محمد اليوبي
صادق مجلس النواب، في جلسة عمومية عقدها أول أمس الأربعاء، بالأغلبية، على مشروع قانون المالية رقم 55.23 للسنة المالية 2024، وحظي مشروع القانون بتأييد 180 نائبا ومعارضة 53 آخرين فيما امتنع نائب برلماني واحد عن التصويت، وهي الصيغة نفسها التي اعتمد بها المجلس، قبيل ذلك، الجزء الثاني من مشروع القانون المالي.
وكشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن معطيات صادمة بخصوص صرف نفقات صندوق المقاصة، وأكد أن الأغنياء هم المستفيدون الأولون من هذا الصندوق، موضحا أن نفقات هذا الأخير بلغت منذ سنة 2015، وهي سنة تحرير أسعار المحروقات، ما مجموعه 175 مليار درهم، مبرزا أن الفقراء الذين خلق من أجلهم صندوق المقاصة استفادوا فقط بنسبة 20 في المائة من هذه النفقات، فيما استفاد الأغنياء من ثلثي النفقات المخصصة للصندوق.
وقال لقجع «رفضنا صرف المليارات باسم الفقراء دون أن تستفيد هذه الفئة»، وبخصوص رفع الدعم عن غاز البوتان، أوضح لقجع أن الحكومة لن تحذف دعم المقاصة عن المواد المدعمة، لكن ستعمل على تسقيف الأسعار في نهاية الولاية، وذلك بعد زيادة تدريجية في الأسعار، ومقابل ذلك سيستفيد المواطنون من دعم مباشر يساوي أضعافا مضاعفة تكلفة هذه الزيادات التي ستكون محدودة، حسب الوزير، مؤكدا أن الحكومة لن تمس القدرة الشرائية للمواطنين، ونفى وجود أي زيادات في الماء والكهرباء والزبدة والشاي وغيرها من المواد الاستهلاكية، وقال «لا يمكن أن نستمر في دعم قنينات الغاز التي يستفيد منها الأغنياء»، موضحا أنه «مقابل قنينة واحدة يستهلكها مواطن فقير شهريا، يستفيد مواطن غني من ست قنينات مدعمة شهريا».
وأضاف لقجع، أن المعطيات التي على أساسها تم إعداد مشروع قانون المالية وبلورة إجراءات اجتماعية، مرتبطة بما بعد جائحة كورونا وتأثيرات الحرب الجيوسياسية على التضخم في العالم، بالإضافة إلى توالي سنوات الجفاف في المغرب وتداعيات زلزال الحوز، موضحا بهذا الخصوص أن «6000 أسرة توصلت بتسبيق 20 ألف درهم لإعادة بناء منازلها التي تعرضت كليا أو جزئيا للضرر». وأشار الوزير إلى أن «الاختيار الملكي الذي امتد لعقدين، تفاعل فيه ما هو اقتصادي مع ما هو اجتماعي، وعلى أساسه تم إعلان برنامج الحماية الاجتماعية، الذي التزمت الحكومة بتنفيذه».
وبخصوص الحوار الاجتماعي، أوضح الوزير أن إعادة ثقافة هذا الحوار ومأسسته «كانت أمرا غير هين»، مشيرا إلى أن الحكومة اختارت إيلاء الأولوية للقطاعات الأساسية التي تنسجم مع البرنامج الحكومي وهي القطاعات الاجتماعية مع الاهتمام بالموارد البشرية، وهو الأمر الذي هم رجال ونساء قطاع الصحة وكذلك التعليم العالي وقطاع التربية والتكوين.
وأكد أن المحطة الأخيرة للحوار الاجتماعي، وكما ورد في التزام رئيس الحكومة أمام المركزيات النقابية، «ستعرف فتح حوار قبل نهاية السنة يصل إلى صيغته النهائية قبل شهر مارس ليدخل حيز التنفيذ في السنوات المقبلة».
ولفت الوزير إلى أن هذا الحوار سيشمل جميع الموظفين، كما سيشمل إعادة هيكلة جدول الضريبة على الدخل لتحسين دخل الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والطبقات المتوسطة، منوها إلى أن تكلفة الحوار الاجتماعي الحالي تبلغ 14 مليار درهم.
وبخصوص دعم السكن، أكد المسؤول الحكومي أن «المقاربة الاجتماعية التي يرعاها الملك محمد السادس وتنفذها الحكومة لتطوير البناء الاجتماعي للمجتمع المغربي، ارتكزت على الدعم المباشر، والذي سيتطلب تكلفة 9,5 مليارات درهم سنويا»، مضيفا أنه «يجب على الحكومة تخصيص هذا المبلغ سنويا، وإذا أضفنا إلى ذلك دخول الدعم المالي المباشر حيز التطبيق انطلاقا من شهر دجنبر والذي سيكلف في سنته الأولى 25 مليار درهم، سنكون قد تجاوزنا 50 مليار درهم».
وفي ما يتعلق بالإجراءات الضريبية التي تضمنها قانون المالية، سجل الوزير، في معرض تفاعله مع تدخلات الفرق والمجموعة البرلمانية، أن الإصلاح الضريبي الذي باشرته الحكومة يروم توسيع الوعاء الضريبي ومحاربة الغش والتهرب الضريبي.
من جهتها، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 يرتكز على تعزيز استدامة المالية العمومية كشرط أساسي لمواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية وتكريس الدولة الاجتماعية، وأوضحت فتاح، في معرض جوابها على ملاحظات وتساؤلات النواب البرلمانيين بشأن مضامين مشروع قانون المالية خلال جلسة عامة عقدها المجلس، أن الحكومة ستعكف على التقليص التدريجي لعجز الميزانية، «مما سيمكن من وضع المالية العمومية في منحى تنازلي لمستوى المديونية، وتعزيز التوازن المالي».
وسجلت المسؤولة الحكومية أنه «رغم ثقل الإكراهات الخارجية المتمثلة في وضعية اللايقين»، نجحت الحكومة في بلوغ ثلاثة أهداف أساسية وتتعلق بتوفير الاعتمادات المالية الضرورية من أجل تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، واعتماد الشفافية والوضوح فيما يتعلق بإصلاح صندوق المقاصة، بالإضافة إلى التحكم المتواصل في الإطار الماكرو اقتصادي، معتبرة أن هذا الإنجاز «يشكل ضمانة استراتيجية لاستدامة المالية العمومية لبلادنا».
وأشارت الوزيرة إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 حمل مجموعة من التدابير الأساسية منها، خصوصا إعادة انتشار الاعتمادات المالية التي كانت مخصصة لبعض البرامج والخدمات الاجتماعية المعمول بها، لا سيما برنامج «تيسير» و«مليون محفظة» و«برنامج دعم الأرامل» و«صندوق التكافل العائلي»، وسجلت أن الموارد المتأتية من هذه التدابير سيتم تخصيصها لفائدة «صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي»، المتعلق بتمويل الحماية الاجتماعية، مبرزة أن «مشروع قانون المالية لسنة 2024 خصص اعتمادات مالية قدرها 25 مليار درهم بارتفاع قياسي قدره 15 مليار درهم مقارنة مع سنة 2023، علما أن تكلفة هذا الورش ستصل إلى 29 مليار درهم سنويا ابتداء من 2026».