الأمن الدوائي
انتقد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي الأخير التقصير وضعف تتبع ومراقبة جودة وأسعار الأدوية المعروضة في السوق الوطنية، معلنا أن مقارنة هوامش ربح المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدليات المعتمدة بالمغرب مع تلك المعتمدة في بلدان مثل فرنسا وتركيا أظهر أن هوامش الربح المعتمدة بالمغرب مرتفعة نسبيا.
لا أحد ينكر المجهودات الحكومية التي بذلت خلال السنوات الأخيرة من أجل تخفيض أسعار بعض الأدوية، لكن الأمر غير كاف ولا زال المواطن المصاب بالأمراض المزمنة والخطيرة مثل مرض السرطان، حتى وإن كان ينتمي للطبقة المتوسطة عاجزا عن تأمين اقتناء الأدوية لسبب بسيط أنه ليس هناك توازن بين سعر الأدوية في السوق وبين المداخيل التي يحصل عليها.
والواقع الذي لا يمكن تكذيبه بالشعارات الفارغة أن المواطنين تُرِكوا وحدهم لمواجهة الأمراض المزمنة من دون أي سلاح للدعم العمومي للأدوية، وبعضهم مهدد في حياته ليس لأن المرض خطير، بل لأنه لم يستطع دفع ثمن الدواء الذي تخطى سعر كثير منه الحد الأدنى للأجور، لدى أغلبية المرضى. لا ننسى أن كل المستشفيات العمومية أخلت مسؤوليتها في توفير الأدوية، إذ تطلب من المرضى شراء أدويتهم على نفقتهم الخاصة، وذلك في وقتٍ بالكاد باتت بعض الأدوية متوفرة في الصيدليات، وثمنها يفوق قدرة المواطنين، سيما الفئات الأكثر ضعفاً، على تحملها.
والمشكلة الكبرى اليوم التي تعكسها أسعار وجودة مرتبطة بالأساس بالسيادة الدوائية، التي تحدث عنها الملك محمد السادس والتي تمثل شكلا من أشكال التزام السلطات العمومية بتقديم الرعاية الصحية للمواطن، بحيث يصبح البحث عن تقليص درجة التبعية للأسواق العالمية للأدوية عنصرا من عناصر تحقيق الأمن الدوائي.
والحل للمشكلة الدوائية يجب أن يكون حلاً جذرياً لا يقف عند تخفيض أسعار بعض الأدوية وتكثيف الرقابة من أجل تمويل السوق ببعض الأدوية التي تتعرض للانقطاع المتكرر، بل باستراتيجية تصنيعية واستثمارية شاملة، تفتح الباب أمام التنافس الذي يخدم القدرة الشرائية للمواطن، وفي نفس الوقت الضرب على أيدي كل المتلاعبين والمحتكرين لأسواق الأدوية، وتفعيل الإطار القانوني الخاص بهذه المراقبة غير المكتمل، ومنح الصلاحيات اللازمة والكافية والحامية لمديرية الأدوية والصيدلة من أجل تطبيق تدابير الردع اللازمة، واستكمال الإطار القانوني المنظم لمراقبة جودة الأدوية والحرص على تحديثه بانتظام.