حسن البصري
منذ إحداث لجنة الأخلاقيات من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أصبح لعشيرة الكرة ديوان للمظالم يعرضون عليه شكاواهم ويلتمسون منه ردع كل من يذبح الروح الرياضية، ويدوس على القيم بحذائه الرياضي بلا رحمة ولا شفقة.
كل الجالسين في طابور الانتظار بغرفة الأخلاقيات يعيدون سيناريوهات الانفلات، بعضهم يدفنون رؤوسهم بين أكفهم، وبعضهم يرفعون أكف الضراعة إلى الله ابتغاء عفو قريب، ومنهم من يعض على شفتيه من شدة التحسر، ومنهم من يحفظ سرا مرافعته استعدادا لاستظهارها أمام محكمة الأخلاقيات.
ليس كل المدعوين للمثول أمام اللجنة يضربون كفا من شدة الندم، بل إن فئة منهم تتبنى مبدأ «الناكرين» فيركبون صهوة «سبق الميم ترتاح»، وحين يواجهون بالدلائل والبراهين، يكشفون أمام الهيئة بأن اللسان لا عظم فيه.
بائعو الشتيمة بالتقسيط يعتبرون الأخلاق موضة قديمة حين ترتبط بالكرة، ويعتقدون أن الانفلات رجس من عمل المشجعين، وأن الطرد والتأنيب من اختصاص الحكام فوق رقعة الملعب، وما تبقى من انفلات في المناطق المعزولة مجرد مناورات بالذخيرة المطاطية.
في العصبة الاحترافية، ثلاث هيئات تسعى إلى تجفيف منابع الفساد ومكافحة الانفلات: لجنة التأديب، ولجنة الأخلاقيات، وغرفة فض المنازعات، وهي الأكثر اشتغالا من بين باقي المصالح، والأكثر جدلا ولغطا، وكأن منافسات الكرة في بلادي نصفها انتصارات وهزائم وتعادلات، ونصفها الآخر انفلات وخروج عن النص.
لكن بالرغم من مطاردة فلول المفسدين، إلا أن العديد منهم يصرون على الإفلات من العقاب، وخاصة أصحاب السوابق الذين أصبحت وجوههم مألوفة كلما وقفوا أمام المحققين أعفوهم من استظهار توطئة الحالة المدنية.
قبل أن يزورنا الزلزال بساعات وينشر رعبه، أصدرت غرفة الأخلاقيات بالعصبة الوطنية الاحترافية لكرة القدم، قرارا في حق رئيس سطاد الرباطي، الزبون الأول للغرفة، يقضي بـ «توقيفه عن ممارسة أي نشاط كروي إلى حين مثوله أمام اللجنة ذاتها»، بعد أن تقاطرت على الغرفة شكاوى من حكم جهوي ومن مدرب وطني ومن فريق نسوي شتم لاعباته بأرذل ما في قاموس الدناءة.
منذ صدور القرار إلى يومنا هذا لم يمثل الرجل أمام لجنة الأخلاقيات، وظل يمارس مهامه كرئيس للفريق، معتقدا أن وظيفته في البرلمان تمتعه بما تيسر من حصانة وتمكنه من الخرسانة لبناء جدار عازل.
يعتقد كثير من المسيرين المدانين، أن حصولهم على تنازل لفظي من المشتكين، يسقط عنهم حكم الأخلاقيات، بالرغم من سوابقهم وغاراتهم ضد المدربين واللاعبين. لكن إذا كانت المتابعة لا تقوم إلا بناء على شكوى طرف متضرر فإن التنازل يضع حدا لها، لكن لرئيس اللجنة حق المتابعة بالرغم من التنازل.
هناك رؤساء أندية صدرت في حقهم أحكام بالابتعاد عن مزاولة كل نشاط رياضي، لكنهم تحايلوا على القرار فاستعانوا برؤساء معارين لا يملكون سوى خاتم وتوقيع. لكن الإفلات من العقاب يتجاوز حدود بطولتنا إلى جارتنا التي لا تحتاج إلى غرفة أخلاقيات فقط، بل تستحق كتيبة مدججة.
في هذه النازلة، أغمضت لجنة الأخلاقيات، التابعة للفيفا ونظيرتها التابعة للكاف، عيونها على السلوك العنصري للجماهير الجزائرية، وغضت الطرف عن خطبة محشوة بالكراهية لحفيد نيلسون مانديلا، وعن اتهامات تستهدفنا، فكلما أصابتهم مصيبة قالوا: «إنها من صنيع جارتنا الغربية».
اليوم أصبحت بيانات لجنة الأخلاقيات مدرة للدخل، فالغرامات المالية تضرب جيوب المدانين، والكسب المالي من ورائها يجعلنا نؤمن فعلا بأن مصائب قوم عن قوم مداخيل، لذا إذا أردت البحث عن موارد أخرى فأنشئ غرفة للأخلاقيات وانفخ في غراماتها إلى حد الانفجار.
في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، هرب العقاب مذعورا من المفسدين.