يعزف منظمو الوقفات الاحتجاجية على وتر الحس الكروي. في وقفة بساحة الماريشال بالدار البيضاء، تنديدا بارتفاع الأسعار، استعان القائمون على التجمع الاحتجاجي بأغاني مدرجات الملاعب، فما أن ردد ثلة من القياديين أغنية «في بلادي ظلموني» التي تدخل الرجاويين في ما يشبه الجذبة، حتى أصر وداديون قادتهم أقدامهم إلى ساحة الاحتجاج على جعل أغنية «قلب حزين» أنشودة تلك الليلة الباردة، حتى كاد الحاضرون يعتقدون أن الوقفة مسابقة بين الرجاويين والوداديين وليست وقفة احتجاجية ضد غلاء الأسعار.
أنقذ شعراء وملحنو وكورال الإلتراس الرياضي منظمي الوقفات، لأن مضامين أغانيهم قابلة للانسجام مع كل مقام، ولأن غالبية الشباب يحفظونها عن ظهر قلب وعقل، خاصة بعد أن تقادمت الشعارات النقابية التي كانت تمجد الزعماء على وزن «يا رفيق ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح».
بين إضراب اللاعبين وإضراب الشغيلة مسافة طويلة، فاحتجاج عشيرة الكرة لا يتجاوز وقفة عصيان في حصة تدريبية، ولا يصل، مهما كانت الظروف، إلى حد الاحتجاج على غلاء الأسعار ولا يعفي من الكلام أو الطعام، بل إن نقابي الكرة لا علاقة له بالنضال ولا صلة تربطه بهموم الشارع وانشغالاته، رغم أن الوعود الجوفاء للاعب تجعله في ورطة فلا يعلم أهو الرأس أم ذيل الشهر.
لكن جمهور الكرة لا ينشغل بغلاء أسعار تذاكر المباريات، لا يهمه تحرك المضاربين ولا تغضبه قفزات أسعار التذاكر في «المارشي نوار» إلى أضعاف الأسعار الرسمية، ولأن للكرة جاذبيتها القوية، فإن جمعيات حماية المستهلكين وهيئات مراقبي الأثمان ولجان المراقبة تبتلع ألسنتها ويجف حبر كاتب بياناتها، وتصنف السوق السوداء في خانة القطاعات غير المهيكلة المدرة للرزق.
قيل، والعهدة على بائع تذاكر في السوق السوداء، إن رئيس فرع لجمعية حماية المستهلك يشتري تذكرة لابنه من «المارشي نوار»، ويجد أكثر من مبرر لقبول التسوق من هذا الفضاء، إلى أن أضحى زبونا كامل الأوصاف شرطه الوحيد ألا يكون في التذاكر مس من التزوير.
في كرة القدم وحدها، المشجع يعي حجم المسؤولية الملقاة على المسؤول، لأنه لا يوجد رئيس فريق لا يردد قبل كل مباراة أنا خادم النادي، وباسم التضامن يقبل المشجع شراء تذكرة بأضعاف ثمنها.
حين قال مدرب المنتخب الوطني، وليد الركراكي، إن الكرة تعزز مفهوم العائلة وتقود إلى النجاح، وجد في المدربين والسماسرة سندا له، فنشروا دعوته وأقنعوا الآباء والأمهات والمدرسين بتبنيها، فرسخوا في أذهان النشء صورة لعبة تقطر مالا، ورسموا في مخيلتهم ملامح منظومة تعليمية خصوصية مكلفة لا تفتح أبوابها إلا لمن استطاع إليها سبيلا.
بعد المونديال ارتفعت أسعار ولوج مدارس الكرة، وصلت إلى مليون سنتيم كاشتراك سنوي، مع تحمل الصائر. اقتطع الآباء هذا المبلغ من قفة معيشهم، وقدموا تنازلات حين يعانق أبناؤهم الكرة ويصرفون النظر عن واجباتهم المدرسية.
المظهر المشرف للمنتخب المغربي في مونديال قطر جعلنا نعيد النظر في مضامين سطور التقرير التنموي، حين ربط الرياضة بالتربية، فتبين أن القران بينهما مسألة وقت، وأن تعيين بن موسى سيضعه أمام امتحان تنزيل ما أوصى به فريق عمله. صحيح أن بن موسى لا يملك عصا موسى، لكنه مطالب اليوم بإخضاع توصياته لتعديلات اضطرارية.
في عالم الكرة، الأسعار مجرد إجراء شكلي، ومجلس المنافسة ممنوع من ولوج ملاعب الكرة واستنطاق باعة التذاكر والأكلات السريعة وشعارات الفرق. والمضاربة في أسعار بيع اللاعبين مباحة بقرار من الفيفا، والوسطاء مرخص لهم بالبيع والشراء بما اشتهت نفوسهم من أثمان، شريطة احترام توقيت افتتاح وإغلاق سوق الانتقالات.
كرة القدم استثناء في الفرح والألم، جمهورها يقول: «هاتوا الفرجة وخذوا المال»، لأن الجنة في عالم الكرة تحت أقدام اللاعبين.
حسن البصري