الأمن الغذائي قبل العملة
نعيش اليوم في عالم تدافع فيه كل دولة عن أمنها الطاقي والغذائي، بإعادة النظر في تدبير مواردها الاستراتيجية. وقبل يومين قررت دول تعتبر الأكثر إنتاجا لزيت الزيتون وهي اليونان وإسبانيا وإيطاليا، التوقف عن تصدير منتوجها والتركيز على تلبية حاجياتها الداخلية. وقبلها، اتخذت الهند وماليزيا وروسيا وأوكرانيا والأرجنتين ومصر والأردن وكازاخستان وكوسوفو وصربيا، والقائمة تطول والقوس مفتوح، نفس القرارات بخصوص منع تصدير مواد غذائية كالأرز والقمح وبذور عباد الشمس. بل إن القرارات تشير إلى أن هناك أكثر من 22 دولة في العالم حظرت تصدير سلع ومنتجات رئيسية لعدم تعريض أمنها الغذائي للخطر، والحفاظ على استقرار أسواقها المحلية، وكبح أي غلاء متوقع في الأسعار، لأن دول العالم باتت خائفة على أمنها الغذائي واستقرارها الاجتماعي مع اتساع رقعة اللايقين والصدمات المتتالية والمفاجئة.
في المقابل، لم تتخذ الحكومة أي قيود مشددة أو قرارات حظر على صادرات المغرب من بعض السلع الأساسية، وذلك على الأقل تحسبا لحدوث نقص في العرض الكافي لسد الطلب المحلي، وما قد يرافق ذلك من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما هو واقع اليوم مع أسعار زيت الزيتون التي تتجه إلى تحطيم أرقام قياسية، بعدما تضاعف سعره بسبب الجفاف وكذلك بسبب هوس المنتجين بالتصدير المدر للعملة الصعبة.
كل دول العالم تدرك أنه مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا وخطر الأوبئة والتقلبات المناخية القاسية، هناك احتمال متزايد أن نعيش أصعب فترة تاريخية في نقص الغذاء في تاريخ البشرية، وخاصة الحبوب والزيوت النباتية. وهذا ما يستوجب من السلطات العمومية في بلدنا فرض قيود على تصدير بعض المواد لإدارة الأمن الغذائي العام للبلاد الذي نادى به الملك محمد السادس في خطاب افتتاح السنة التشريعية من السنة الماضية.
فتدبير الأمن الغذائي في ظل سياق صعب لا ينبغي أن يتم فقط بالآلة الحاسبة التي تجعل لوبيات الفلاحة تنظر إلى نجاح الموسم بما تحوله من عملة صعبة إلى حساباتها البنكية على حساب غذاء المغاربة وجيوبهم، بل أولا وأخيرا إلى تأمين الطلب بأسعار معقولة. ولا شك أن المراسيم التي يوقعها رئيس الحكومة بشأن رفع الرسوم الجمركية عن استيراد القمح من السوق العالمية للحفاظ على استقرار سعره قرار مهم يصب في أمننا الغذائي، لكن لا بد من إصدار قرارات أخرى تمنع تصدير زيت الزيتون وزيت أركان والطماطم والبطاطس وكل الخضر التي تلهب جيوب المغاربة بسبب تصديرها إلى الاتحاد الأوروبي ودول إفريقيا.
فالوضع الغذائي الذي يعيشه العالم صعب للغاية، وكل الدول تعمل بشعار «راسي يا راسي»، وتدافع عن أولوية مواطنيها في الغذاء والتدفئة والأسعار. ولا يمكن أن تستمر بلادنا في تدبير أمنها الغذائي وكأننا في وضعية عادية لا تحتاج لتدابير استثنائية واستباقية؛ فبالأمس عانى المغاربة من نقص في زيت المائدة التي أصبحت خارج ميزانية المواطن، واليوم نعاني من نقص ملحوظ في مادة الحليب وغدا ربما سيقع نقص حاد في مواد غذائية أخرى. وإذا لم يتم تدارك الأمر بقرارات احترازية فما علينا سوى أن نقرأ السلام على أمننا الغذائي، الذي يمثل أولوية استراتيجية بالنسبة لأعلى سلطة في الدولة، وتم التأكيد عليه في صلب النموذج التنموي الجديد في أفق 2035.