الأمراض المزمنة وأضرار الحجر الصحي
ضرورة الاستئناف العاجل للفحوصات والعلاجات بالنسبة إلى المرضى المزمنين خاصة والمرضى بشكل عام، وضرورة استئناف برمجة الفحوصات من طرف الأطباء في كل التخصصات، وضرورة التعجيل بالعلاجات خلال الأسابيع المقبلة للاستفادة من هدوء الأوضاع الصحية عموما، مستحضرين احتمال موجة ثانية من الوباء خلال الأشهر المقبلة.
قد يكون وباء كورونا هو الظرف المستعجل الذي يخفي عنا حالات وفيات وتعقيدات وإصابات طبية أخرى، لكنه لن يمنع حدوثها. جلطات القلب والجلطات الدماغية، والحوادث المنزلية، وأمرض الكلى والكبد والسرطان وغيرها من مضاعفات الأمراض المزمنة لن تختفي أو تنتظر زوال الوباء للرجوع. قد تتوارى هذه الإصابات عن أنظارنا نعم، لكنها وراء الستار تحصد يوميا أرواح الضحايا، الذين اضطرهم الوباء أو الخوف من الوباء إلى التخلي عن مواعدهم الطبية أو عن علاجهم. سنستعرض عددا من الدراسات التي تؤكد ما لاحظناه في الممارسة اليومية، خلال الأسابيع الأخيرة.
لا حطنا كأطباء ممارسين في الأسابيع الأخيرة، أن الكثير من المرضى المزمنين الذين يخضعون في العادة لمراقبة دورية، قد اختفوا تماما عن الأنظار. بعضهم يتصل هاتفيا، كما نصحنا بذلك، للتشاور حول وضعيته الصحية وأدويته والاستفسار عن إمكانية تأجيل الموعد وتاريخه أو الحضور، بينما الكثير من مثل هؤلاء المرضى للأسف اختفوا تماما ولم يعد الأطباء يعرفون شيئا عن مصيرهم، بينما يحضر للفحص مرضى آخرون غير مستعجلين. من الصعب، بل من الخطير أحيانا أن يحدد المريض نفسه درجة الخطورة أو الاستعجال من عدمه، لذلك لم نوكل الأمر للناس أنفسهم، بل ما كان مطلوبا هو الاستشارة مع الطبيب ومهنيي الصحة، ولو بالهاتف لتحديد هذه الدرجة.
أصبحنا نلاحظ أيضا أن عددا من المرضى يحضرون بشكل متأخر جدا، مقارنة بالمعتاد، بعد إصابتهم بأعراض ومضاعفات.
هذه الملاحظات هي نفسها في مختلف الدول التي تعاني من تفشي «كوفيد- 19». وقد أجرت بعض مراكز طبية بعض الدراسات في عدد من الدول، ولو محدودة بالنسبة إلى بعضها، ولكنها خلصت إلى النتائج نفسها: المرضى المزمنون ينقطعون عن المراقبة الطبية، وأحيانا عن العلاج، ويتعرضون لمخاطر مضاعفة مقارنة مع فترة ما قبل الحجر الصحي.
وأظهرت دراسة إيطالية أن هناك زيادة 58 في المائة من حالات السكتة القلبية خارج المستشفيات، مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019.
دراسة إيطالية أخرى أظهرت أن هناك تراجعا كبيرا تصل نسبته إلى 68 بالمائة في عدد عمليات توسيع الشريان التاجي للقلب، التي يستفيد منها المرضى الذين يعانون من الذبحة الصدرية. وهذا معناه أن العديد من ضحايا هذه الإصابات القاتلة لم يتقدموا لهذا العلاج المستعجل.
دراسة ثالثة أجريت في الصين وهونغ كونغ شهر مارس، أظهرت أن الوقت الفاصل ما بين أولى أعراض الأزمات القلبية المستعجلة وأول اتصال بطبيب، ارتفع بمعدل أربع مرات، في حين أن عاملي الزمن والسرعة يشكلان أحد أهم عناصر إنقاذ الحياة في مثل هكذا حالات.
كما أظهرت دراسة مسحية أجراها موقع أمريكي لمنصة رقمية مختصة في الدراسات الطبية Carenity، تضم أزيد من 400 ألف مريض ومعالج، عبر استبيان تمت تعبئته من طرف حوالي 5 آلاف مريض في دول: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا وألمانيا، أظهرت أن نصف المرضى تقريبا تخلوا عن مواعدهم المعتادة، سواء بالحضور أوعن بعد. 25 في المائة من المرضى المزمنين لم يتمكنوا من إيجاد طبيب للاستشارة. 42 في المائة من المرضى عانوا من إلغاء مواعدهم أو عمليات مقررة. وهي ظاهرة مست جميع التخصصات. كما أن نسبة منهم تخلت عن علاجهم الأساسي إما كليا أو متقطعا بنسبة 9 في المائة، كما صرح 10 في المائة منهم أنهم وجدوا صعوبة في العثور على علاجهم بالصيدليات. نتائج هذه الدراسة جاءت بنتائج مثيلة لمعطيات دراسات أخرى في دول أوربية.
هذه الدراسة ودراسة أخرى لاحظتا أن عدد حالات الجلطة الدماغية التي سجلها الأطباء انخفض بـ50 في المائة. وهذا معناه أن نصف الجلطات الدماغية لا تصل إلى الأطباء، بل تبقى بدون عناية طبية ملائمة، بسبب ظروف الوباء أو مصيرها الوفاة.
هذه معطيات عن بلدان أوربية تتوفر على أنظمة صحية وتغطية صحية وموارد طبية، ويمكننا تصور ما حدث ويحدث هنا في انتظار معطيات محددة إن تم ضبطها في قادم الأيام.
نافذة:
قد يكون وباء كورونا هو الظرف المستعجل الذي يخفي عنا حالات وفيات وتعقيدات وإصابات طبية أخرى، لكنه لن يمنع حدوثها. جلطات القلب والجلطات الدماغية، والحوادث المنزلية، وأمرض الكلى والكبد والسرطان وغيرها من مضاعفات الأمراض المزمنة لن تختفي أو تنتظر زوال الوباء للرجوع