الأخ مبرونشي؟
ينهى الله تعالى عن الكذب، لكن السيد حامي الدين يصر على اقتراف هذا الذنب عوض التحلي بفضيلة الاعتذار عند الخطأ. فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
عندما نشرنا خبر إرسال المنسق العام للحوار الوطني، السيد عبد العالي حامي الدين، لرسالة إلى المستشارة السياسية في السفارة البريطانية مرفقة بملخص عن التقرير الخاص بنتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني، لم نكذب على قرائنا كما أراد حامي الدين أن يظهر للرأي العام في أحد المواقع المشبوهة. بل إننا نشرنا خبرا مؤكدا نحتفظ بأدلته.
وإذا كان السيد المنسق العام للحوار الوطني متأكدا من أننا كذبنا عليه فما عليه سوى أن ينفذ تهديده ويلجأ إلى القضاء ضدنا لكي يثبت براءته. حينها سنكون مستعدين للإدلاء أمام المحكمة بما يؤكد الخبر الذي نشرناه، أي مراسلة حامي الدين للمستشارة السياسية للسفارة البريطانية ومدها بملخص التقرير.
وإذا كان عبد العالي حامي الدين واضحا في تكذيبه لما نشرناه، فإن اللجنة الوطنية للحوار الوطني أرادت في بيانها أن تقولنا ما لم نقله. فهي تتحدث عن نشر صحف ومواقع لخبر توصل منظمة بريطانية أو السفارة البريطانية في الرباط بالتوصيات النهائية للجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني، والحال أننا لم نتحدث عن توصيات نهائية وإنما تحدثنا في خبرنا عن ملخص لهذه التوصيات.
وتضيف اللجنة في بلاغها أن «الوثائق المتداولة لدى البعض، بما فيها ملخص التقرير العام، هي عبارة عن أرضيات المشاريع التي عرضت خلال المناظرة الوطنية التي نظمت يومي 21 و22 مارس بالرباط وتم توزيعها على المشاركين، بمن فيهم بعض التمثيليات الأجنبية».
يا سيدي نحن لا نريد أن نعرف هل تم توزيع ملخص التقرير العام على المشاركين وبعض التمثيليات الأجنبية، كل ما نريد أن نعرفه هو هل أرسل حامي الدين منسق اللجنة ملخص التقرير إلى المستشارة السياسية للسفارة البريطانية. هو يقول لا ونحن نقول إنه أرسله، ولدينا الدليل المادي على ذلك، ولو كانت له الجرأة لكي يتوجه إلى القضاء فسنكون مجبرين على الإدلاء بما بحوزتنا للمحكمة، وآنذاك سيكتشف الجميع، بمن فيهم أعضاء اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي، أن منسقهم كذب عليهم وكذب على دافعي الضرائب الذين مولوا هذا الحوار من جيوبهم بأكثر من 560 مليون، وهو المبلغ الذي مازلنا إلى اليوم نطالب الوزير الشوباني بنشر لائحة تحدد بالتدقيق أوجه صرفه.
لكن الوزير عوض أن ينشر هذه اللائحة فضل أن يجمع «أعمدته» التي كان ينشرها تحت اسم «أغراس أغراس» وينشرها في كتاب. «أغراس ديال بصح هيا تشرح لينا فين مشات 560 مليون».
والغريب في بلاغ اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي هو أنها اعتبرت الخبر الذي نشرناه خبرا «عاريا» من الصحة، دون أن تقوم بفتح تحقيق حوله، واعتبرت أن الهدف من نشره هو التشويش على الحوار الاجتماعي والتأثير على مصداقيته.
والواقع أننا ما كنا لنعطي هذا الخبر أهمية لولا أن السيد عبد العالي حامي الدين راسل المستشارة السياسية في السفارة البريطانية بصفته كمنسق عام للحوار الاجتماعي.
فلو أنه راسلها بصفته كأستاذ جامعي لاعتبرنا ذلك يدخل في إطار «تبادل التحاليل والأفكار» التي تعود عليها بعض الأساتذة الجامعيين والمثقفين وحتى بعض الصحافيين مع ممثلي البعثات الدبلوماسية بالمغرب، مقابل دعوات للعشاء بمناسبة الأعياد الوطنية لهذه الدول، أو طمعا في تأشيرات سفر لهم ولعائلاتهم.
غير أن السيد حامي الدين راسل المستشارة السياسية البريطانية بصفته منسقا في لجنة حكومية صرفت لها الوزارة ميزانية من المال العام، وبالتالي فدورنا كصحافيين هو مراقبة أوجه صرف هذه الميزانية وكيفية اشتغال أعضاء ومنسق هذه اللجنة الذين يتقاضون تعويضات نظير العمل الذي يقومون به من أموال دافعي الضرائب.
إن خطورة الفعل الذي قام به عبد العالي حامي الدين، منسق اللجنة، لا يكمن في أنه أرسل تقريرا أو ملخص تقرير لعمل حكومي لمستشارة سياسية في سفارة دولة أجنبية، بل إن خطورة ما قام به تكمن في الفعل في حد ذاته.
لأن السيد عبد العالي حامي الدين ليس من حقه أن يستغل صفته كمنسق للجنة الحوار الاجتماعي، وهي لجنة عينها وزير في الحكومة، لكي يراسل مستشارة سياسية في سفارة دولة أجنبية لكي يمدها بملخص تقرير عن عمل اللجنة التي يشغل فيها منصب المنسق.
ولأن حامي الدين يعرف خطورة الفعل الذي ارتكب فإنه سارع إلى نفيه ولجأ إلى تقنية قديمة هي التهديد باللجوء إلى القضاء ضد ناشر الخبر.
إن ما قام به السيد المنسق ليس غريبا على حزب العدالة والتنمية الذي يشغل داخله مهمة عضو الأمانة العامة.
فالارتهان للأجنبي والاستقواء به والفرح لنجاحاته الانتخابية ليس سلوكا مستهجنا داخل هذا الحزب. والجميع يتذكر قصة الرسالة التي وجهها النائب عبد العزيز أفتاتي إلى «فخامة سفير فرنسا بالمغرب» يطلب منه التدخل لصالح عضو في حزب العدالة والتنمية يحمل الجنسية الفرنسية بشأن نزاع انتخابي بوجدة.
وهي الحادثة التي اضطر معها أفتاتي إلى وضع استقالته يوم الخميس 16 يوليوز 2009 رهن إشارة الأمانة العامة للحزب «لتتصرف فيها حسب تقديرها للموقف ولخطورته وما تسبب فيه دون قصد مني من ضرر معنوي أكيد للحزب برمته»، حسب نص الرسالة التي خطها أفتاتي بيده.
كما أن الجميع لازال يذكر كيف فرح حزب العدالة والتنمية فرحا عارما بعد فوز حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البلدية، كما لو أن حزب بنكيران ليس سوى فرع صغير من حزب أردغان. وأيضا مواقفهم المتناقضة مما يحدث في مصر، حيث نرى كيف أن قلوبهم مع الإخوان من خلال مواقفهم في حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوية للحزب، فيما سيوفهم مع السيسي من خلال بلاغات الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية.
أما المثال الذي لازال طريا في الذهن فهو لجوء بوليف الوزير المنتدب في «حوادث السير» إلى إرسال تقرير عن إحدى رحلاته الوزارية إلى البحرين إلى وزارة الخارجية لكي ترسله نيابة عنه إلى سفارة هذه الدولة في الرباط. وهو السلوك الذي أدانه بعض زملاء الوزير في الحكومة واعتبروا ما قام بوليف سابقة لم يقترفها أحد من قبله.
ويبدو أن عادة إرسال الإخوان للتقارير إلى السفارات الأجنبية كانت مكتسبة لديهم منذ فترة المعارضة عندما كانوا يبحثون عن منافذ لولوج مقرات البعثات الدبلوماسية بأي «ثمن» لتطبيع علاقتهم بها. وقد كان اليساريون في سنوات الرصاص يسمون رفاقهم الذين يحتفظون بعلاقات مع الأجهزة والهيآت الدبلوماسية ب»مبرونشي»، أي أنه «ملصق البريز مع شي جهة».
ولهذا السبب كان الخلفي أيام «الزلطة» و«صندالة الصبع» يطبع «كارت فيزيت» يكتب عليها اسمه وصفة «باحث في الحركات الإسلامية»، بحثا عن «مشاريع» تقارير صالحة للمقايضة بسفريات ودعوات، وتعويضات عندما يتعلق الأمر بمراكز بحث.
وهكذا حصل على منحة للتدريب سنة في مكتب أحد أعضاء الكونغريس الأمريكي، ذهب فيها رفقة زوجته، التي بمجرد ما استلمت بسيمة حقاوي وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة وظفها الخلفي إلى جانب الوزيرة لكي تكون ظله في هذه الوزارة.
ويبدو أن رحلة زوجة الخلفي رفقته إلى الديار الأمريكية لم تفدها سوى في إدراج اسمها ضمن لائحة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد طلبت التأشيرة مرتين ولم تتلق سوى الرفض في كل مرة.
والعمل في الوزارة بالموازاة مع تقاضي تعويضات أجنبية بالدولار لا يشكل أدنى عقدة لبعض أبناء العدالة والتنمية، والدليل على ذلك أن زوجة الخلفي وزير الاتصال تتقاضى شهريا تعويضا قدره 500 دولار من منظمة المرأة العربية بالإضافة إلى تعويضها من وزارة الأسرة.
ونحن لا نقول هذا الكلام لأننا ضد حزب العدالة والتنمية، ولكن لأن هذا الحزب يوجد في السلطة، ومن واجبنا محاسبته.
أنا أنتقد العدالة والتنمية وأغلظ لهم القول لأنهم في الحكومة وقد كنت سندا وعونا لهم عندما كانوا في ضيق المعارضة، ولست مثل بعض الصيارفة الذين كانوا يقطرون الشمع عليهم عندما كانوا في المحنة وبمجرد ما صاروا يرفلون في نعيم السلطة سارعوا إلى لعق أحذيتهم طمعا في عطاياهم.