شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الأمير النائم

الزيتوني

 

 

بعد يوم عمل طويل قررت أن أسترق السمع إلى خلايا جسمي العظمية في إحدى مقاهي العاصمة.. وأنا أمارس هوايتي المفضلة في مراقبة السلوكيات الغرائبية للكائن البشري، استرعى انتباهي منظر مرعب.. كان يجلس إلى جانبي «كوبل» لطيف يبدو أنه لازال يعيش لهفة البدايات.. نظرات غرامية بلهاء وقبلات مسروقة رفعت من نسب تلوث مجالي البصري.. لم تقطع حبل هذه المشاهد الرومانسية الرخيصة سوى بائعة الورد المزعجة التي أشعر دائما أنها تسبني في صمت كلما رفضت اقتناء ورداتها الذابلة.. طلبت بائعة الورد بأسلوبها الفج المعتاد من الشاب شراء وردة حمراء لحبيبته، فأشار لها بيده أن تغرب عن وجهه.. وبينما همت بائعة الورد بالانصراف نادتها الشابة العاشقة واشترت منها وردة قدمتها لحبيبها في منظر غير مألوف. التقط الشاب الوردة بسعادة وشرع في استنشاق أريجها، بينما تدفع صديقته ثمنها لبائعة الورد.. ناديت النادل ودفعت حساب قهوتي المرّة وانصرفت إلى حال سبيلي ولسان حالي يتساءل: ماذا حل بالرجال؟

ماذا حل بالرجل الذي كان يذهب للسوق الأسبوعي ليعود محملا باحتياجات أسرته؟ وماذا حدث للرجل الذي رفع السلاح ضد المستعمر؟ أين هو ذلك الرجل الذي بنى الحضارات وشيد المعالم التاريخية الضخمة ورفع المساجد والكنائس والمعابد؟ أين هي صورة الرجل الذي يتسم بالقوة والصرامة والحزم؟ لماذا أصبح رجال اليوم «رطبين»؟ وهل يمكن لوم الحركات النسوية التحررية على عملية تأنيث الذكور؟ من المسؤول عن اختلال موازين الأنوثة والذكورة؟ ولماذا أصبح رجال اليوم يطالبون بـ«معاملة الأميرة»؟

يعكس سعي الرجال المعاصرين إلى «معاملة الأميرة» تحولا في التوقعات والديناميكيات المجتمعية في العلاقات. غالبا ما يتضمن هذا الأمر الرغبة في التدليل والتقدير والاهتمام، على غرار الطريقة التي صورت بها الأدوار الجنسانية التقليدية النساء في السياقات الرومانسية.

في صميم هذه الظاهرة يكمن الفهم المتطور للأدوار الجنسانية. مع اكتساب النسوية قوة دفع وتحدي المفهوم التقليدي للذكورة، بدأ بعض الرجال في تبني الضعف والتعبير عن رغباتهم في الدعم العاطفي. يسمح لهم هذا التحول بالبحث عن شريكة توفر الراحة والرعاية المادية، على غرار الطريقة التي كانت تُرى بها النساء تاريخيا في العلاقات. ومع ذلك يمكن أن يؤدي هذا إلى توقعات متضاربة، حيث تسعى العديد من النساء، المتأثرات بالحركات نفسها، بشكل متزايد إلى المساواة والمسؤوليات المشتركة في العلاقات.

الآثار المترتبة على المجتمع كبيرة. من ناحية أخرى، قد تؤدي الرغبة في الرعاية المتبادلة إلى علاقات أكثر صحة، حيث يتواصل كل من الشريكين بشأن احتياجاته بصراحة ويسعيان إلى تحقيق التوازن. وقد يشجع هذا التحول على نموذج جديد للشراكة يقوم على الذكاء العاطفي والتعاطف، مما يسمح للرجال بالانفصال عن الذكورة التقليدية الصارمة والسامة.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر هذه الديناميكية على ثقافة المواعدة والتوقعات المجتمعية. لقد غيرت منصات، مثل تطبيقات المواعدة، كيفية تواصل الناس، وغالبا ما تؤكد على المظهر والإشباع الفوري بدل الروابط العميقة. في هذا السياق، قد يتبنى بعض الرجال عقلية الاستحقاق، ويتوقعون تلقي معاملة خاصة دون الاستثمار في العلاقة. يمكن أن تقوض هذه العقلية الروابط الحقيقية، لأنها قد تعزز التفاعلات السطحية وترجح كفة الاستغلال المادي والجنسي للنساء.

تلعب وسائل الإعلام أيضا دورا في تشكيل هذه التوقعات. غالبا ما تصور الكوميديا ​​الرومانسية ووسائل التواصل الاجتماعي علاقات مثالية حيث يتم تدليل الشركاء باستمرار، مما يعزز خيالا قد لا يمكن تحقيقه في الواقع. مع استيعاب الرجال لهذه الروايات، قد يتوقعون من حبيباتهم أو زوجاتهم الوفاء بهذه الأدوار، مما يخلق فجوة بين التوقعات والتفاعلات في الحياة اليومية.

يجوز لنا القول إن الرغبة في «معاملة الأميرة»، بين رجال عصر الحداثة وما بعد الحداثة، يعكس تغييرا راديكاليا في الأدوار الجندرية التقليدية وديناميكيات العلاقات الجنسية. وفي حين أنه يمكن أن يعزز العلاقات الرضائية الأكثر انفتاحا عاطفيا، يفرض أيضا تحديات على القوالب الجنسية التقليدانية مما يؤدي إلى الصراعات المجانية بين النساء والرجال. من المنطقي والصحي أيضا أن تتسم العلاقات العاطفية بالتوازن والاحترام المتبادل، غير أن تزايد عدد الرجال الذين يصرون على تلقي الدعم المادي والعاطفي من طرف النساء، دون بذل أي مجهود يذكر لمعادلة كفة العلاقة، أصبح أمرا يدعو للقلق. صحيح أن الرجل جُبِل على الإحساس بالتفوق والاستحقاق، لكنه كان يسعى، بالمقابل، لتوفير الحماية الجسدية والمادية للأنثى من أجل الحصول جراء ذلك على الطاعة والحب والولاء. إن حالة الفوضى والتناقض الشديد التي يعيشها رجل اليوم دفعت به إلى المطالبة بمعادلة مستحيلة، فهو يرغب بأنثى تشبه أمه في خضوعها وانكسارها وطاعتها العمياء، لكن، في الوقت نفسه، يجب على هذه الأنثى أن تدفع ثمن فاتورة الكراء والتطبيب والبنزين والمطعم، ثم تقتني له وردة حمراء في موعد غرامي.. يرفض الرجل المعاصر دفع الصداق والمهر باعتبارهما معاملات مالية متجاوزة ترمز لتشييء المرأة، لكنه، بالمقابل، يطلب من زوجته مناداته بسي السيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى