شوف تشوف

الافتتاحية

الإفتتاحية

بعد فشل سلاح الابتزاز والضغط لإسقاط القوانين الانتخابية بالبرلمان، التجأ قادة الحزب الحاكم إلى لغة التأثير المسبق على توجهات قرار المحكمة الدستورية التي تنظر في مدى مطابقة المشاريع للوثيقة الدستورية. فليس هناك من تفسير مقنع لما تفوه به رئيسا فريقي العدالة والتنمية خلال ندوتهما الصحفية بالبرلمان، بكون حزبهما يأمل في أن تعمل المحكمة الدستورية على إرجاع الأمور إلى نصابها في ما يتعلق باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، وذلك حماية للتجربة الديمقراطية في بلادنا، ومطالبة الحكماء لتصحيح هذا «الخطأ» سوى ممارسة أقصى ما يمكن من التأثير السياسي على حياد القضاة الساهرين على صيانة الوثيقة الدستورية.
وينسى الحزب الحاكم في معركته السياسية الخاسرة أن القاضي الدستوري لا يحتاج لأي شكل من أشكال التأثير الإيجابي أو السلبي، فهو يقضي بما يتماشى مع الوثيقة الدستورية روحا ومنطوقا، مطوقا في ذلك بالقسم الذي أداه أمام جلالة الملك قبل تسلم مهامه، ومقيدا بالقانون التنظيمي للمحكمة الدستورية الذي يفرض عليه واجبات الحياد والتجرد والاستقلالية. فالقضاة الاثنا عشر سيحكمون بمقتضى نصوص عمياء صماء لا تكترث للبوليميك السياسي والضغط الإعلامي للحزب الحاكم، سيحكمون بعين النازلة لا بعين الطرف السياسي المتضرر من قاعدة قانونية، وقرار قضاة المحكمة الدستورية سيكون بلا شك نهائيا وغير قابل للطعن أو التجريح، وقرارهم لن يخرج عن احتمالين اثنين لا ثالث لهما، فإما الموافقة على مقتضيات القاسم الانتخابي على أساس التسجيل واعتبار ذلك إجراء تشريعيا عاديا ليس فيه ما يخالف الدستور، أو الإعلان عن عدم دستوريته وإسقاطه من النص بشكل لا رجعة فيه.
وفي انتظار ما سيعلن عنه قضاة الدستور في القادم من الأيام، فإن الأخلاق السياسية ومبادئ فصل السلط واحترام دولة المؤسسات، تتطلب من الجميع الانحياز للغة الصمت السياسي وترك القضاء الدستوري يقوم بمهامه دون تأثير على حياده من هنا أو هناك. فالقضاة ليسوا في حاجة لتوجيهات في عملهم من طرف السياسيين أو تذكير بمبادئ دستورية أو إثارة انتباههم بشأن السياق السياسي والاجتماعي، فهم أدرى بذلك وبلا ريب سيتخذون قرارهم وفق ما استقر لديهم من قناعات في احترام تام للدستور وما تواتر به العمل في سوابقهم القضائية.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى