شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الأيتام الجُدد

 

 

يونس جنوحي

لازال موضوع عقارات الأجانب في المغرب مثيرا للاهتمام، ولازال يعرف عددا من التقلبات والتحولات، رغم أن الموضوع لم يحظ بما يستحق، على الأقل من المسؤولين في مختلف الأقاليم.

لنأخذ، على سبيل المثال، الأحياء الواقعة في قلب الرباط والدار البيضاء وطنجة، المحور المفضل الذي سكن فيه الأجانب الأوائل الذين اختاروا الاستقرار في المغرب قبل أكثر من قرن.

هناك اليوم عقارات تسكنها عائلات مغربية، يعود بناؤها إلى فترة 1920، ولا تزال صالحة للسكن، وللأسف أحدثت بها تغييرات كثيرة أضرت بمعالمها وخصائصها العمرانية التي لا تزال إلى اليوم تُدرس في كليات الهندسة في كل من باريس ومدريد.

في تطوان، على سبيل المثال، لا تزال معالم الكنائس الصغيرة محفوظة، وكذلك شأن بعض المنازل المبنية على الطراز الإسباني، لكن معالمها الداخلية لا يعلم بها إلا الله، وبقيت هذه المنازل مهجورة لأكثر من نصف قرن، وهو ما يعني أنها سوف تتداعى في أية لحظة ولا أحد ينتبه إليها إلا المنعشون العقاريون.

المشهد، في كل المدن المذكورة أعلاه، شبيه جدا بما يُعرض في الأشرطة الوثائقية التي توثق للحظات انقضاض الضباع والفهود على قطعان الغزلان في فترات الاستراحة وسط الأدغال.

ما أن تبدو معالم الخراب على بناية لا تزال معالمها الهندسية بارزة، حتى يضعها المنعشون العقاريون نصب أعينهم. وبدل أن تتحول البناية إلى «أمانة» في عنق المُنتخبين ومدبري الشأن العام، تصبح مجرد مادة يتزايد حولها السماسرة، إلى أن يجدوا طريقة للانقضاض عليها وهدمها، ويشاركوا بذلك في طمس تاريخ بلد بأكمله ويُنشئوا مكانها بناية صماء لا تتميز بأي طراز معماري ولا تنتمي إلى أي مدرسة هندسية معروفة لا في الداخل ولا في الخارج.

من هذه البنايات ما كانت في السابق مستشفيات للأقليات التي أقامت في بعض مدن المغرب، وباعها أصحابها أو فُوتت إلى آخرين في ظروف خاصة -خصوصا خلال فترة الحرب العالمية الثانية- ولا تزال إلى اليوم موطنا لعائلات مغربية لا شيء يجمعها مع بعضها إلا سور البناية الخارجي.

وهناك بنايات كانت في السابق مقرا لإدارة استعمارية، عُذب فيها المقاومون وتستحق اليوم أن تتحول إلى متحف خاص بمندوبية قدماء المقاومة، لكنها بدل ذلك لا تزال إدارة عمومية تُكدس فيها أطنان أوراق الأرشيف وتتجول داخلها القطط الضالة رغم أنها جزء من تاريخنا الجماعي.

هناك من حاولوا الوصول إلى ورثة بعض الأجانب، وفعلا أقنعوهم ببيع تلك العقارات وحصلوا على عمولة سخية، بالعملة الصعبة بطبيعة الحال، لكن أغلب العقارات المملوكة لأجانب لم يعودوا يعيشون في المغرب وغادروه أو ماتوا فيه، لا تزال مهجورة وتُشكل فعلا نقطة سوداء في واجهات هذه المدن التي عاش فيها الأجانب جنبا إلى جنب مع المغاربة قبل عقود خلت.

هناك استثمارات سياحية بملايين الدولارات حول العالم تُعنى بترميم البنايات التاريخية، وتحويلها إلى متاحف تُزار وتُشد إليها الرحال من كل أنحاء العالم، وتأتي بعثات دراسية من كليات الهندسة لتفقد هذه البنايات ميدانيا ودارسة خصائصها المعمارية واستنساخها، لكي نترك على الأقل للأجيال المقبلة، ولو دليلا واحدا على أن العالم كان يوما ما يهتم بالتفاصيل ويتفنن في البناء، قبل أن يحل علينا زمن العمارات الزجاجية التي يؤطرها الألمنيوم، كما لو أننا أسماك شاردة في «الأكواريوم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى