعقود تمتد لسنوات، وتصبح بذلك قيمة الكراء أكبر من قيمة السيارة.
هؤلاء الذين يلجون هذه المدرسة التي تعلم الموظف العمومي، سواء كان وزيرا أو مندوبا أو موظفا صغيرا، يتخرجون غالبا بميزة «مشرف جدا»، ويصبحون بين ليلة وضحاها من كبار الأغنياء. لقد تحسسوا رقابهم عندما جاء عبد الإله بنكيران إلى الحكومة، وظنوا أن موعد الحساب قد جاء، لكنهم عادوا إلى ركوب سيارات الدولة، بل وشغلوا المكيّف أيضا، عندما سمعوه يقول «عفا الله عما سلف».
وهكذا أصبحنا نسمع عن شخص غادر الوظيفة العمومية لكنه أصر على اصطحاب سيارة الدولة معه، ربما لأن أطفاله يملكون ذكريات جميلة معها، وبالتالي لا يمكن أبدا إرجاعها للدولة، لأن مقاعدها أصبحت طرفا من «الكبدة».
لكن أبشع ما يمكن تصوره، أن تستغل سيارات الإسعاف، بدورها، في أغراض شخصية. ويمكنكم أن تصابوا بالصدمة، بهدوء، عندما تسمعون بوجود سائق سيارة إسعاف يخصصها لنقل لاعبي كرة القدم، ويستعملها للنقل السري أيضا. وبما أنها سيارة إسعاف، فإن السائق يكتفي بتشغيل الإنذار كلما اقترب من دورية أمن أو معبر للدرك، حتى لا يتم توقيفه.
إنها المأساة. ما معنى أن تتحول العقلية الجماعية في المغرب إلى التركيز على استنزاف للموارد المشتركة بهذا الشكل الفظيع. صحيح أن «الوجه» المشترك لا يتم تنظيفه، لكن هؤلاء أدمنوا ركوبه، حتى أصبحت سيارات الدولة فردا من عائلة الموظفين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى