الإخوان ميكري.. من الشهرة إلى النسيان إلى الفضيحة
منحت المحكمة الابتدائية بالرباط مهلة عشرة أيام لعائلة الفنان محمود ميكري، قبل اتخاذ قرار بشأن مسكن بديل، ومنح المسكن الحالي الكائن في حي لوداية بالرباط لمالكته. وجاء هذا القرار بعد الاستماع إلى دفوعات طرفي النزاع، في ملف مدني عمر طويلا في ردهات المحاكم.
وكانت محاولة ترحيل عائلة الفنان محمود ميكري بالقوة العمومية، قبل عشرة أيام، قد أثارت استياء واستنكارا كبيرين وسط المثقفين المغاربة، حيث شهد المنزل الذي تقطنه عائلة الفنان المغربي، عن طريق الاستئجار منذ سنة 1974، حالة من الغليان بسبب محاولات إخراج أفراد العائلة من المنزل الذي قضوا فيه أزيد من أربعين سنة، وكان شاهدا على إنجازاتهم الفنية.
وعرفت هذه القضية سجالا كبيرا في الوسط الفني، ودار حديث عميق حول النهاية الحزينة لكثير من المبدعين في مختلف مجالات الحياة، بل إن القضية أصبحت تسائل الفنان نفسه عن إشكالية تدبير مساره، خاصة وأن المسكن قد عرض للبيع سنة 2009 بثمن بخس، كان بإمكان عائلة ميكري اقتناءه، قبل أن تشتريه ابنة وزير سابق بحوالي 300 ألف درهم، وهو بيت مكون من شقتين، لتظل عائلة ميكري تواصل استئجار البيت بثمن بخس قدره 250 درهما للشقة.
وطالبت المالكة بإفراغ منزلها بغاية السكن فيه، ووصل الأمر إلى القضاء، حيث شرع كل طرف في البحث عن أدلة تدعم موقفه، إذ اعتبرته عائلة ميكري مزارا ثقافيا يحتاج إلى من يصونه ضد عوادي الزمن، فيما ترى المالكة أن القانون يمنحها حق السكن في بيت اقتنته لغاية الإيواء، لكن القضية تحولت إلى مسلسل قضائي طويل وصل إلى حد النقض، قبل أن تستأنف المشتكية القرار ويصدر حكم باسترجاع بيتها، كان سندها في تحريك مسطرة الإفراغ.
في الملف الأسبوعي لـ»الأخبار»، نعيد ترتيب وقائع هذه القضية التي يتقاطع فيها القانوني بالاجتماعي والفني، خاصة في ظل سوء تدبير المسار الفني لكثير من رموز البلاد في مجالات عديدة.
حسن البصري
++++++++
عائلة ميكري.. أصول تركية وجذور جزائرية وحضور مغربي
تتحدر عائلة ميكري من تلمسان الجزائرية، وهي المدينة التي استوطنها الأتراك حين بسط العثمانيون نفوذهم على الجزائر، حين استعمر الفرنسيون الجزائر اختار جد محمود الرحيل إلى مدينة وجدة، حيث استقرت العائلة لمدة أطول ولم تتذكر رغبة الجد بالعودة يوما إلى تلمسان، بعد جلاء المستعمر. لذا كان الأب مترددا بين الجنسية الجزائرية والمغربية، قبل أن يختار المغرب.
يقول يونس ميكري في أكثر من تصريح صحفي، متحدثا عن أصول العائلة، إن الجد الأكبر من تركيا، حيث توجد منطقة تسمى «ميكريزان»، ومع وصول الأتراك إلى الجزائر اختاروا الاستقرار في تلمسان، حيث ولد جد ميكري في منطقة تسمى عين الحوت، وهي قرية صغيرة في ضاحية تلمسان، شمال غرب الجزائر. تبعد عن وسط المدينة ببضعة كيلومترات وتقع ضمن نطاق تلمسان الكبرى، تابعة إداريا لبلدية شتوان، وهي قرية عتيقة ذات تاريخ عريق، حيث أنجبت شخصيات عديدة كان لها أثر كبير في تاريخ تلمسان وبلاد المغرب.
لكن حين أحكم الاستعمار الفرنسي قبضته على الجزائر، هاجر جد ميكري إلى مدينة وجدة على غرار العديد من الجزائريين، وقرر الاستقرار في المغرب حتى بعد استقلال الجزائر.
كان ميكري الأب ويسمى بدوره محمود، فنانا تشكيليا يملأ جدران بيته بالمدينة العتيقة في وجدة بلوحات من إبداعه، مما زرع في الأسرة بذور الفن وحولها إلى أسرة فنية متعددة الأفراد، أصغرهم يونس وأكبرهم الغوتي. كان محمود المولود سنة 1940، الذي حمل اسم والده، طفلا شقيا يرافق أكابر الحي والأسرة، وتمكن من حجز مكانة في أسرة مكونة من تسعة إخوة، من بينهم أختان وهما جليلة وفتيحة. دون أن ننسى الوالدة التي كانت توظف صوتها الجميل في الأمداح الصوفية، بزاوية مولاي عبد القادر الجيلالي، وتصحب ابنيها الصغيرين (جليلة ويونس) إلى قاعات السينما بوجدة والرباط، لمشاهدة الأفلام الغنائية المصرية والهندية أساسا.
محمود.. الغيتارة أولى من منصب رئيس مصلحة بوزارة التخطيط
شاءت الصدف أن يلتقي محمود ميكري ذو الأصول الجزائرية بالرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، في الثانوية نفسها التي كان يدرس فيها بمدينة وجدة، في أثناء الاحتلال الفرنسي للبلدين. كان أكبر سنا من محمود، إلا أنهما تعايشا في الثانوية ذاتها، رغم ميل عبد العزيز إلى العزلة، قبل أن ينضم إلى معسكر المجاهدين في الجبل. كما التقى ميكري بأحمد بن بلة، الذي كان دائم التردد على منزل جدته.
بعد أن حاز محمود ميكري على شهادة البكالوريا شعبة «تقني صناعي»، قرر دخول عالم الطيران، وشرع في رسم خارطة طريق مستقبله، لكن والدته اعترضت على دخوله مدرسة للطيران العسكري في مدينة روش فور بفرنسا، وعللت رفضها بخوفها من تأهيل ابنها محمود ليصبح يوما طيارا، فيقوم بغارات جوية على الجزائر التي كانت تعيش آنذاك تحت نير الاستعمار. لكن محمود الذي كان يحلم بالتحليق جوا، كاد أن يموت وسط طائرة مدنية، حين كان متوجها رفقة شقيقته جليلة إلى تونس، قبل يفاجأ الركاب باضطراب جوي كاد أن يحيل الطائرة إلى حطام، حيث عانق محمود أخته وانخرطا في الشهادة وآمنا بنهايتهما، لكن ربان الطائرة تمكن من إنقاذ الموقف في آخر لحظة، وسط نكبة جماعية للمسافرين. وتعرض محمود لحادثة سير مميتة، لكنه نجا منها بأعجوبة، بل إن بعض الحاضرين قرؤوا الشهادة اعتقادا أن محمود فارق الحياة.
انتقل محمود إلى العاصمة الرباط، بعدما نجح في دراسته الجامعية في مجال الهندسة الصناعية، رغم أن والدته كانت تصر على أن يتخرج «تورنور»، وهي مهنة كانت تقتصر على الفرنسيين. لكن القدر شاء أن يلتحق محمود بالوظيفة العمومية، بعد اجتياز مباراة ولوج وزارة الشؤون الاقتصادية والتخطيط، حيث شغل منصب رئيس مصلحة في مديرية التخطيط، لكنه غادره رغم أن والدته كانت تحلم بصعود ابنها سلالم المسؤولية، وهو الحلم الذي صادره الفن في نفس محمود، إذ غادر الوظيفة العمومية وارتمى في بحر الفن ضدا على رغبة الوالدة.
الحسن الثاني يدعم النمط الغنائي لعائلة ميكري
تأسست «مجموعة ميكري» سنة 1962، وتكونت أولا من الشقيقين محمود وحسن، قبل أن تلتحق بهما جليلة في عام 1966. وفي 1970، سيلتحق بهؤلاء الثلاثة شقيقهم يونس، وقدموا معا مجموعة من الأعمال الفنية الراسخة في الذاكرة.
بعدما اختارت عائلة ميكري وعلى رأسها محمود نمطا غنائيا خاصا بها، مستوحى من الموسيقى الغربية التي تقرر تطويعها لتتلاءم مع نصوص مغربية، قوبل العمل الفني بحملة واسعة من طرف خصوم ميكري، لكن بفضل منحة من ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، تمكنت «مجموعة ميكري» من مواصلة مشوارها وصقل موهبتها، والمرور عبر الإذاعات العربية، والقيام بجولات فنية خارجية.
حسب عزيز المجدوب، الباحث في الفن الغنائي المغربي، فإن «الصعوبات التي لاقتها مجموعة «الإخوان ميكري» كانت خلال بداياتها، إذ حوربت في الإذاعة من طرف فنانين رأوا أن اللون الذي جاءت به مخالف تماما لما هو سائد، قبل أن يتدخل الملك الراحل الحسن الثاني ليعيد إليهم الاعتبار، ويعطي أوامره بأن تعتمد أغانيهم في الإذاعة، وهي الأغاني التي كانت معظمها تسجل في استوديوهات عالمية بباريس، وبعزف فرق موسيقية متمرسة مثل فرقة «الأولمبيا» الباريسية، وأيضا بتوزيعات موسيقية عالمية، الشيء الذي جعل أغاني «الإخوة ميكري» رائدة في أنماط موسيقية، تمت العودة إليها في الأغاني السائدة حاليا».
ويقول الباحث المغربي أحمد سيجلماسي إن مجموعة «الإخوان ميكري» قد تشكلت في مطلع الستينات، وعلى امتداد حضورها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث أدخلت تجديدات على مضامين الأغنية المغربية على مستوى اللحن والأداء والآليات، وأيضا المدة الزمنية الموسيقية.
«اختار الإخوان ميكري المراهنة على الأغاني القصيرة والخفيفة شكلا ومضمونا، ونجحوا في ذلك رغم العراقيل التي صادفوها في طريقهم، في زمن شهدت فيه الحركة الموسيقية تحولات في ظل الانتشار الواسع آنذاك لأغاني «البيتلز» و«بوب ديلان» و«كات ستيفانز» وغيرهم. كما كانوا سباقين في تحويل أغانيهم الناجحة إلى فيديو كليبات، بفضل تعاونهم مع مخرجين متميزين، من عيار الراحل حميد بن الشريف».
بعد سنوات من النجاح والتألق كمجموعة، كتب لـ«الإخوان ميكري» أن يفترقوا ويختار كل مساره، فيونس اختار التمثيل وتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام. وظهر في عدة أعمال تلفزيونية وسينمائية، لعل أشهرها «جوق العميين»، «حجاب الحب»، «علي ربيعة والآخرون»، «الزعيمة»، «دموع إبليس»، «أحلام نسيم»، «الحوت الأعمى» وغيرها من المنجزات الفنية.
أما أخوه محمود فقد اختار مجال الفنون التشكيلية وكتابة السيناريو، وجليلة ما زالت تقدم بين الفينة والأخرى تراث «الإخوان ميكري»، فيما اتجه الفنان حسن ميكري إلى مواصلة عشقه للرسم والموسيقى، بعد أن أسس المجلس الوطني للموسيقى، ثم يرحل إلى دار البقاء بعد مرض عضال.
مأساة العائلة بدأت بوفاة حسن ميكري
تجرع الفنان حسن ميكري مرارة الألم وهو على فراش المرض، ففي آخر أيامه ظل الرجل محافظا على ابتسامته يوزعها على زوجته وأبنائه، وكانت تختزل الكثير من الإشارات التي وصفها ابنه بعلامة الرضا عن أسرته، وعن نجاحه في أداء الرسالة التي كلف بها.
بعد معاناة طويلة مع المرض، لفظ حسن أنفاسه في منتصف شهر يوليوز 2019 عن عمر يناهز 77 سنة، ودفن عصر اليوم نفسه بمقبرة الشهداء بالرباط، وسط حشد كبير من الفنانين وبحضور أفراد أسرة الفقيد وأقاربه وذويه، إلى جانب العشرات من الفنانين والممثلين والإعلاميين ومحبيه.
وبعث الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة الفنان الراحل حسن ميكري، أعرب فيها عن «أحر التعازي وأصدق المواساة في رحيل هذا الفنان اللامع، عضو ومؤسس المجموعة الموسيقية «الإخوان ميكري»، التي ساهمت في إثراء الأغنية المغربية المعاصرة، بفضل تميز أسلوبها الغنائي الذي تألق على مدى أجيال داخل الوطن وخارجه».
أجمع الفنانون على وصف الفقيد بالفنان المبدع، الذي كان يتحلى بأخلاق عالية وكان يشكل نموذجا للفنان المغربي، ويؤكدون أن وفاته بمثابة مسمار في نعش المجموعة التي تدين له بفضل كبير، وهو الذي قدم خدمات كبيرة للأغنية المغربية الأصيلة، كما كرس حياته للفن الراقي والهادف، وكان الراحل من مؤسسي اللجنة الوطنية للموسيقى.
ظلت وصيته مثار جدل في وسط الإخوة ميكري، سيما حين سلم ابنه نصر الله مشعل الفرقة، واعتبره ضامنا لاستمراريتها، علما أن الابن استأنس بالفضاء الفني الذي وجد نفسه فجأة بين جدرانه، وكأنه ولد في معهد موسيقي. كان يونس ميكري أول من توصل بالوصية، ورفض إسناد المشعل للفتى نصر الله، وقال: «لا يمكن تسليم المشعل لنصر أو غيره، المشعل الموسيقي لا يسلم، لأنه ليس شارة عميد فريق للكرة يسلم من لاعب إلى آخر».
لم يتوقف جدل الوصية عند هذا الحد، فقد انتقد يونس ميكري الابن نصر الله، ووصل الصراع إلى المواقع الإلكترونية، قبل أن ينتهي في الموكب الجنائزي للراحل حسن، حيث شوهد نصر وهو يقبل رأس عمه ويشد على يديه، في ما يشبه المصالحة.
لكن الوصية الحقيقية التي تحتاج من نصر ومن زوجة الراحل حسن ميكري ترجمتها على أرض الواقع، هي إصرار الفقيد قبل وفاته على وضع خطة عمل ومشروع فني يحتاج من الأحياء جهدا لترجمته إلى عمل فني.
اختار عدد من أفراد العائلة مسالك أخرى بعيدا عن الفن، منهم من توجه إلى الهندسة، ومنهم من عرج على الطب والأمثلة كثيرة في الاتجاه، ومنهم من فضل نمطا فنيا يختلف عن ذاك الذي اشتهرت به عائلة ميكري الفنية. إذ من المعلوم أن البداية كانت مع حسن ميكري في بداية الستينات، قبل أن يلتحق به محمود الذي تابع النهج نفسه. في وقت كانت جليلة تؤدي ما ينتجه إخوانها.
هكذا غادر يونس مركب الفرقة الغنائية نحو السينما
ولد يونس ميكري في 15 نونبر 1951 بمدينة وجدة، كان أصغر شقيقيه محمود وحسن، لكن كان واحدا من دعامات المجموعة الغنائية، رغم أنه التحق بها بعد جليلة، وتحديدا في بداية السبعينات من القرن الماضي.
لكن يونس اختار مسلكا آخر حين دق ناقوس الخطر ونبه إلى تراجع المجموعة، فضل السينما والموسيقى التصويرية للأفلام. وكما نجح في مساره الغنائي، فقد مكنته تجربته السينمائية واحترافيته من أن يصير أحد نجوم السينما المغربية، فضلا عن إشرافه على عدد من التظاهرات الفنية، من بينها مهرجان وجدة لموسيقى الراي.
تعرف يونس على نادية نيازي في الحرم الجامعي سنة 1980، وتحديدا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، حيث كانت حينها طالبة في شعبة الأدب الإنجليزي، وكانت متيمة بالمسرح، حيث خاضت تجارب ضمن المسرح الجامعي في بداياته. في هذه الظرفية التاريخية من الحياة الطلابية كان الفكر الثوري يهيمن على الجامعة المغربية، وكان الحرس الجامعي أو ما يعرف بـ«الأواكس» يحط الرحال بالكليات لإحصاء أنفاس الطلبة المتيمين بالمد الشيوعي، لكن نادية كانت ترسم لنفسها، في صمت، مشوارا فنيا بعيدا عن «المعارك» الإيديولوجية للجامعة المغربية.
حرصت نادية، منذ ارتباطها بالفنان المغربي يونس ميكري، على العيش في ظل أسرة تستنشق هواء الفن وتتنفس الإبداع، إذ ظلت هذه المرأة الصحراوية الأصول، بعيدة عن الأضواء خلافا لكثير من زميلاتها الممثلات.
كان عشق «الروك» و«البوب» و«شيكسبير» القاسم المشترك بين نادية ويونس، العائد من فرنسا قبل أربع سنوات متشبعا بالثقافة الغربية، حيث كان يتأبط شهادة العزف على البيانو من مدرسة «موزيك ديدي» بباريس، وكان يتابع حينها دروسا في الهارموني بالمعهد الوطني للموسيقى بالرباط.
شجع يونس زوجته على ولوج عالم التمثيل، خاصة وأنها ملمة بفن شيكسبير، عارفة بضوابط «أب الفنون»، لذا لم تتردد في خوض التجربة، ووجدت نفسها تجمع من حيث لا تدري، بين تربية الأبناء وتأهيل الذات لدخول عالم السينما من أوسع أبوابه، برعاية زوجها الذي كان يشكل في جميع أعمالها المخرج الثاني، الذي يمنحها دعما خارج بلاطو التصوير. وحين حازت على جائزة أفضل دور في فيلم «عاشقة الريف»، لتتعدد محطاتها بين «الخونة» و«النهاية» و«ملائكة الشيطان» وغيرها من الأعمال التي جسدت فيها أدوارا تتماشى وشخصيتها الهادئة، بل إنها وجدت في نرجس النجار المخرجة التي تجيد توظيف امرأة صحراوية لا تبالي بالأضواء.
لم تقتصر نادية على الفن السينمائي والتلفزيوني، بل مارست أعمالا حقوقية جسدت معاناة المرأة، في مجتمع يلفه الفقر والاضطهاد، وهي المبادرة التي دعمها زوجها واعتبرها مجالا آخر للاشتغال مع زوجته، سيما وأن هذا العمل الفني حقوقي الأبعاد، وجد تجاوبا كبيرا في الأوساط الحقوقية المغربية.
نهاية مأساوية لمجموعة غنائية سادت ثم بادت
انفجرت قضية «مسكن الإخوان ميكري» مع بداية العام الجديد، رغم أن خيوطها تعود إلى سنة 2009. وكشفت أمال الرباني، محامية العائلة المالكة للمنزل الذي تقطنه أسرة «ميكري»، تفاصيل حول النزاع القائم بين الطرفين بشأن المسكن. وقالت المحامية في تصريح للصحافة إنها سلكت مسطرة الإفراغ للاحتياج، نظرا لحاجة موكلتها إلى المسكن الذي اشترته بغرض الإقامة فيه.
وأضافت المحامية ذاتها أن إقحام انتماء صاحبة المنزل لعائلة وزير سابق يعد مزايدة، مشيرة إلى أن المنطق والقانون يفرضان التعامل معها كمواطنة مطالبة بالحق المدني، وتسعى إلى استرجاع مسكن تكتريه بمبلغ شهري لا يتجاوز 250 درهما للطابق، علما أن المسكن مكون من طابقين. سلكت فيه ليلى بن عبد الجليل جميع المساطر، ثم انتهت بحكم قضائي يقضي بإفراغهم من المنزل الذي سكنوه منذ سنة 1974.
تم إقحام نسب المطالبة بالحق المدني باعتبارها ابنة وزير سابق، وتفاعل المغاربة مع القضية بشكل جعلهم يساندون طرح عائلة ميكري، بل هناك من اعتبر السومة الكرائية ثمنا رمزيا لمنزل للسكن العائلي أريد له أن يتحول إلى معلمة فنية غير قابلة للإفراغ، علما أن ليلى هي أيضا فنانة تشكيلية.
تقول محامية ليلى بن عبد الجليل إنها تتوفر على أدلة تؤكد توفر عائلة ميكري على سكن في كل من سلا والرباط، وأن وضعها الاجتماعي ليس بذات القتامة التي صورتها الحملة الإعلامية المناوئة لقرار إفراغ المسكن وتسليمه، وفق مسطرة قضائية إلى صاحبته.
وتنفي محامية ليلى فرضية منح الأسبقية في شراء المسكن لقاطنيه، وقالت في خرجاتها الإعلامية إن منح الأولوية لساكني البيت يكون ساري المفعول في البيع والشراء بين الورثة، مشيرة إلى أن موكلتها لا ترمي من وراء هذا الإجراء إعادة كراء المسكن بثمن أعلى، بل بنية الإقامة فيه.
وزير لم يتذكره الناس إلا في «ملف مسكن لوداية»
تعاطفت شرائح عديدة من المجتمع مع عائلة ميكري، خاصة حين تبين أن مالكة المسكن ابنة وزير سابق تدعى ليلى بن عبد الجليل، رغم أن محامية هذه الأخيرة تؤكد أن ابنة وزير سابق لا تبطل القانون ولا تلغي حقها في الاستفادة من مسكن اقتنته بدعم من عائلتها.
لا بأس من الوقوف عند نسب وحسب ليلى التي عرفت لدى الرأي العام الوطني بلقب «بنت لوزير»، التي بدأت محنتها بعد اقتناء مسكن لوداية سنة 2009 بغرض استخدامه كسكن، بعد أن شاركت في عملية بيع في المزاد العلني، ونفت ليلى امتلاكها لمسكن آخر غير مسكن لوداية، وقالت الفنانة التشكيلية، على لسان محاميتها، إن كونها ابنة وزير سابق لا يعني العيش في الرفاه التام.
تعد عائلة بن عبد الجليل من العائلات ذائعة الصيت في فاس والرباط ومكناس، وقد عرفت بعراقتها وإلمامها الكبير بالثقافة والفكر والمعرفة، سواء في المغرب أو في الشرق أو في الغرب، عين عبد الرحيم بن عبد الجليل في ثمانينات القرن الماضي وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا بالشؤون الإدارية، ليعين بعدها وبالضبط في سنة 1995 سفيرا للمغرب في الصين الشعبية.
أحد أبناء هذه العائلة هو عمر بن عبد الجليل، الاستقلالي الذي تقلد عدة مناصب في عهد الحسن الثاني، ثم محمد بن عبد الجليل الذي تحول اسمه إلى الأب يوحنا محمد بن عبد الجليل أو جون محمد بن عبد الجليل، وهو راهب كاثوليكي مغربي.
غير أن المفاجأة الكبيرة في هذا التسلسل العائلي، هي امتدادها داخل حكومة عزيز أخنوش، بوزير جديد ينتمي هو الآخر إلى حزب الاستقلال، هو محمد بن عبد الجليل، وزير النقل واللوجستيك، حفيد عمر بن عبد الجليل، المقاوم الاستقلالي والموقع على «وثيقة الاستقلال».
ينفي المقربون من عائلة بن عبد الجليل وأفرادها، وجود رائحة الجاه والسلطة في قضية ميكري، ويجمعون على أن الأمر يتعلق بقضية عادية، يطالب فيها صاحب المسكن المكتري بوقف العلاقة التعاقدية، لحاجته إلى مسكنه بغاية الإقامة فيه، وهذا النوع من القضايا رائج في المحاكم، دون أن يثير اهتمام الرأي العام.
خلافا لادعاءات البعض حول تدخل الوزير عبد الرحيم بن عبد الجليل شخصيا، فإن الوزير السابق قد توفي سنة 2007، أي قبل أن تفكر ابنته ليلى في شراء مسكن لوداية، مات عن عمر يناهز الـ75 سنة، بعد معاناة طويلة مع المرض.
لكن ليلى المطالبة بالحق المدني ترفض صفة «بنت لوزير»، وتفضل لقب «بنت المحامي»، على اعتبار أن والدها الراحل مارس مهنة المحاماة، حيث سبق له أن انتخب نقيبا لهيئة المحامين بالدار البيضاء.
ارتبطت عائلة بن عبد الجليل بالاستوزار، بدءا بعمر بن عبد الجليل، أحد زعماء الحركة الوطنية المغربية ومن الموقعين على وثيقة الاستقلال، الذي شغل منصب وزير الفلاحة في حكومة البكاي بن مبارك الثانية، بين سنتي 1956 و1958، وعين وزيرا للتربية الوطنية سنة 1958 في حكومة أحمد بلافريج، وكان من بين المستفيدين من بعثة دراسية، مكونة من أبناء النخب المغربية، إلى فرنسا بدعم من سلطات الحماية.
هكذا استفزت تصريحات عائلة ميكري المغاربة
شكل خروج أحد أبناء عائلة ميكري بتصريحات مستفزة، اعتبرها المغاربة إهانة لهم، ضربة موجعة لمن انساق في حملة تضامن في قضية تتعلق بإفراغ مسكن لفائدة مالكه، خاصة حين وصف ناصر ميكري، نجل الفنان الراحل حسن ميكري، عائلته الفنية بكونها صاحبة الفضل على المغاربة في طريقة لباسهم. بل إن الفتى الذي اختار بدوره العزف، استعمل عبارات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، خصوصا عندما صرح بالحرف: «الناس فاش كيستمعو لميكري كيترقاو، أومعاهم الناس عرفو يلبسو»، وهي العبارة التي شكلت استفزازا حقيقيا لمشاعر المغاربة، حتى أن البعض طالب برفع قضية ضد ناصر، بسبب إصراره على إهانة المغاربة حين ربط طريقة لباسهم بعائلته، مصرا على دورها في تربية ذوق وملبس المغاربة في فترة زمنية محددة، علما أن أشرطة الأغاني القديمة لعائلة ميكري لا تقدم ما يفيد هذا الطرح، بل تؤكد أن لباس المجموعة كان عاديا وبسيطا ولا يرقى إلى ما قاله ابن حسن ميكري، الذي عاد لتقديم اعتذار بعد أن لمس حجم الغضب الجماهيري من تصريحات منفلتة.
ولم يتوقف الفنان ناصر ميكري عن إطلاق تصريحات غير محسوبة، حيث استنكر في تصريحات إعلامية قرار الإفراغ، وقام بتحقير مقرر قضائي صادر باسم الملك، معتبرا المسكن العائلي متحفا فنيا وإرثا لعائلته، مطالبا بتدخل الملك محمد السادس من أجل توقيف القرار وإنصافهم بالاستمرار في العيش في المنزل ذاته، سواء بتمديد العلاقة الكرائية، أو شرائه من صاحبته.
وشكل إقحام الملك في موضوع نزاع عقاري معروض أمام القضاء، محاولة يائسة لاستمالة الرأي العام، سيما وأن عددا كبيرا من القضايا المعروضة على القضاء في ملفات مماثلة قد حسمت دون ضجة إعلامية، بالرغم من أن المتضررين منها من المشاهير.
وعرف ناصر ميكري بخرجاته الإعلامية غير المحسوبة، إذ سبق له أن أطلق نيرانه على عمه يونس ميكري في أكثر من تصريح، ما يكرس انهيار أسطورة ميكري.
محامية ابنة الوزير: عائلة ميكري تتوفر على ثلاثة عقارات
في خضم التصريحات التي أدلى بها أفراد عائلة ميكري، تم التركيز على المكانة الاعتبارية للمطالبة بالحق المدني، وتقديمها بصفتها كابنة وزير وليس كصاحبة مسكن تود استرجاعه بغاية السكن، على غرار كثير من ملاك المساكن المأجورة.
لكن مقربة من ليلى كشفت عن معطيات غير مسبوقة، مشيرة إلى أن صاحبة البيت قد عرضته للبيع أولا على عائلة ميكري، لكن الأخيرة رفضت واعتبرته إرثا ثقافيا، ومباشرة بعد شراء البيت تواصلت مالكته الجديدة مع الإخوة ميكري، ورغبت في التفاوض معهم من أجل إفراغهم، لكنهم رفضوا أي نقاش في الموضوع، وطالبوها بالتوجه إلى القضاء، وهو ما فعلته.
وقدم الطرف الثاني دفوعات تشير إلى أن عائلة ميكري تملك مساكن أخرى في كل من حي أكدال والنهضة بالرباط وسلا الجديدة، وهي دفوعات موثقة في ملف الدعوى التي حسم فيها القضاء، بل إن قريبة مالكة البيت ردت على تصريحات حول دراسة ابنة ليلى في ثانوية خصوصية مكلفة الثمن، حين فاجأت الرأي العام بوجود أفراد من عائلة ميكري في المؤسسة التعليمية نفسها.