استغرب عز الدين الإبراهيمي، عضو اللجنة العلمية والتقنية المتتبعة لفيروس “كوفيد-19″، ممن يجزمون بحقائق مطلقة حول سلالة المتحور الجديد “أوميكرون”، داعيا إلى الحذر واليقظة والتواضع العلمي، لأن العالم لازال يجهل الكثير عن هذا المتحور الجديد.
وكتب الإبراهيمي تدوينة على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”، اليوم الأحد قائلا : “أستغرب وبشدة، وأنا أرى الكثيرين يجزمون بحقائق مطلقة حول سلالة “أوميكرون”. والحقيقة أن العشرين شهرا من الجائحة علمتنا شيئين مهمين: الحذر واليقظة، والتواضع وأن الفيروس بتحوره يعلمنا أن العلم والبحث العلمي وتوصيلته تتغير بالمعطيات الجديدة والمحينة. فشوية ديال التواضع العلمي مهم في هذه المرحلة، لأننا نعرف بعض المعطيات حول السلالة ونجهل الكثير”.
وأضاف الابراهيمي : “نعم، هناك الكثير من الأمور المجهولة، وأظن أنه سيكون لدينا فكرة أفضل عن المخاطر الفعلية في غضون الأسبوعين المقبلين، وكما أؤكد دائما، فنحن لسنا “تجار الخوف” ولا “بائعي الوهم”. نعم، إنه “إنذار خطير” ومثير للقلق، ولكن سنحاول أن نتلمس، وكما فعلنا دائما، ومنذ عشرين شهر، وبمقاربة علمية، وبالأدلة وتحليل المعطيات والمنحنيات والبيانات، تجاوز هذه الظاهرة. ولذا، فنحن بحاجة إلى الالتزام بالهدوء والقيام بتحليل الوضع علميا وبتجرد. فماذا نعرف عن هذه السلالة في عشرة أسئلة؟”.
وكشف الإبراهيمي أن “شجرة نشوء وتطور السلالات تبين أن السلالة ظهرت منذ مدة؛ إذ لا تنحدر هذه السلالات من فيروسات “متحورة” تم تحديدها مسبقا، وأقرب ارتباط تطوري لها هو فيروسات مارس من سنة 2020″.
وبخصوص متى ظهر الفيروس أول مرة، فقدّر الإبراهيمي أن “المتحور كان متواجدا في بقاع متعددة من العالم، وهو “يطير تحت الرادار” في بلدان ليست لها القدرة الكبيرة لتحديد التسلسل الجينومي، وبوتيرة منتظمة تمكن من اكتشافه؛ مثل جنوب أفريقيا التي دقت ناقوس الخطر”، مضيفا أن الدول الأوروبية اكتشفته فقط في المسافرين، بعد تحذير جنوب إفريقيا ودول أخرى منه، ما قد يعني أن العديد من الحالات لم يتم اكتشافها حتى الآن”.
وحول ما إذا كان ذلك ينفي ظهوره في جنوب إفريقيا، رد الإبراهيمي: “أبدا، وقد تحدثنا كثيرا عن “كوفريكا”؛ السلالة التي ستنتجها أفريقيا في غياب عدالة تلقيحية دولية، ولاسيما في دول الجنوب الأفريقي المعروفة بوجود الكثيرين من “فاقدي المناعة” بسبب مرض السيدا، والذين يمكن أن يكونوا خزانا للسلالات؛ لأن الفيروس يتعايش بداخلهم لشهور عدة، ولاسيما إذا لم يلقحوا”.
وعمّا إذا كانت هذه السلالة تنتشر بسرعة، استدل بأرقام جنوب أفريقيا التي ترنو لذلك، قبل أن يستدرك: “لكننا نحتاج أولا إلى معرفة مدى انتشاره، وتحديد مؤشر توالده، وما هي قدرته في مواجهة وتعايشه مع دلتا”.
وفيما يتعلق بوصول المتحور إلى المغرب، أكد الإبراهيمي قائلا : “بصراحة جارحة، بلدنا ليس استثناء، والجائحة كونية. وبما أن المتحور الجديد تم تسجيل وصوله إلى أوروبا، فإن الخطر جد قريب وجد وارد”، محذرا من عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة؛ ما سيجعل مسألة وصوله، فقط مسألة وقت، ولن تتعدى بضعة أيام أو بضعة أسابيع.
وعرف الإبراهيمي المتحور “أوميكرون”، بأنه “يتميز بالعدد الكبير من الطفرات، والذي يمكن أن يجعله أكثر قابلية للانتقال”، مضيفا أنه “يتوفر على أكثر من 30 طفرة في جزء من الفيروس يسمى “بروتين سبايك”، وهو هيكل يستخدمه الفيروس التاجي لدخول الخلايا التي يهاجمها، وهذا العدد يوازي تقريبا ضعف الطفرات عند دلتا، وقد يجعل المتحور ينتشر بسرعة ويقلل من فعالية اللقاحات.
وفيما إذا كان هناك هروب مناعي للسلالة، أضاف المتحدث ذاته “لا يمكن الإجابة علميا وبدقة، عن هذا السؤال؛ لأن التجارب قيد الإنجاز”، مشيرا إلى أن “المحاكاة التي أجريت لحد الآن، تبين أن بعض المستجدات التي استعملت لتطوير اللقاحات الجديدة قد تضررت. ولكن أذكر أن لقاح “سينوفارم” الأكثر استعمالا في المغرب طور ضد أجزاء مختلفة من الفيروس، وليس فقط الشوكة البروتينية. وأظن أنه سيحتفظ بنجاعته، وقد أثبتت كل اللقاحات لحد الآن، نجاعتها ضد “كوفيد” وضد كل السلالات، بنسبة تفوق السبعين، وسننتظر النتائج التي ستصدر قريبا”.
وفي رده على سؤال عمّا سيحصل لغير الملقحين، أجاب الإبراهيمي : “نعرف أن الكثير ممن طوروا هذه السلالة في جنوب أفريقيا لم يكونوا ملقحين، وأن حامليها من مصر إلى بلجيكا في نفس الوضعية، وإذا كان بإمكاننا التنبؤ والتجريب علميا بالنسبة لمناعة الملقحين، لأننا نعرف نوع اللقاح المستعمل والكمية التي أعطيت والمؤشرات المناعاتية بدقة.. إلخ، فعلميا؛ لا يمكن أن نتكهن وننجز أعمالا مختبرية بالنسبة لغير الملقحين، لأن لكل شخص غير ملقح مناعة مختلفة تملي استجابتهم لإصابة وتطوير المرض”.
وعما إذا كانت الإصابة بـ”أوميكرون” تسبب مرضا أفتك، أكد الإبراهيمي: “لا ندري إن كان يتسبب في مرض أشد وأفتك. يمكن أن يكون للملقحين أمل أكبر في التشافي وعدم تطوير الحالات الحرجة، ما دام التلقيح يرفع من مستويات المناعة الخاصة والعامة. كل اللقاحات وفي جميع البلدان وضد جميع السلالات، أثبتت نجاعتها بنسبة أكثر من 95 في المائة ضد الحالات الحرجة”.
وفيما يتعلق بالشباب وحول ما إذا كانوا محميين من الإصابة بالسلالة الجديدة، رد الإبراهيمي : “لا ندري”.
وختم الإبراهيمي كلامه قائلا: “ماذا يجب أن نفعل حتى لا نضيع كل مكتسباتنا ولا نساعد في اندلاع موجة وبائية على مستوى عالي من الخطورة؟ الحل في التعاقد الاجتماعي الذي يجمع الدولة بالمواطنين. فعلى مدبري الأمر العمومي حماية حدودنا من خلال التقليل من خطر توافد المتحور، ودعم وتكثيف المراقبة الجينومية والوبائية، وتوفير جميع اللقاحات للمواطنين، والذين من جانبهم، عليهم العودة إلى الالتزام بالإجراءات الاحترازية الشخصية، والتي رغم تبخيس الكثيرين لها، تبقى علميا ناجعة، وبالطبع، التلقيح الذي يمكننا أن لا نقتنع به ونشكك فيه، ولكن يبقى على أرض الواقع ناجعا وفعالا. أما نحن، فلن نستهين في التواصل معكم حتى نخرج إلى بر الأمان. أوفياء لمقاربتنا العلمية ودون شعبوية؛ لأنه ليس لدينا أي تضارب للمصلحة العامة والخاصة”.