حسن البصري
كشفت عمدة مدينة الرباط عن ارتفاع منسوب الموظفين الأشباح في العاصمة، وحذرت من مخاطر تجاوزت مستوى اللون البرتقالي بسبب انتشار وباء الشبحية، الذي وصل رقما مفزعا حين تجاوز ألفين وأربع مئة موظف شبح.
علاقة هؤلاء الأشباح بالجماعات الترابية لا تتجاوز تحويل الراتب، أما الراسخون في الشبحية فيهتمون بالترقية الداخلية وينظمون سرا وقفات احتجاجية ومنهم من يشارك في الحوار الاجتماعي مع العمدة.
حين تحركت بركة المال السائب تدخل والي جهة الرباط، وتم فتح تحقيق في القضية بينما تصالح كثير من الأشباح مع مكاتبهم بالرغم من بطء أدائهم بسبب غياب التنافسية.
في الشأن الجماعي والسياسة العمومية أيضا، إذا اشتكى عمدة من ظاهرة تداعى له سائر العمداء بالسهر، لذا تحركت الهواتف بين المسؤولين وأصدقائهم الأشباح يدعونهم للعودة إلى كراسيهم إلى أن تعبر العاصفة.
من المفارقات العجيبة أن يتزامن سجال الموظفين الأشباح مع قرار محرك البحث «غوغل» بوضع صورة لطبيبة لبنانية تعد مثالا في التضحية والوفاء المهني، حين فتحت عيادة في دار للأيتام وأعفت المرضى الفقراء من أداء واجب الفحوصات الطبية، وكلما أغلقت عيادتها وتوجهت إلى الخيرية لاستكمال رسالتها، بمساعدة من زوجها الصحافي النقاش (ليس لاعب الوداد طبعا).
لكن ما الفرق بين أشباح الوظيفة العمومية وأشباح الملاعب الرياضية؟ يبدو أن الفئة الأولى تضع معاطفها على كراسي المكاتب لتوهم الناس بحضور وهمي. أما أشباح الرياضة فلا يتركون بذلهم في الملاعب ومقرات عملهم بل يكتفون بصورهم.
عندما يقترب مسؤول من معترك الأشباح ويعلن دخول المعركة، سرعان ما يغير رأيه ويجنح إلى السلم في معالجة الظاهرة. فقد أعلن محمد أوزين مباشرة بعد تعيينه وزيرا للرياضة، استعداده لمواجهة أشباح من صنف خمسة نجوم، ودعا لاجتماع طارئ مع الأبطال العالميين الذين لا يربطهم بالوزارة إلا الراتب، لكنه فوجئ بغياب هشام الكروج ومن معه عن الاجتماع، وتبين أنه في مواجهة موظفين لا يكلفون أنفسهم عناء الرد على دعوة الوزير.
فشل أوزين في إعادة الأبطال الأشباح إلى مكاتبهم، فسكت عن الكلام المباح، وحين جاء خلفه السكوري أعلن الهدنة مع عدائين يملكون قدرة فائقة على القفز فوق الحواجز الإدارية، واكتفى بأشباح درجة ثانية لا غطاء لهم ضد غارات الوزير.
ومن المفارقات الغريبة أن يتولى وزارة الوظيفة العمومية وزير اسمه عبد العظيم الكروج، وقف بدوره عاجزا عن مكافحة الشبحية وتخليق الإدارة العمومية، وانتهى به المطاف مقالا بسبب فضيحة الشوكولاتة.
في ملاعب الكرة هناك مسيرون أشباح لا يهشون ولا ينشون، يكتفون بالجلوس في المقصورة الشرفية والتصفيق في الجموع العامة، وهناك أيضا لاعبون أشباح متعاقدون مع أنديتهم لا يجدون موقع قدم في فرقهم، وحين يلعنون الشيطان الرجيم ويقررون الحضور يرافقهم أعوان قضائيون يسجلون في محاضر رسمية كيف تكبد اللاعب عناء التنقل للملعب.
في كل جامعة رياضية موظف شبح يحمل قناع مستشار الرئيس، يملك هاتفا نقالا يغني عن الحضور، ويتقاضى في نهاية كل شهر ما يخصص لعشرات الموظفين النجباء الذين يسجلون أسماءهم في أوراق الحضور والانصراف.
القاسم المشترك بين كبار الأشباح هو رنات هواتفهم، التي تحمل أدعية الرزق الحلال، وكثير منهم يكتبون في الزجاج الخلفي لسياراتهم عبارة «هذا من فضل ربي»، ويصطفون في الصفوف الأولى للاحتجاج إذا تأخرت ترقية عن موعدها.
في منظومة الكرة مال سائب، وجيش يتعاطى الشبحية الراقية في الشارع العام، ومسؤولون يسوقون أشباحهم حيثما شاؤوا، وهناك فصيلة من المسيرين تبتكر أشباحها.
اليوم نحن في حاجة لرقم أخضر من أجل رصد الأشباح، وإحداث خلايا للتبليغ عن هواة الغياب المزمن، الذين يرفعون اليوم شعار: «شبح وأفتخر».