شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةتقاريرسياسية

الإصلاح شر لا بد منه

تنتظر الحكومة والبرلمان، خلال الشهور المقبلة، أحد أكبر الملفات الاجتماعية الحارقة والتي تهم مصير الملايين من الموظفين والعمال والمتقاعدين. فلا يمكن تنزيل الدولة الاجتماعية وتمكينها من المشي على رجليها دون قرارات جريئة ومسؤولة لإنقاذ صناديق التقاعد من الإفلاس، فكل الإصلاحات المعيارية للصندوق المغربي للتقاعد التي عرفتها حكومة عبد الإله بنكيران كانت مجرد «بريكولات» حيث مكنت فقط من تمديد آلام ديمومة النظام المعاشي لبضع سنوات إضافية، بينما تقول التوقعات الاكتوارية الحالية إن النظام سيواجه خطر السيولة اعتبارا من سنة 2023 وستستهلك احتياطاته المالية في أفق سنة 2026.

كما أن النظام العام للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد يوجد في وضعية مهب الريح على الرغم من كونه لا يعرف مشاكل متعلقة بديمومته على المدى القصير، إلا أن العجز التقني المسجل منذ سنة 2004 سيتفاقم ليصل إلى 5036 مليار سنتيم ابتداء من سنة 2028، كما تقدر ديون النظام الضمنية بحوالي 10084 مليار سنتيم بدأت في التراكم منذ سنة 2019.

وفي ما يخص النظام العام للضمان الاجتماعي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فحسب هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ووفق الدراسات الاكتوارية، من المنتظر أن يسجل النظام عجزا تقنيا في أفق سنة 2029، وفي حال عدم اتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة سيتم استنفاد احتياطاته بحلول سنة 2046.

إن كل هاته المؤشرات السلبية وما تحمله من ثقل على الوضع المالي لنظام المعاشات المغربية ومخاطر اجتماعية مقلقة، تجعل من خيار الإصلاح الهيكلي أمرا ضروريا وشرا لابد منه. وهذا الإصلاح لا يمكن أن يجري بشكل ترقيعي كما حدث في ظل الحكومتين السابقتين، بل يحتاج إلى خارطة طريق جريئة وواضحة ومنصفة وجذرية، لأن الصعوبات التي تواجه نظام المعاشات المدنية ذات طبيعة هيكلية وعميقة.

والحقيقة أن ثمة إدراكا من قبل الجميع أن معركة إصلاح التقاعد قادمة لا محالة، ولا يمكن للحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات ورجال الأعمال والموظف والعامل أن يتهربوا من مواجهتها تحت أي مبرر كان، وحتى الذين يريدون استغلال ملف التقاعد لتصفية خصومهم السياسيين بخطاب شعبوي مدغدغ للعواطف، يدركون في قرارة أنفسهم أن الإصلاح الجذري والمؤلم شر لابد من حدوثه، وأنه لا أحد يستطيع الاختباء خلف حواجز سياسية وشعبوية تقيه كلفة الإصلاح.

وفي النهاية هناك حلول كثيرة لتجاوز حالة انهيار نظام المعاشات وبعضها أكثر مرارة وحدة، ولكن يجب على الحكومة أن تباشرها بعدالة وإنصاف مادام الوقت يسمح بهوامش الاختيار قبل أن تفرض علينا بكل مرارتها، لأن هذه المعركة الاجتماعية والسياسية لم تعد خياراً، بل باتت واجباً على الحكومة وباقي الفاعلين لحماية مستقبل المغرب وكرامة مواطنيه لاسيما المتقاعدين، ويجب أن نعترف بأن الحكومة الحالية غير مسؤولة عن هذا الإرث، لكنها، في المقابل، لا تستطيع الاستمرار في وضع المتفرج على صناديق المعاشات تنهار، لذلك عليها التحرك الآن، قبل الغد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى