الأمريكيون والتلقيح.. وفعل الشيء الصائب
جيفري كمب
يتسارع انتشار متحور فيروس كورونا «دلتا» الجديد والأكثر ضراوة عبر الولايات المتحدة، خاصة في تلك الولايات التي لديها أدنى نسبة مئوية من السكان الملقحين. وتشير المعطيات إلى أن الأشخاص الملقحين هم الأقل عرضة للإصابة بالفيروس الجديد، وأن أولئك الذين يصابون به منهم ينجون في الغالب من مضاعفات مميتة، بل قد لا يحتاجون إلى تلقي العلاج في المستشفى. ونتيجة لهذه الإحصائيات الجديدة، ظهر اتجاهان اجتماعيان مهمان.
فأولا، هناك غضب متزايد بين أغلبية الأمريكيين الذين تلقوا اللقاح وأولئك الذين لم يتلقوا الجرعتين المنقذتين للحياة، لسبب أو لآخر. ذلك أنه قبل بضعة أشهر، كانت الولايات المتحدة متقدمة على معظم البلدان في ما يتعلق بعدد المواطنين الذين تلقوا جرعة واحدة من اللقاح على الأقل. أما الآن، فإن معظم البلدان الأوروبية تجاوزت الولايات المتحدة، وذلك لأن الكثير من الأمريكيين يعزفون عن تلقي اللقاح.
وهناك أسباب عديدة لهذا العزوف، على الرغم من أن اللقاح متاح للأمريكيين بالمجان في معظم مناطق البلاد. ذلك أن البعض يعترضون عليه لأنهم يعتقدون أن اللقاحات لم تخضع للاختبار بشكل كاف وكامل، وأنها قد تتسبب لهم في مشاكل صحية على المدى البعيد. والأشخاص الذين يميلون إلى إبداء هذا الموقف يميلون عموما إلى الانتماء إلى الفئات العمرية الشابة. هذا في حين أن الأشخاص الأكبر سنا يميلون أكثر إلى تلقي اللقاح بشكل عام. وبالمقابل، يعترض آخرون على اللقاح لأسباب دينية، أو لأن لديهم حالة طبية يمكن أن تجعل اللقاح أكثر خطورة على صحتهم.
لكن الأكثر إثارة للقلق هو أن عددا مهما من الأشخاص الذين يمتنعون عن أخذ اللقاح يعترضون عليه لأسباب سياسية واجتماعية. والسبب الشائع هو أنهم لا يثقون في السلطات، خاصة الحكومة الفيدرالية وإدارة بايدن. كما أن الكثير منهم من أنصار ترامب المخلصين، الذين يرفضون أخذ اللقاحات، وارتداء الكمامات، وممارسة التباعد الاجتماعي. وبالنسبة لهذه الفئة، يُعتبر رفض نداءات السلطات وسام شرف، وإن كان صادرا عن خبراء طبيين. وهم يتلقون التشجيع على اتخاذ هذه المواقف من قبل المنابر الإعلامية اليمينية، مثل صانعي الرأي على قناة «فوكس نيوز» ذات الشعبية الواسعة.
والواقع أنه كانت هناك جهود كثيرة من أجل التصدي لهذه الاعتراضات، ومن ذلك تقديم حوافز مالية للأشخاص من أجل تشجيعهم على أخذ اللقاح. لكن قبل الارتفاع الجديد في الإصابات بسبب متحور «دلتا» أخيرا، كان يبدو أنه ليس لهذه الجهود تأثير كبير. غير أنه تحديدا، ولأن متحور «دلتا» الجديد جد خطير بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يلقحوا، فإن عدد الأشخاص الذين يسارعون إلى تلقي الجرعتين ارتفع بشكل مهم في الولايات، التي كانت لديها أرقام منخفضة للملقحين. فحاليا، تقدم يوميا كل من ولايات أركانسو وألاباما وفلوريدا ولويزيانا وميزوري ونيفادا.. جرعات بمعدل أعلى من المتوسط الوطني.
هذا الاتجاه الثاني يمثل خبرا سارا من دون شك، وهو يشير، في حال استمراره، إلى أنه على الرغم من اعتراضاتهم السابقة، فإن الناس خائفون بما يكفي من الفيروس بسبب التقارير اليومية حول اكتظاظ المستشفيات وارتفاع الوفيات، لدرجة أنهم لن يأخذوا اللقاح فحسب، وإنما سيشجعون أسرهم وأصدقاءهم على فعل ذلك أيضا. وعلى سبيل المقارنة، فقبل الانفجار الأخير في عدد الإصابات كان بعض الأشخاص في «الولايات الحمراء» يخفون حقيقة أنهم تلقوا اللقاح ويبقونها سرا.
ولئن كانت الكثير من الولايات قد بدأت تعتمد من جديد بروتوكولات ارتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي التي كانت قد رفعت في بداية فصل الصيف، فإن تأثير ذلك على التعافي الاقتصادي حتى الآن يبدو طفيفا وفي الحد الأدنى. صحيح أن بعض القطاعات، خاصة قطاع السياحة والترفيه، مثل المطاعم والمسارح والنوادي وبعض الفعاليات الرياضية، قد تتضرر جراء القواعد الجديدة، لكن السفر الداخلي يعرف طفرة، والإنتاج الصناعي يواصل نموه.
إن الزيادة الجديدة في الإصابات بالفيروس تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لإدارة بايدن، التي كانت تأمل أن تسجل عطلة الرابع من يوليوز بداية النهاية بالنسبة إلى الوباء في الولايات المتحدة. غير أنه إذا كان بايدن صريحا مع الشعب الأمريكي بشأن مخاطر المتحور والحاجة إلى مواجهته بتدابير جذرية، فإن الممتنعين عن تلقي اللقاح ربما يصابون بالخوف بما يكفي حتى «يفعلوا الشيء الصائب» ويأخذوا اللقاح. هذه هي أبسط طريقة للتغلب على الفيروس. ومعظم الناس يأملون أن ينتصر العقل في الأخير!