إعداد: يوسف أبوالعدل
مازال الدوري الوطني لكرة القدم، رغم دخوله عاشر مواسمه الاحترافية، لم ينعم بعد بالاستقرار المالي لمختلف أنديته، إذ لا يخلو موسم رياضي أو بالأحرى سوق انتقالات، صيفية أو شتوية، من تصدير شعار الأزمة المالية التي تتخبط فيها مجمل الفرق الستة عشر المنضوية تحت لواء العصبة الاحترافية، مع اختلاف حجم الأزمة بين الأندية الكبرى، المتوسطة والصغيرة، وذلك عبر تدبير يختلف بين العقلاني والمؤسساتي، الأمر الذي يزج بفرق، رغم تاريخها العريق، في نفق الأندية الأكثر تضررا ماليا.
مع اقتراب نهاية الانتقالات الشتوية، التي انطلقت في الخامس عشر من يناير الجاري وتمتد إلى نهاية الشهر نفسه، تعيد «الأخبار» قراءتها في أزمة الأندية الوطنية المالية وكيفية سقوط غالبيتها في المحظور، مع الوقوف على سر نجاح قلة منها في الخروج من عنق زجاجة المشاكل بفضل تدبير عقلاني قادها نحو الاستقرار.
40 مليارا.. ديون الأندية
عاد رقم أربعين مليار سنتيم للتداول مجددا خلال سوق الانتقالات الشتوية الحالية، حيث أكدت العصبة الاحترافية لكرة القدم الوطنية أن الرقم المالي الذي شكل ديونا للأندية الوطنية في سوق الانتقالات الصيفية الماضية، حافظ على مكانته خلال «الميركاتو» الشتوي الجاري، ما يجعل العديد من الأندية تعاني في صمت ولا تتوفر على الشروط لدخول سوق الانتقالات الشتوية، وذلك بعدما فرضت العصبة الاحترافية قانونا زجريا يمنع منعا كليا أي فريق من دخول سوق الانتقالات في حال لم يقم تسوية جميع ملفاته العالقة التي أصدرت الهيئات القضائية الرياضية، المحلية أو الدولية، قرارها النهائي بشأنها، والتي تهم مستحقات الدائنين، من لاعبين ومدربين وشركات أيضا.
الرجاء والوداد.. الصدارة في الألقاب والأزمات
تصدر الرجاء والوداد الرياضيان قائمة الأندية الأكثر تضررا من أزمتها المالية رغم أنهما يتسيدان الفرق المغربية الأكثر مدخولا وألقابا، غير أن الناديين لم ينجوا من الأزمة التي عمرت كثيرا في قلعتيهما، خاصة خلال السنين الأخيرة.
وساعدت الانتدابات العشوائية والارتفاع الصاروخي لقيمة منح اللاعبين في سقوط الوداد والرجاء في أزمة مالية حادة وخانقة، سيما أن الأرقام أكدت أن الفريقين عقدا أكثر من 180 انتدابا خلال السنوات الخمس الماضية، إذ وصل عدد تعاقدات الوداد 92 والرجاء 85، ما يظهر حجم سوء التدبير الذي يعيشه الناديان في إدارتهما التقنية، خاصة أن الدراسة نفسها أكدت أن نصف هذا الرقم من اللاعبين فقط هو الذي استفادا منه على المستوى الكروي بشكل جيد خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ورغم أن الوداد نجح في رفع قرار المنع بمجهودات فردية من مسيريه الذين ما زالوا يبحثون عن صناعة أسمائهم داخل النادي الأحمر في انتظار مداخيل كأس العالم للأندية الصيف المقبل بالولايات المتحدة الأمريكية، التي يشارك فيها أشبال المدرب رولي ماكوينا، فالغريم الأخضر يبدو عاجزا عن تجاوز أزمته على الأقل خلال سوق الانتقالات الشتوية التي تتجاوز المليار ونصف مليار سنتيم، إذ من المستبعد جدا أن يرفع الرئيس عادل هالا قرار المنع قبل رحيله عن كرسي الرئاسة أياما بعد إغلاق «الميركاتو».
بركان والجيش.. الاستثناء
ارتفع النقاش الرياضي أخيرا حول مصدر مداخيل فريقي الجيش الملكي والنهضة البركانية، بحكم جلبهما لأجود اللاعبين في السنتين الأخيريتين ومنافستهما على الألقاب الوطنية والقارية دون مشاكل إدارية وتسييرية ومالية تذكر، ما وضع العصبة الاحترافية في موقف حرج للإجابة عن تساؤلات الجمهور الرياضي الذي طالب بأجوبة تشفي غليله وتهدي من روع منافسي الناديين.
وأكد عبد السلام بلقشور، رئيس العصبة الاحترافية، في خرجة إعلامية، أن ميزانية الرجاء والوداد تفوق ميزانية النهضة البركانية والجيش الملكي، لكن السياسة الكروية والإدارية والمالية لهذين الناديين تتفوق على فرق الدار البيضاء، بحكم حسن التدبير والحكامة في العقود والأجور والمنح السنوية، بالإضافة إلى الوفاء بالوعود في وقتها دون تأخر يذكر.
وأوضح بلقشور أن الحكامة وحسن التدبير يعكسهما واقع حال الأندية ليس الجيش الملكي والنهضة البركانية فقط، بل أيضا الفتح الرياضي واتحاد تواركة، ما يجعل هذه الأندية تنعم بالاستقرار والهدوء والتركيز على مشاريعها الرياضية، معطيا مثال النهضة البركانية الذي أكد أن ميزانيته السنوية لا تتجاوز خمسة مليارات سنتيم وأن تعاقداته، خلال المواسم الخمسة الأخيرة، لم تتجاوز 45 تعاقدا، عكس تعاقدات فرق الدار البيضاء التي فاقتها بالضعف وبأرقام مالية مهمة في صفقات عدة.
وعن مصادر دخل النهضة البركانية، قال بلقشور إن المشاركة المنتظمة للفريق البرتقالي في كأس «الكونفدرالية» الإفريقية تمكنه من مداخيل تتراوح بين مليار ونصف مليار سنتيم سنويا، إضافة إلى منح ترتيب البطولة وكأس العرش، فضلا عن دعم مستشهرين محليين ومنح المجالس المحلية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ما يجعل النادي بفضل حسن تدبيره يتجاوز مشكل المنع والسقوط في المحظور عند كل «ميركاتو» شتوي أو صيفي، وهو الأمر نفسه بالنسبة لفريق الجيش الملكي عكس فرق الدار البيضاء المتخبطة في سوء التعاقدات مع كثرة عددها لتصبح عائقا ماليا على الفريق وعلى أي رئيس يتم انتخابه لرئاسة الناديين.
وفند بلقشور استفادة الفريقين البركاني والعسكري من المال العام أو من مؤسسات الدولة دون غيرهما، ضاربا المثال بفريق النهضة البركانية الذي تعتمد إشهاراته على العديد من الشركات الكبرى الخاصة لرجالات المدينة المنتشرين في كل ربوع المغرب.
باقي الفرق.. لا مال لا تعاقدات
أكدت العديد من الأندية المنتمية للقسم الوطني الاحترافي الأول لكرة القدم بصراحة، أمام وسائل الإعلام وجماهيرها، أنها لن تدخل سوق الانتقالات الشتوية الحالية، لا من قريب أو بعيد، بسبب قرار المنع المفروض عليها والأزمة المالية الخانقة التي تتخبط فيها، وهو ما أعلن عنه فريق حسنية أكادير، وتسير فيه كل من أندية شباب المحمدية والرجاء الرياضي، والدفاع الحسني الجديدي والمغرب التطواني، التي تصارع لرفع المنع، لكن ما باليد حيلة وليس في خزينة الفرق أموال لدخول «الميركاتو»، حسب مسؤوليها.
ورغم محاولات العصبة الاحترافية تقديم مساعدات وحلول لهذه الأندية، إلا أن الأرقام المالية المرتفعة والنزاعات المتراكمة في ردهات العصبة والجامعة و«الفيفا» أيضا تجعلها عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكلها، رغم المساعدات المتفاوتة من هنا وهناك لمجالس الجماعة والجهة والمستشهرين، والتي لا تغني ولا تسمن من جوع لرفع المنع المفروض عليها.
إغلاق الملاعب.. مسمار في نعش الأندية
عند فرحة المغاربة باحتضان المملكة لكأس إفريقيا للأمم سنة 2025 وكأس العالم 2030، كان مسؤولو الأندية التي ستستضيف ملاعبها المسابقتين يبكون حظهم العاثر من مغبة إغلاق ملاعب مدنها للإصلاح تحضيرا للرهانين.
فالمركب الرياضي محمد الخامس، الذي كان مقر قطبي الرجاء والوداد لهزم خصومهما كرويا واستفادة ميزانيتيهما أسبوعيا من ملايين السنتيمات بفضل مداخيل مناصريهما في كل مباراة محلية وقارية، تم إغلاقه منذ أكثر من سنة وهو الأمر نفسه بالنسبة لملعب فاس الكبير، معقل «الماص»، و«أدرار» معقل الحسنية وابن بطوطة، مقر اتحاد طنجة والأمير مولاي عبد الله بالعاصمة الرباط وهو ملعب الجيش والفتح، دون الحديث عن الافتتاح المتأخر للملعب الشرفي بمكناس وسانية الرمل بتطوان وملعب أحمد شكري لنهضة زمامرة، وعدم وجود مقر رسمي لفريق شباب الرياضي السالمي. وهي كلها معيقات ساعدت في تفاقم الأزمة المالية لأندية القسم الوطني الأول، والتي تعتبر جمهورها «راس مالها» قبل أن تفتقده خلال السنة ونصف الماضية والأمور ما زالت لا تبشر بالخير، على الأقل إلى حدود انطلاقة كأس أمم إفريقيا التي ستفتتح شهر دجنبر المقبل.
الشركات الرياضية.. هل هي الحل؟
مع كل أزمة مالية ورياضية تعيشها الأندية الوطنية مع انطلاقة كل موسم رياضي، وفي كل «ميركاتو» شتوي أو صيفي، يعود موضوع الشركات الرياضية للتداول والانتشار باعتباره الحل الوحيد والأوحد لحل الأزمة، رغم المشاكل والمطبات التي وجدتها الجامعة والوزارة الوصية في تأهيل هذا القطاع للعديد من الصعوبات التي جعلتها تغير من نظامها الأساسي ليتجاوب مع نظام الجمعيات الذي بات قطاعا متجاوزا وأكل عليه الدهر وشرب.
عدد من الشركات الخاصة أبدت رغبتها في دخول السوق الكروية المغربية، لكن انتظارها تفعيل قانون الشركات الرياضية بشكل فعلي وبسند قانوني يجعلها تتريث في هذا الولوج، وهو الأمر نفسه لشركات أجنبية عاينت الوضع من بعيد لخلو السوق الكروية المغربية من تأمينات على أموالها، قبل أن تهرب بجلدها نحو وجهات وبطولات أخرى في انتظار تأهيل وتأمين القطاع.