الأوزون ونتنياهو والخالة خديجة
صبري صيدم
أين الرجل العنكبوت والرجل الوطواط وسوبرمان والرجل الآلي «ستيف أوستين» والرجل الأخضر المعروف بـ»الإنكردبل هالك» وغرندايزر وجيمس بوند؟ أين القنابل الذكية والصواريخ البالستية؟ والقبة الحديدية؟ وصواريخ التوماهوك الذكية، والقنبلة النووية والأسلحة الانشطارية وطائرات الشبح؟ وصواريخ السهم «الحيتس» وصواريخ الباتريوت وقاذفات التورنيدو وحاملات الطائرات والغواصات؟ وصواريخ الفضاء المتعاقبة في سلسة أبولو وباث فايندر وتشالينجر؟
لماذا تفوقت إنسانية رجل البناء الكرتوني «بوب ذا بيلدر» ورجل البريد «بوستمان بات»، وحتى خفة روح الخروف الظريف شون على «عناتر» السينما؟ حتى في عالم الشرق غاب علاء الدين وانطفأ مصباحه السحري، واختفى عنترة بن شداد وقراقوش وعلي بابا ومعه الأربعون حرامي، وحلت مكانهم إنسانية ألف ليلة وليلة وحديث الأربعاء وأولاد حارتنا، ولوحات من الشعر والأدب والموسيقى والنثر، وعادت جمالية الدين وصفوته ورسالته الإنسانية العفيفة لتحتل المشهد بهدوء وروية بعيداً عن التطرف والتشدد والغلو.
أين أشاوس أبو قتادة؟ والزرقاوي والملا عمر والظواهري وبن لادن والبغدادي؟ وأين ذهبت شركات البلاك ووتر وتجار غوانتنامو؟ أين اختفى قادة العالم الصناعي ليقرروا مصير ليبيا وسوريا واليمن والعراق وأفغانستان، وغيرها الكثير؟ وأين هم فرسان الربيع العربي وميليشياته ووحداته وتنسيقياته؟ وأين أبو سياف وأبو الجماجم وأبو النار وأبو السلاسل؟
نعم.. الكون يا سادة في إجازة بفعل مغلف يحتوي على مركبات بروتينية وحمضية، تكون جسماً كروياً يصل إلى واحد بالألف من قطر شعرة الإنسان التي يتراوح قطرها من 80 ألفا إلى 120 ألف نانو متر. فيروس مجهري أرعب العالم وقض مضاجع البشرية وفرض عليها الحبس المنزلي، ولقنها درساً مهماً في الآدمية. وفي غياب هذا كله يهلل الأوزون فرحاً في ظل وقف حركة التصنيع العالمية، وحركة الطائرات وتعطل وسائل النقل قاطبة، وهو ما قلل بواقع 60% حسب الأخصائيين من نسب التلوث والانبعاثات، حتى بات الهواء أكثر نقاءً في عواصم اعتادت على كثافة الهواء الملوث في سمائها. ولو اختار القارئ الذهاب للموقع الإلكتروني المخصص للقياس الدوري لنسب التلوث العالمية، لوجد تحول تلوث الهواء من خانة الخطر باللون الأحمر إلى خانة المستوى المتوسط من التلوث الموسومة باللون البرتقالي. ولعرف أن الصين وحدها مثلاً، انخفضت نسبة الوفيات فيها بشكل ملحوظ، فقد نجا من الموت 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ70.
أمام هذا التحول الدراماتيكي لكوكبنا وسكانه والانضباطية القسرية للبشر، وعلى ضوء التغير البيئي والإيجابي المهم فإننا نتوقع من البشر مجتمعين والدول على اختلافها استخلاص العبر، وإعادة النظر في تقاتلها وأحقادها ومطامعها وغزواتها، بل نعتقد ببراءة أن درس كورونا الرباني، لا بد أن يساهم في هزيمة الشر حول العالم، وإعادة النظر في النزاعات والتناقضات والاحتلالات والصراعات والغزوات ومشاهد السطو والنهب والتفرد. لكن وبكل أسف نجد أن البعض ما زال مصراً على جوره وظلمه وتجبره، عاقداً العزم على استدامة الصراع والحروب والقتل والدمار، معتقداً أن مستوطناته وجداره واحتلاله وسجونه وجيشه الجرار، ستقمع إرادة شعبٍ أدمن على النضال والثبات حتى التحرير. بنيامين نتنياهو المأزوم وحليفه اليوم الجنرال الأزلي بيني غانتس، الذي اعتقد البعض لوهلة أنه حمامة السلام المنتظرة، بل ناصبه البعض من أبناء جلدتنا الحب قناعة منهم بأنه سيكون رجل الحق، يرفضان الإذعان لدروس كورونا بعد أن رفضا دروس التاريخ قاطبة.
العالم يبحث عن شفاء الناس، وهما يبحثان عن قتل الناس بمصادرة أرضهم ومالهم. العالم يبحث عن الحياة، وهما يصران على سرقة الأرض والموارد وترسيخ الموت. العالم يبحث عن الطمأنينة، وهما يخططان ويتفقان ويوقعان على قتل طمأنينة الفلسطيني، وضم أرضه وسرقة ترابه، ونهش لحمه وحياة أبنائه وأحلامهم! جنرالا الموت هذان يتسلحان كما يقولا برؤية ترامب التي سماها «صفقة القرن».
فيروس صفقة القرن لا بد أنه أخطر من فيروس كورونا، لأن الثاني قد تجند العالم لقتاله، أما الأول فلن يتجند العالم لصده، إلا وبكل أسف بعد إزهاق المزيد من الأرواح واندلاع المزيد من الحروب والمعارك والمذابح والاعتقالات والطرد والبطش. وفي خضم هذا العناد والإصرار العجيبين، تقف الخالة خديجة اللاجئة السبعينية في مخيم برج البراجنة في بيروت لتقول أمام هذا الصلف والتجبر، لنتنياهو وحليفه المتجدد غانتس: «ضم وقتل وتشريد.. راجعة راجعة بكرا أكيد!»