شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الأمازيغية بعد 10 سنوات من الدسترة لماذا تأخر تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟

خلال الأسبوع الماضي أثير نقاش تحت قبة البرلمان حول عدم توفير الترجمة الفورية إلى اللغة الأمازيغية أثناء انعقاد جلسات الأسئلة الشفوية، ويعيد هذا النقاش طرح أسئلة حول تأخر تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بعد مرور 10 سنوات على دسترتها، حيث ينص الفصل الخامس في فقرته الرابعة على أنه يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية، ويهدف هذا القانون إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، لكن الحكومتين السابقتين وضعتا الأمازيغية في ذيل المخطط التشريعي، ولم تتم المصادقة على هذا القانون إلا في سنة 2019، ومع ذلك مازال تنزيل هذا القانون يعرف بعض التعثر.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

حكومتا «البيجيدي» وضعتا الأمازيغية في ذيل المخطط التشريعي

ينص الدستور الجديد لأول مرة على ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، لكن حكومتي «البيجيدي» بقيادة عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، وضعتا الأمازيغية في ذيل المخطط التشريعي، ولم يصدر القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، إلا بعد مرور ثماني سنوات على دسترة الأمازيغية.

ويندرج القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الأمازيغية في إطار تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، الذي ينص في فقرته الرابعة على أنه «يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». ويهدف هذا القانون إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، ودعم قيم التماسك والتضامن الوطني، وذلك من خلال المحافظة على هذه اللغة وحماية الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي، والعمل على النهوض به، وترصيد المكتسبات الوطنية المحققة في هذا المجال وتطويرها.

ويعتمد هذا القانون على مبدأ التدرج في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ويتضمن مقتضيات تهم المبادئ العامة المؤطرة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم والتشريع والعمل البرلماني والإعلام والاتصال، ومختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني، وفي الإدارة والمرافق والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، والفضاءات والخدمات العمومية، والتقاضي. كما يشمل المشروع مقتضيات تهم مراحل وآليات تتبع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

وينص القانون على بث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذاعات العمومية، مصحوبة بترجمتها الشفوية أو الكتابية إلى اللغة الأمازيغية. كما ستبث أيضا البلاغات والبيانات الموجهة إلى عموم المواطنين باللغة ذاتها، فضلا عن أنه ستكتب البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية باللغة الأمازيغية؛ منها بطاقة التعريف الوطنية وجوازات السفر ورخص السياقة بمختلف أنواعها، وبطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين بالمغرب، ومختلف البطائق الشخصية والشهادات المسلمة من قبل الإدارة.

وبموجب القانون المذكور آنفا الذي طال انتظاره، ستكتب أيضا البيانات المضمنة في القطع والأوراق النقدية والطوابع البريدية وأختام الإدارات العامة باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية. كما ستعمل السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على توفير الوثائق باللغتين معا، خصوصا المطبوعات الرسمية والاستمارات الموجهة إلى العموم، والوثائق والشهادات التي ينجزها أو يسلمها ضابط الحالة المدنية، والوثائق والشهادات التي تنجزها أو تسلمها السفارات والقنصليات المغربية.

ووفق ما جاء في القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية، ستلتزم الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات الاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، كما ستوفر خدمة مراكز الاتصال التابعة لها باللغة الأمازيغية. ويلزم القانون إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتأهيل موظفيها المعنيين، بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها، بالإضافة إلى أنها ستدخل إلى جانب اللغة العربية في اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل مقرات الإدارات والمرافق العمومية والمجالس الجهوية والهيئات الدستورية، وداخل مقرات السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، إضافة إلى علامات التشوير في الطرق والمطارات والموانئ والفضاءات العمومية، والطائرات والسفن المسجلة بالمغرب والقطارات.

وينص القانون التنظيمي في مادته الثالثة أن تعليم اللغة الأمازيغية يعد حقا لجميع المغاربة بدون استثناء، إذ ستدرس بكيفية تدريجية في جميع مستويات التعليم الأساسي. كما ينص على تعميمها بالكيفية نفسها في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، ويقترح كذلك إدماجها في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية. أما في ما يخص إدماجها في مجال التشريع والعمل البرلماني، فينص على إمكانية استعمالها في أشغال الجلسات العمومية واللجان البرلمانية، ويتعين توفير الترجمة الفورية لهذه الأشغال من اللغة الأمازيغية وإليها.

ويحق للمتقاضين، بحسب القانون ذاته، بطلب منهم سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية، ما يفرض على القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيئات الدستورية وضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية في الميادين التي تخصها، وذلك في أجل لا يتعدى ستة أشهر من دخول القانون التنظيمي حيز التنفيذ.

تأخر تشكيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية

 

يشكل القانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إطارا مرجعيا وقوة اقتراحية في مجال اللغات والثقافات، وذلك بهدف تطوير سياسات لغوية منسجمة بالنسبة للغتين الرسميتين واللغات الأجنبية، وتعزيز الهوية المغربية للحفاظ على تنوع مكوناتها وتحقيق انصهارها من خلال الولوج إلى الحقوق الثقافية وتطوير اقتصاد الثقافة وضمان الانسجام بين المتدخلين في المجال الثقافي والفني.

وتتجلى أهمية القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي صادق عليه البرلمان في سنة 2019، في كونه يهم تفعيل مؤسسة دستورية تطبيقا لأحكام الدستور، الذي ينص في فصله الخامس، على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية كآلية لحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ورغم المصادقة على هذا القانون قبل ثلاث سنوات، فإن تنزيله مازال متعثرا.

وستكون للمجلس عدة اختصاصات، من بينها اقتراح التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال السياسات اللغوية والثقافية، والسهر على انسجامها وتكاملها. و ما يتعلق بحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية واللهجات ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، وبتنمية الثقافة الوطنية والنهوض بها في مختلف تجلياتها، وحفظ وصون التراث الثقافي المغربي الأصيل، وتيسير تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، والمساهمة في تتبع تنفيذ هذه التوجهات، بتنسيق مع السلطات والهيئات المعنية.

وفضلا عن هذه الأدوار، سيقوم المجلس بإبداء الرأي في كل قضية من القضايا التي تحال عليه في مجال اختصاصه ودراسة البرامج الكبرى اللازمة لتنفيذ التوجهات الوطنية، علاوة على صلاحيات تتعلق بإبداء الرأي واقتراح التدابير اللازمة لحماية وتنمية اللغتين الرسميتين.

وفي ما يخص تركيبة المجلس، فهو يتألف علاوة على رئيسه من 25 عضوا يمثلون خمس فئات، هي فئة الخبراء التي تتكون من 6 من الخبراء المتخصصين في مجالات التنمية اللغوية والثقافية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، وفئة المؤسسات والهيئات الوطنية التي تتكون من 9 أعضاء، وفئة الإدارات العمومية وتضم 4 أعضاء يمثلون السلطات الحكومية المكلفة بقطاعات التربية الوطنية والتعليم العالي والثقافة والاتصال، وفئة الجامعات ومعاهد التكوين في مجالي الثقافة والفنون وتتكون من عضوين، وفئة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وعدد أعضائها أربعة.

ووفقا للنص التشريعي، فإن المجلس يضم أكاديمية محمد السادس للغة العربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مع الإشارة إلى إعادة تنظيمهما وفقا لهذا القانون التنظيمي، وكذا الهيئات المحدثة لديه، ويتعلق الأمر بالهيئة الخاصة بالحسانية واللهجات والتعبيرات الثقافية المغربية الأخرى والهيئة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث والهيئة الخاصة بتنمية استعمال اللغات الأجنبية.

وبموجب المادة 50 من مشروع القانون، فإن المجلس الوطني يحل محل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في كافة حقوقه والتزاماته، ولهذا الغرض تنقل إلى المجلس الوطني، مجانا، العقارات والمنقولات وحقوق الملكية الفكرية المملوكة للمعهد كما تنقل إليه ملكية الأرشيف والوثائق والملفات الموجودة في تاريخ دخول القانون التنظيمي حيز التنفيذ في حوزة المعهد.

ويتوخى من إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المساهمة في تحقيق مشروع مجتمعي متكامل، يرتكز في شقه الثقافي على تجانس مكوناته واستثمار تنوعه وغناه، وكذا إيجاد حلول للتحديات الثقافية المرتبطة بالألفية الثالثة وما عرفته من تحولات اقتصادية واجتماعية، وتأثيرات العولمة الاقتصادية على الممارسات الثقافية لدى المواطنين، وتحسين جودة ومردودية منظومة اللغات والثقافة استجابة لانتظارات الأوساط الثقافية والفنية.

الحكومة تخصص مليار درهم لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية

 

التزمت حكومة عزيز أخنوش، ضمن برنامجها الذي نالت بموجبه ثقة البرلمان، بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، من خلال إحداث صندوق خاص، بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025.

وحسب البرنامج الحكومي، فإن الاعتراف الرسمي بالأمازيغية جاء نتيجة للإرادة الملكية السامية التي مكنت من قطع أشواط كبرى خلال العشرين سنة الماضية، وبدأ هذا المنعطف التاريخي مع خطاب أجدير الذي ألقاه الملك محمد السادس سنة 2001، وفي سنة 2019، اعتُمد القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات دمجها في مختلف مناحي الحياة.

ويؤكد هذا القانون، يضيف البرنامج الحكومي، بقوة وحزم مكانة الأمازيغية ومساهمتها في العروة الوثقى للهوية المغربية المتعددة الروافد، لكن الطريق مازال طويلا لأن الاعتراف ينبغي ألا يقتصر على الحقوق الثقافية واللغوية، بل يجب أن يمتد ليشمل تدارك تأخر التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ولتمويل ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، قررت الحكومة إحداث صندوق لهذه الغاية، ابتداء من سنة 2022، كآلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية.

وسيعمل هذا الصندوق على تعزيز العدالة الثقافية واللغوية، على غرار آليات التمويل التي تعبأ في كل مرة كروافع إدماج للسياسات العمومية من أجل التنمية الاجتماعية والمجالية. ويستمد صندوق مواكبة ترسيم الأمازيغية موارده من ميزانية الدولة، التي ستصل إلى مليار درهم ابتداء من سنة 2025، وسيتم تعزيز حكامة الصندوق بإحداث لجنة استشارية وطنية ولجان استشارية جهوية تضم ممثلي القطاعات الوزارية المعنية وتنفتح على شخصيات لها إلمام بالثقافة الأمازيغية.

التكتل الأمازيغي: اللغة الأمازيغية واجهت عشر سنوات عجاف 

 

دفعت السنوات العشر الأخيرة لحكومة العدالة والتنمية، والتي شهدت تراجعا كبيرا في تنزيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتفعيل مقتضيات الدستور بشأنها، تكتل «تكتل تَمْغْرَبيتْ للالتقائيات المواطنة» (تاضا تمغربيت) إلى مهاجمة الحكومتين السابقتين برئاسة حزب العدالة والتنمية، والتي قال التكتل إنه تجاهل ملف ترسيم الأمازيغية واستغله سياسيا، في المقابل نوه التكتل  بمبادرة حزب التجمع الوطني للأحرار بإعداده النسخة الأمازيغية لبرنامجه خلال الانتخابات ونشره في موقعه الإلكتروني أسوة بالنسخة العربية، معتبرا أن خطوات التجمع الوطني للأحرار «تأكيدا من هذا الحزب على  المساواة بين اللغتين الرسميتين للمغرب».

وانتقد التكتل الحكومتين السابقتين، منبها إلى خطورة دعوة حزب العدالة والتنمية إلى جعل العربية في الصدارة وتفضيل الجمعيات المدافعة عن العربية بمنحها صفة المنفعة العامة وحرمان الجمعيات المدافعة عن الأمازيغية من ذلك، خلال الولاية  الحكومية، وهو ما قال التكتل إنه كان مناف للدستور الذي لا يميز بين اللغتين الرسميتين، كما أنه في نفس الوقت تأسيس لتمييز فج بين مكونات الشعب المغربي، وتهديد للسلم اللغوي ومجهودات الدولة بقيادة جلالة الملك في تدبير قضايا الأمن اللغوي للمغاربة بكثير من التعقل والحكمة»، يورد المصدر ذاته.

وعبر المصدر نفسه عن استغرابه من «تعامل بعض الأحزاب اليسارية مع الأمازيغية إما باستعمالها لمفاهيم متجاوزة من قبيل الثقافة الشعبية أو التلكؤ في ذكر الأمازيغية وحصرها في رافد من روافد الهوية المغربية، مع تجنب الإشارة لكل ما له علاقة بوضعها كلغة رسمية والمتعين القيام به لتفعيل حقيقي  لرسميتها»، كما عبر «تكتل تَمْغْرَبيتْ للالتقائيات المواطنة» عن أسفه لعدم «قدرة بعض الأحزاب، التي كانت مواقفها من الأمازيغية متميزة في السنوات الماضية، على تطوير مواقفها وجعلها مواكبة للمستوى الذي وصلته القضية الأمازيغية وطنيا ودوليا، حتى تستطيع المساهمة في دعم مجهودات الدولة والمجتمع المدني كي تكون بلادنا مثالا يحتذى به في كيفية تدبير التعدد اللغوي».

وتأسف تكتل الأمازيغية عن غياب التواصل بشأن قضايا اللغة والثقافة الأمازيغية داخل أغلب الأحزاب، الشيء الذي كان له الوقع السلبي على التعامل مع الشأن الأمازيغي، مشيرا إلى أنه «باستثناء العمل التواصلي الذي قام به حزب التجمع الوطني للأحرار أفقيا وعموديا على مستوى تدبير حضور الأمازيغية في البرنامج الوطني والبرامج المحلية، فإن باقي الأحزاب تركت مسؤوليها يدبرون حضور الأمازيغية على مستوى دوائرهم وفقا لقناعاتهم»، يقول البيان، معتبرا أن «مشاركة العشرات من نشطاء الحركة الأمازيغية بألوان سياسية مختلفة، ساهم في دعم حضور الأمازيغية محليا بشكل غير مسبوق، وهو ما سيكون له الوقع الإيجابي على النقاش العمومي حول قضايا الأمازيغية مستقبلا».

عدي السباعي*: يجب فتح حوار وطني موسع لضمان الإدماج الإيجابي للأمازيغية بمختلف مناحي الحياة

 

 

* عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم حزب الحركة الشعبية

 

 

— ما هو منظوركم في حزب الحركة الشعبية للتأخر المسجل في ترسيم الأمازيغية؟

– فعلا ورش ترسيم الأمازيغية عرف ويعرف تأخرا كبيرا، منذ اعتماد دستور 2011، حيث تطلب الأمر خمس سنوات بعد الدسترة، لإصدار القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والذي أشرف على إخراجه الوزير  الحركي المكلف بالثقافة والاتصال آنذاك الأخ محمد الأعرج، وهو القانون الذي عرف نقاشا كبيرا، جراء استمرار بعض الأحزاب في تبني مواقف مناهضة للأمازيغية، وصناعة عراقيل ومبررات واهية للتماطل في إنصاف هذا المكون الأصيل في الهوية المغربية بوحدتها المتنوعة، وهي مواقف تعيدنا إلى التذكير بأن ثلاثة أحزاب فقط من بين الأحزاب الممثلة في البرلمان، هي من طالبت بترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور وفي صدارتها الحركة الشعبية، بينما باقي الأحزاب لم يتعد سقف مطالبها، مطلب الاعتراف بوطنية الأمازيغية في وطنها! أذكركم بهذا المعطى، لتفسير عمق الأسباب في التماطل والتسويف المصطنع لتنزيل الأحكام الدستورية ذات الصلة بالأمازيغية، والتي هي أكبر من مقتضيات الفصل الخامس، بل جعلها الدستور مقوما للشخصية المغربية وصحح المفهوم المغلوط لتاريخ المغرب، بل جعلها عنوانا للانتماء الجيوستراتيجي للمملكة، بعمقها الإفريقي وبعدها المتوسطي.

فالذي ناهض ترسيم الأمازيغية في الدستور لا يمكن أن يعول عليه لتسريع وتيرة ترسيمها، حتى وإن أظهر شكلا قناعات جديدة، نتمنى أن تكون صادقة وغير مرتبطة بحسابات انتخابوية وسياسوية.

 

— ولكن الحكومة الحالية أعلنت في وعودها الانتخابية وبرنامجها الحكومي عن تدابير ملموسة لتفعيل ترسيم الأمازيغية، بل أكدت ذلك في القانون المالي؟

– أولا، وبعيدا عن منطق الأغلبية والمعارضة الذي لا يحكم مواقفنا، خاصة في قضية وطنية من قبيل الأمازيغية، لابد أن أؤكد أنه لا يمكن لأحد أن يزايد على السبق الحركي في الدفاع عن مشروعية وحقوق الأمازيغية، منذ فجر الاستقلال وعبر محطات عديدة، بتفاعل دائم مع مختلف مكونات الحركة الأمازيغية. وجوابا عن سؤالكم، فعلا اطلعنا على وعود أحزاب الحكومة، والتي بالمناسبة ضمنها حزب واحد فقط هو من طالب في مذكرته لإصلاح الدستور بترسيم الأمازيغية، كما اطلعنا على ما جاء في تصريحها الحكومي وليس برنامجها بالمفهوم الدقيق، وعلى ما ورد في القانون المالي، إلا أننا فوجئنا بتراجع الحكومة عن التزاماتها الانتخابية المعلنة، حيث اكتفت بإدراج جملة غامضة حول الأمازيغية ضمن اختصاصات صندوق تحديث الإدارة باعتماد قدره 200 مليون درهم، وغيبت التزامها بإحداث صندوق للنهوض بالأمازيغية، كما جاء في تصريحها أمام البرلمان، رغم أن طموحنا هو أن تدمج الحكومة الأمازيغية في مختلف ميزانياتها القطاعية، بدل صندوق لا يرقى إلى سياسة عمومية. بل حتى عندما تقدم فريق الحركة الشعبية بمجلس المستشارين، بتعديل يقضي بإحداث هذا الصندوق الذي هو مبادرة حكومية في الأصل، واجهته الحكومة بأغلبيتها العددية الفاقدة لمضمون سياسي بالرفض، ومعها جزء من مكونات المعارضة.

في السياق نفسه، نسجل أن الحكومة أظهرت افتقارها إلى رؤية واضحة المعالم، لتفعيل هذا الترسيم المنشود، من خلال تجاهلها لإصدار المخططات القطاعية الملزمة لمختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، وفقا لأحكام المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 26/16. مع العلم أن وحدهما مجلس المستشارين، ووزارة التربية الوطنية في عهد الوزير الحركي سعيد أمزازي، هما من أعدا المخططات المذكورة والتي حدد القانون المشار إليه، نهاية مارس 2020 كسقف لصدور هذه المخططات.

لهذا فمع الأسف فالحكومة الحالية وبدل بلورة سياسة عمومية أمازيغية متكاملة، تكتفي بالمقاربة المالية والتقنية الضيقة لملف ذي حساسية سياسية واجتماعية وهوياتية كبرى، وهي منهجية غير ناجعة اعتمدتها في عدة ملفات وقضايا أخرى.

 

— إذن ماذا تقترحون للخروج من هذا النفق، وما هي القيمة المضافة للأمازيغية في علاقة بالنموذج التنموي؟

– أولا، ينبغي أن تراجع الحكومة انفرادها بالقرار في مثل هذه القضايا الحساسة، والتي لا تخول الأوزان الانتخابية العابرة إقصاء باقي المكونات، خاصة في ملفات من قبيل الأمازيغية التي من صلاحيات المجتمع بأكمله.

ثانيا: نعتبر أن المدخل الطبيعي لضمان الإدماج الإيجابي للأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة يتطلب حوارا وطنيا موسعا، كما يتطلب الأمر مراجعة تركيبة اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنزيل الترسيم، بتوسيع تركيبتها لتشمل المكونات الحزبية الموجودة بالبرلمان، وإدراج تمثيلية المجتمع المدني الأمازيغي.

ثالثا: نتطلع إلى التعجيل بإخراج المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إلى حيز الوجود، باعتباره مؤسسة دستورية منوط بها إبداء الرأي في السياسات اللغوية والثقافية، بدل بدعة الهيئات الاستشارية الوطنية والجهوية التي جاءت في الخطاب الانتخابي لبعض أحزاب الحكومة، وتكرر الحديث عنها في تصريح الحكومة، وهي هيئات لا سند دستوري ولا قانوني لها، والتي هي ربما وسائط انتخابية لاستمالة بعض الفاعليين الأمازيغيين.

رابعا: نؤكد على أن نجاح مسلسل الترسيم ينبغي أن يكون منطلقه، هو تعميم تدريس الأمازيغية والتدريس بها، علما أن الحكومة السابقة رفعت عدد مناصب أساتذة الأمازيغية إلى 400 منصب، وهو إنجاز يبقى محدودا. وينبغي على الحكومة الحالية رفع هذا العدد، بدل تسويق هذا الإنجاز الذي ليس ملكا لها. ولابد كذلك في اعتقادي من قلب الهرم، عبر تعميم الأمازيغية في الجامعة ومختلف معاهد التكوين، بالموازاة مع رهان التعميم في باقي أسلاك التعليم.

فالأمازيغية هي صلب المجتمع الديمقراطي والتنموي، وركيزة أساسية لنجاح النموذج التنموي الجديد، ودعامة للتنمية البشرية والمجالية، وليست مجرد حروف أو ثقافة للاستئناس.

 

— ما هي قراءتكم للنقاش الذي شهدته جلسة مجلس النواب أخيرا حول الأمازيغية؟

– مع الأسف ما وقع في جلسة مساءلة الحكومة، يوم الاثنين الماضي، يؤكد ما أشرت إليه حول غياب رؤية لدى الحكومة لحسم ملف الأمازيغية. ومؤسف حقا أن نسمع ونرى وزير وزعيم حزب يعيد عقارب النقاش حول الأمازيغية إلى الوراء، بافتعال نقاش سطحي حول اللهجات والخطاب المتجاوز حول القبلية والجهوية الضيقة، في مغرب دستوري جديد رسخ اللغة الأمازيغية الموحدة، وحسم في مقاربات إثنية ضيقة في مغرب الجهات، في إطار وحدة الوطن والتراب.

ثلاثة أسئلة

 

عبد الله بادو*

 

*باحث متخصص في الشأن الأمازيغي

 

 

«ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية يراوح مكانه منذ اعتماد دستور 2011»

 

1- ما تقييمكم لعشر سنوات بعد دسترة الأمازيغية؟

في إطار مواكبتنا لأعمال المؤسسة التشريعية والتنفيذية بخصوص تفعيل المقتضيات القانونية والدستورية الرامية إلى «ترسيم» اللغة الأمازيغية، يلاحظ أن الحكومات على اختلاف مرجعياتها مازالت بعيدة عن تحقيق الغاية الدستورية من ترسيم اللغة الأمازيغية ولا تزال متبنية لمقاربة تستبطن منطق الإقصاء والتمييز والتهميش ضد الأمازيغية. حيث يلاحظ استمرار نهج سياسات إقصائية وتمييزية بين مختلف مكونات الهوية المغربية، إذ ما تزال اللغة والثقافة الأمازيغية ضحيتها، والحكومة ما زالت تتماطل في بلورة سياسات عمومية ترسخ العدالة اللغوية وتكرس المساواة والإنصاف بين اللغات والثقافات المغربية؛ فتعثر ورش تفعيل القانون التنظيمي 16-26 الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، دون أن تكلف الحكومة الحالية نفسها عناء تقديم توضيحات بهذا الخصوص. كما أن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وهو مؤسسة دستورية مرجعية في مجال السياسات اللغوية والثقافية ببلادنا، لم ير النور إلى يومنا هذا، مما يسائل ضمائر كل المسؤولين عن درجة احترامهم للدستور وللهوية الوطنية والتزاماتهم الحقوقية.

في قراءة لكل المؤشرات الكمية والنوعية، فورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لازال يراوح مكانه منذ اعتماد دستور 2011، فما عدا إصدار القانون التنظيمي بعد مضي ما يزيد على ثماني سنوات من قرار دسترة اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد، لا شيء تحقق في كل المستويات وفي كل المجالات ذات الأولوية المعنية. كما أن القطاعات الحكومية الحالية لم تنشر بعد مخططات وبرامج عملها بخصوص تفعيل القانون 26.16، علما أن القانون التنظيمي 16-26 نشر في الجريدة الرسمية عدد 6816 بتاريخ 26 شتنبر 2019، وألزَم في مادته 32 القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيآت الدستورية بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، في الميادين المعنية وحدد أجالا لذلك. ولحدود الساعة الحكومة الحالية لم تخرج إلى الوجود برامجها ومخططاتها القطاعية كما أنها لم تعمل لا على تبني المخططات السابقة أو تحيينها، مما سيدخلنا في متاهة جديدة من أجل تحقيق ذلك وهي السياسة والمنهجية نفسها التي اعتمدتها سابقاتها.

 

2- هل بات تنزيل دسترة الأمازيغية أكثر إلحاحا في الفترة الراهنة؟

بالنظر إلى الوضعية المقلقة التي تعيشها اللغة والثقافة الأمازيغية والتي تحد من حيويتها في ظل غياب سياسة وطنية لحمايتها والنهوض بها باعتبارها لغة رسمية لفئة عريضة من سكان المغرب، إلى جانب التراجعات عن المكتسبات الهشة التي حققتها اللغة والثقافة الأمازيغية في مجالات كالتعليم والإعلام خلال العقدين الأخيرين، وللأسف بدل أن تتم رسملة وترصيد التجربة يتم وأدها باعتماد تدابير بيداغوجية وديداكتيكية تراجعية ستحد بشكل كبير من الكفايات التعليمية المستهدفة في مناهج تدريس اللغة الأمازيغية، إلى جانب عدم اعتماد المبادئ المؤطرة نفسها لإعداد البرامج والكتب المدرسية في باقي المواد المدرسة بالمدارس العمومية، حيث يتم احتكارها من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضدا على مبدأ التنافس الحر بين فرق التأليف التربوية. دون أن ننسى التذكير بالارتجالية التي تطبع طريقة تدبير اللغة الأمازيغية بجميع أكاديميات المملكة، من قبيل أن المنهاج الدراسي لا يخول للمتعلم التمكن من الكفايات الأساسية للقراءة والتواصل باللغة الأمازيغية شفهيا وكتابة، عشوائية إعداد خريطة توزيع الأساتذة، إسناد الأقسام وتوزيعها داخل المؤسسة نفسها، عدم التوفر على مفتشين/ات متخصصين/ات في تأطير ومراقبة تدريس اللغة الأمازيغية…الخ.

أما على مستوى الإعلام، فما زال المجال يخضع للعشوائية وغياب الرؤية الواضحة لتطويره، وتجويد خدماته وطنيا وجهويا. حيث مازالت التلفزة الأمازيغية والإذاعة الأمازيغية تعانيان من قلة الموارد البشرية والأرصدة المالية الكافية لتمويل إنتاج البرامج وإغناء الخزانة السمعية البصرية الأمازيغية بمنتوجات جديدة وذات جودة كما جاء في دفاتر التحملات التي، بدورها، في حاجة ماسة للمراجعة حتى تتلاءم مع الوضع الجديد للغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للبلاد، من أجل ضمان وضع يضمن لها حقها في المساواة والمناصفة في كل القنوات الإذاعية والتلفزية العمومية دون أي تمييز.

في ظل العشوائية التي تطبع السياسة اللغوية والثقافية ببلادنا، ونظرا لضعف تملكها لقيم ومبادئ التعدد والتنوع، فإننا اليوم في حاجة ماسة إلى ميثاق وطني للغات والثقافة يروم تحقيق عدالة لغوية معززة للتعدد اللغوي وحامية للتنوع الثقافي، بما يضمن الشروط الضرورية لحيوية اللغتين الرسميتين للبلاد، ويعزز تدريجيا وظائف اللغة الأمازيغية والارتقاء بها لتقوم بوظائفها كاملة كلغة رسمية للبلاد؛ كما أننا في حاجة إلى قانون يجرم المس بأحد مكونات الثقافة واللغات المغربية باعتبارها مواقف عنصرية وتمييزية مرفوضة تجب مناهضتها واستئصالها من المجتمع المغربي.

 

3- في تقديركم، ما المعيقات التي حالت دون تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية؟

يوما بعد يوم يتأكد لنا وبجلاء عدم الاهتمام بتطوير اللغة والثقافة الأمازيغية ولا حمايتها ولا النهوض بها، كما أنه لا يتم إدراجها ضمن أولويات المرحلة في الوقت الحاضر ولا في المدى المتوسط على الأقل، وإلا فكيف يمكن لنا تفسير التعثر الحاصل في تنزيل وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وعدم إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، رغم أهميته الاستراتيجية في إرساء سياسة لغوية وثقافية قائمة على التعدد والتنوع باعتباره مؤسسة دستورية مرجعية في الشأن اللغوي والثقافي؟ إن سياسة تدبير ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية تكشف لنا أننا أمام مناورة جماعية كبيرة، ساهمت فيها جميع الأحزاب دون استثناء، وإن بدرجات متفاوتة، لامتصاص غضب الشارع المغربي خلال فبراير 2011، والآن يمكن القول إن كل الأقنعة سقطت وانكشفت ولم يعد لها ما يبرر أي تماطل يطول الملف، وإلا فهي فقط كانت تقامر وتساوم بملف الأمازيغية خلال الولايتين الأخيرتين للحكومة المغربية، بدعوى أن الحزب الحاكم هو من كان يعرقل تقدم الملف. علما أننا لا ننتظر الشيء الكثير من التركيبة الثلاثية الحالية للحكومة نظرا لأنها لم تدرج الأمازيغية ضمن أولويات برنامجها الحكومي، حيث اكتفت فقط بتخصيص صندوق هزيل لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، دون أن تكلف نفسها عناء شرح كيفيات ومجالات الصرف ولا الخطوط العريضة لبرنامجها الحكومي، وهو أحد الالتزامين اللذين تضمنهما البرنامج الانتخابي لحزب الأحرار لتشريعيات 2021 إلى جانب خلق لجن استشارية بين وزارية مركزيا وجهويا. ولعل ما يفصح عن الضبابية وعدم وضوح الرؤية أن الحكومة الحالية، وبعد مضي ما يزيد على ثلاثة أشهر على تنصيبها بقيادة الأحرار، مازال الوضع مبهما ولم تفصح الحكومة عن رؤيتها ولا مخططها الحكومي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، كما أنها لم تصدر أي موقف بخصوص المخطط الذي أعدته حكومة العثماني في آخر أيامها، كما أنها، لحدود الساعة، لم تعمل على إشراك فعاليات المجتمع المدني النشيط في مجال الدفاع والترافع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية على مدى عقود.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى