النعمان اليعلاوي
بعد مرور شهرين على توقيع اتفاق الحوار الاجتماعي، يخوض العاملون في قطاع الصحة العمومية إضرابًا وطنيًا، ما يلوح بشلل جديد يهدد المنظومة الصحية على المستوى الوطني، وذلك بعد دعوة التنسيق النقابي لقطاع الصحة، المشكل من ثماني هيئات نقابية، إلى إضرابه الذي يمتد إلى اليوم الخميس 27 يونيو، وهو الإضراب الذي يشمل أغلب الأقسام الطبية باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش.
وقرر تنسيق النقابات الصحية، في بيان له، تنظيم «مسيرة حاشدة للشغيلة الصحية بالرباط من باب الأحد إلى البرلمان»، مضيفا أنه في «حال عدم تجاوب الحكومة الإيجابي مع مطالب الشغيلة الصحية»، سيضطر التنسيق للجوء إلى «التصعيد من خلال مقاطعة تنفيذ كل البرامج الصحية ومقاطعة تقاريرها، ومقاطعة الوحدات المتنقلة والقوافل الطبية ومقاطعة برنامج العمليات الجراحية باستثناء المستعجلة منها، ومقاطعة الفحوصات الطبية المتخصصة بالمستشفيات، إضافة إلى مقاطعة كل عمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة، وكل المداومات ذات الطابع الإداري المحض، وتنظيم مسيرات، والقيام باعتصامات محلية إقليمية وجهوية ومركزية وصيغ نضالية أخرى»، بحسب التنسيق النقابي.
وأكد التنسيق النقابي أن هذا التصعيد جاء «رد فعل على استمرار صمت الحكومة، والتنكر لمطالب مهنيي الصحة وتجاهل الاتفاقات والمحاضر الموقعة، واستهتارها بالمجهودات التي قام بها كل الشركاء الاجتماعيين في إطار جولات الحوار القطاعي وتنصلها من مضامينه»، فيما أوضح مصدر نقابي من الجامعة الوطنية للصحة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أن «التصعيد يأتي كذلك بعد تسجيل خرجات غير موفقة لبعض المسؤولين الحكوميين، ومحاولات الهروب إلى الأمام، والتنصل من الالتزامات المتعلقة بمطالب الشغيلة الصحية، ما يعمق الإحساس بانعدام الثقة في الحكومة ويزيد في منسوب الاحتقان بقطاع الصحة»، مشيرا إلى ما اعتبره «عرقلة الحوار القطاعي الذي بدأ مع الحكومة منذ دجنبر الماضي، في حين أن العاملين في القطاع ليست لديهم أي فكرة عن مصير والجدول الزمني لتنفيذ الاتفاقية المبرمة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية».
من جانبه، قال محمد الوردي، الكاتب العام الوطني للاتحاد الوطني للصحة، التابع للاتحاد المغربي للشغل، إن الدعوة إلى الإضراب «جاءت بعد استنفاد ما يمكن من إمكانيات فتح باب الحوار مع الوزارة وفي ظل وضعية الغموض التي تلف مستقبل الاتفاقات السابقة»، مشيرا إلى أن الوضع الذي يعيشه القطاع الصحي «أصبح كارثيا، ويتطلب منا الاستمرار في النضال مع المزيد من التصعيد لرد الاعتبار للشغيلة في القطاع الصحي عامة»، مضيفا، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن «الوزارة تتجاهل مطالبنا، ولا يمكن لنا إلا أن نستمر في التصعيد، ونحمل المسؤولية للحكومة ككل، ورئيس الحكومة ووزير الصحة بشكل خاص؛ لأن الإضرابات استمرت ثلاثة أشهر ولا حوار أو مفاوضات حتى الآن».
في السياق ذاته، يؤكد النقابيون من التنسيق الثماني أن النقابات القطاعية في وزارة الصحة أعدت مذكرة تتضمن جميع نقاط الملف المطلبي، ومنها النقاط التي تم الاتفاق بشأنها مع وزارة الصحة ولم يتم الالتزام بها، مشيرين إلى أن «صمت رئيس الحكومة يعتبر غير مفهوم وغير مبرر»، حسبهم وأن «وزارة الصحة تتذرع بكونها منحت المذكرة لرئاسة الحكومة، فيما الحكومة تعتبر الحوار قطاعيا ولا يمكن أن يرأسه رئيس الحكومة، علما أن السيد رئيس الحكومة سبق وترأس العديد من الحوارات القطاعية كان آخرها في التعليم». ويرى المسؤولون عن التنسيق النقابي أن صمت الحكومة يعتبر تنصلاً من الاتفاقية الموقعة مع وزارة الصحة، وعلى هذا النحو، قرروا اتخاذ إجراءات لإخراج الحكومة عن صمتها.
وكان اتفاق دجنبر الماضي الموقع بين نقابات الصحة والوزارة الوصية نص على زيادة عامة في أجور مهنيي القطاع بـ1500 درهم لفائدة إطارات في فئة الممرضين وتقنيي الصحة ومساعدي التمريض ومساعدي الممرضين، وتضاف إلى ذلك الزيادة في الراتب الثابت بـ1200 درهم لفائدة مهنيي الصحة المنتمين إلى فئات المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين والتقنيين والكتاب ومكلفي النقل والرعاية الاستعجالية ومساعدي طب الأسنان والإداريين والمهندسين.
ونص الاتفاق، أيضا، على الحق في التنقل، بينما تطالب النقابات بتوحيد نظام التقاعد لجميع المهنيين الصحيين، بمن في ذلك العاملين في المستشفيات الجامعية، في إطار الصندوق المغربي للتقاعد، إضافة إلى تحسين شروط الترقية، مع استحداث درجة جديدة لجميع الفئات وإقامة مباريات مهنية داخلية، زيادة على اعتماد الصيغة المثلى لحساب التعويضات عن الخدمة، كما يريدون دفع تعويض خاص عن العمل في البرامج الصحية لصالح جميع المهنيين المشاركين في هذه العمليات، ناهيك عن إحداث تعويضات الإشراف على طلاب الطب والصيدلة وجراحة الأسنان وطلاب المعاهد العليا للتمريض والتكنولوجيا الصحية وكذلك المتدربين في معاهد التكوين المهني.
وبينما يواجه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، الإضرابات في القطاع بالصمت، وجهت النزهة اباكريم، البرلمانية عن الفريق الاشتراكي، سؤالا كتابيا إلى الوزير حول الانعكاسات السلبية للإضرابات المتكررة بالمؤسسات الصحية على الخدمات المقدمة للمواطنين. وتساءلت البرلمانية الاتحادية عن مبررات الوزارة لعدم إعادة فتح قنوات الحوار مع النقابات لأجل وضع حد للتوترات الاجتماعية بقطاع الصحة، وكذا التدابير وبرامج الوزارة للتوصل إلى حلول مع العاملين بقطاع الصحة لأجل تجاوز الاضطرابات التي يعرفها سير العمل بالمؤسسات الصحية، مسجلة أنه منذ أسابيع متوالية والمنظومة الصحية تعيش على وقع الإضرابات المتوالية، التي دعت إليها النقابات الصحية الثمانية المشكلة للتنسيق النقابي بقطاع الصحة، حيث شملت الإضرابات كل المؤسسات الصحية، باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش، ما أثر على حصول المواطنين على العلاجات والاستشارات الطبية رغم حجزهم مواعد تمتد لأشهر.