الأخبار تكشف عن حقائق صادمة حول فوضى النقل بمدينة وزير النقل
محمد سليكي
أزمة النقل بالقنيطرة هي واحدة من المشاكل الكبرى التي يتخبط فيها سكان المدينة، التي يرأس مجلسها الجماعي عزيز رباح، الوزير المشرف على قطاع النقل واللوجستيك بالمملكة. الفوضى التي يعرفها النقل بعاصمة الغرب، سواء في الحافلات أو في سيارات الأجرة، أدت إلى العديد من الكوارث والخسائر في الأرواح. المواطنون باتوا يعيشون حالة من الفزع الرهيب ويضعون أيديهم على قلوبهم كلما اضطروا إلى امتطاء عربات بعضها في أحسن الأحوال لا يحترم القوانين، فيما يتحرك الكثير منها متحررا من أي ضوابط قانونية أو أخلاقية. «الأخبار» تنقل تفاصيل عن فوضى النقل بالقنيطرة وتكشف عن طاكسيات مزورة وأخرى تحولت إلى بيوت دعارة متنقلة.
لم يكن أبو عبد الله يعتقد أن يشهد موت ابنه ذي العشر السنوات تحت عجلات طاكسي «مزور» على رصيف شارع المسيرة الخضراء بالقنيطرة، وتحديدا بحي «الوفا 1» المعروف بطريق عين السبع أو «خط الموت»، حيث لا صوت يعلو على صوت «السيبة واغتيال قانون السير والجولان».
لقد أضاف سائق متهور في تلك اللحظة، الصغير عبد الله بدم بارد، إلى قائمة قتلى فوضى النقل في مدينة يرأس بلديتها وزير النقل والتجهيز واللوجيستيك، في واحدة من أسود ليالي منتصف شهر يناير المنصرم وأطولها في حياة عائلة الضحية.
مصرع الطفل عبد الله بسبب تهور سائق لم يكن يتيما، فلطالما تحولت هذه الطريق إلى مقبرة لأرواح أبرياء، على غرار عدد من شوارع الموت بالمدينة، على عهد «مقاتلات حافلات الكرامة» وطاكسيات مزورة وحافلات «أسواق» مرعبة…
مهدي واحد ممن كانوا على متن سيارة أجرة صغيرة متوجها إلى حي عين السبع بالساكنية المعقل الانتخابي لحزب رباح، والذي تابع تفاصيل هذه الحادثة القاتلة يقول لـ»الأخبار»: «بينما كنت في طريقي إلى مسكني بعين السبع، كان سائق طاكسي صغير يقلني قد اشتكى تهور سائق سيارة أجرة كبيرة.. قبل أن ينتهي به تجاوز معيب إلى مصرع طفل فوق الرصيف على مستوى ساحة حي الوفاء1».
كان المشهد قاسيا على والد القتيل، كما على من عاشوا هذه اللحظات العصيبة من المواطنين، الذين استنكروا فوضى النقل على مستوى ما يعرف بـ» طريق الموت» الرابط بين ساحة بئر انزران وعين السبع، فيما أطلق السائق المتهم، ساقيه للريح.
فضائح النقل بمدينة وزير النقل
مباشرة التحقيقات الأولية في الحادثة المرعبة التي كادت تحصد أرواح العديد من المواطنين، فتحت ملف «طاكسيات الصنف الأول المزورة» وأبطال حوادثها الخطيرة وغير المؤمنة من سائقين متطفلين، يجوبون شوارع مدينة القنيطرة، دون توفرهم على رخصة الثقة.
قبل تاريخ وقوع هذه الحادثة المفجعة، بأشهر كانت نقابات وجمعيات قطاع سيارات الأجرة الكبيرة بالقنيطرة، قد خرجت عن صمتها وكشفت في بيان مشترك عن فضائح غير مسبوقة، باتت تنخر قطاع النقل هذا، بمدينة وزير النقل.
لقد حول عدد من السائقين المنحرفين، يقول الموقعون على هذه الوثيقة المؤرخة في يونيو 2015، سيارات الأجرة إلى غرف متنقلة للممارسة المحرمات، بدءا بتدخين المخدرات وشرب الخمر وتناول الشيشة.
مفجرو هذه الفضيحة كشفوا عن تورط سائقين لا يتوفرون على رخصة الثقة، في وضع زجاج غير شفاف أو العلم الوطني من الحجم الكبير على نوافذ سيارات الأجرة من الصنف الأول، للتغطية على أنشطتهم المخلة بالآداب والأخلاق العامة ومنها الدعارة.
البيان المشترك ذاته سجل أنه «لم يسبق للقطاع أن عرف مثل هذا التسيب والفوضى الحاصلة الآن، والتي انتهكت حرمة سيارات الأجرة، بسبب السلوكات غير اللائقة للمتطفلين على هذه المهنة أمام أعين الجهات الوصية»..
الإطارات الموقعة على هذه الوثيقة، ستؤكد وهي تدافع عما تبقى للمواطنين من ثقة في هذا القطاع قائلة: «ولعل ما يثير الانتباه كذلك حول السائقين غير المهنيين هذه الأيام، الهندام، الذي أصبح لا يعار له أي اهتمام، إلى أن وصل الاستهتار ببعضهم الاشتغال بسراويل قصيرة وملابس صيفية فاضحة ورؤوس حليقة بطريقة مقززة لا تليق بسائق سيارة أجرة محترم».
محمد البطان، أمين الحرفة وأحد الموقعين على هذه الوثيقة التي طالبت كذلك بفتح تحقيق حول الملابسات التي رافقت مباراة اجتياز رخص الثقة لسنة 2013، على عهد باشا القنيطرة السابق سلام العربوني، سيفجر في تصريح صحافي سابق تسييس الأحزاب المتنفذة بالمدينة لمثل هكذا مباريات بقوله: «لأول مرة في التاريخ أصبحت رخص الثقة لا تسلم بناء على شفافية المباريات»، بل يتم ذلك وفق المستشار المعارض السابق لرئيس المجلس البلدي عزيز رباح «بناء على توصيات الأحزاب، حيث يأتي كل حزب بلائحة لأتباعه، ويتدخل من أجل أن تعطى لهم الأولوية في اجتياز المباريات».
ما جاء في وثيقة نقابات وجمعيات قطاع سيارات الأجرة الكبيرة بالقنيطرة، وما كشف عنه أمين الحرفة محمد البطان وما يعرفه طريق الموت محور»بئر انزران- عين السبع».. ماهي إلا شجرة التسيب التي تعتلى هضبة غابة فوضى النقل بمدينة وزير النقل، والتي دفعت نقابات سيارات الأجرة صنف 2 بالقنيطرة بدورها، إلى إعلان شهر بداية العام الجاري، شهرا للوقفات الاحتجاجية التصعيدية أمام المجلس البلدي الذي يترأسه عزيز رباح ومقر عمالة القنيطرة وولاية الأمن.. ضد تغول سيارات الأجرة الكبيرة واشتغالها ضدا على القانون وسط المدينة..
شهر للاحتجاج أمام رباح
في التاسع والعشرين من شهر دجنبر 2015، ستعلن نقابات سيارات الأجرة صنف 2 بالقنيطرة في بلاغ رسمي لها، عن برنامج احتجاجي سطرته تحت شعار: «لنستعد ونجعل شهر يناير شهرا للوقفات الاحتجاجية التصعيدية».
الداعون إلى هذا البرنامج الاحتجاجي سيستهلون تدبيج بلاغهم الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، بالكشف كذلك عن تورط رئاسة مجلس بلدية القنيطرة في فوضى النقل بالقول:» استمرارا في تفعيل البرنامج النضالي لمهنيي سيارة الأجرة الصغيرة وبعدما تبين جليا أن المجلس الجماعي والعمالة وولاية الأمن عازمة على التمادي في العدوانية إزاءنا من خلال التنصل من جميع التزاماتها في جلسات حوار مفبركة ونهجها سياسة الأذان الصماء» كما يورد البيان أيضا «أن النقابات الموقعة أسفله تعتبر الاستمرار في خوض أشكال نضالية تصعيدية بات خيارا لا حياد عنه».
نقابات سيارات الأجرة صنف 2 بالقنيطرة، التي لا يخلو قطاعها من مشاكل تكرس بدورها فوضى النقل بمدينة وزير النقل خاصة بمحطة القطار وعدد من النقط بالنفوذ الترابي للجماعة الحضرية للقنيطرة، دعت منخرطيها إلى حمل الشارات السوداء وتوجيه تنبيه إلى سيارات الأجرة الكبيرة، خاصة تلك التابعة لمدينتي الرباط وسلا..
احتجاج أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة، ضد تغول سيارات الأجرة الكبيرة القنيطرية وتحركها بكل حرية في شوارع المدنية عبر محطات( بئر انزران –عين السبع واتحاد- أولاد اوجيه وطناكرا- بئر الرامي..) وتعمد طاكسيات العدوتين اللجوء إلى ما يسمى بلغة الحرفيين بـ»الريكولاج»، واقع ليس وليد اليوم بقدر ما هو مستفحل منذ سنوات يقول أحد المهنيين، مؤكدا أن مؤشرات دخول من وصفهم بـ»الإخوة الأعداء» في مواجهات تذكر بتلك التي جرت عام 2012 وفرقتها فرق مكافحة الشغب، باتت «تلوح في الأفق».
«الطوبيسات».. رباح على خطى تلموست
فوضى النقل في مدينة وزير النقل لا تقف عند الطاكسيات، بصنفيها الأول والثاني، بل يكاد يكون عنوانها الأبرز أو هو بعينه شركة النقل الحضري المسماة «كرامة بيس».
على الرغم من انخراط عدد من منتخبي وأتباع العدالة والتنمية في ادعاء الاصطفاف إلى جانب القواعد الواسعة من القنيطريين في إدانة سلوك وخدمات وفوضى شركة النقل الحضري الكرامة بيس، إلا أن المجلس البلدي الذي يترأسه عزيز رباح لولاية ثانية، لا يخفي وجهه بالغربال عندما ينصب نفسه مدافعا عن هذه الشركة، وهو اللغز الذي استعصى حله على كل المتابعين.
تحقيق «الأخبار» في العلاقة الملتبسة بين رئاسة المجلس الجماعي وشركة الكرامة بيس، سيقود إلى الوقوف على واحدة من الحقائق الصادمة، والممثلة في تبني عزيز رباح أسلوب عهد الرئيس الأسبق للجماعة الحضرية القنيطرة محمد تلموست، في تبرير «تسيب» الشركة وفوضى النقل التي تثيرها في المدينة.
وتكشف المعطيات المتوصل بها أن مسيري المجلس البلدي الحالي أيام المعارضة كانوا قد اتهموا مسؤولي المجلس البلدي في عهد الرئيس السابق محمد تلموست، بأنهم متواطؤون مع شركة النقل الهناء، إذ مما جاء في بيان ناري للكتابة الإقيليمة لحزب العدالة والتنمية وقتها الدفع بـ»ضعف الخدمات المرتبطة بالنقل الحضري بالإقليم، وخاصة بمدينة القنيطرة، وضرب مصالح العمال بتواطؤ مكشوف بين المسؤولين وصاحب الشركة».
وبالعودة إلى مواقف أعضاء المجلس الحالي ومسؤولي شركة الكرامة نجدهم يقدمون تبريرا لفوضى الشركة وعدم التزامها بدفتر التحملات وعذاب الساكنة اليومي مع خدماتها، «إذا قسونا على الشركة بمعنى مطالبتها باحترام القوانين والشروط الواردة في العقدة بين البلدية والشركة ستضطر إلى الانسحاب، وستصير للمدينة سمعة سيئة لدى الشركات العاملة في مجال النقل الحضري، وهذا لن يشجع أحدهم للاستثمار بمدينة القنيطرة مستقبلا، مما سيدخل المدينة في أزمة خطيرة في النقل».
موقف العاجز عن وضع حد لفوضى النقل بمدينة وزير النقل الذي أبان عنه المجلس البلدي منذ تسلم شركة الكرامة بيس مفاتيح احتكار هذا المرفق الحيوي، يعني برأي مصدر مقرب من المطبخ الداخلي للمجلس البلدي «القبول بسياسة الأمر الواقع، وهو موقف كان يسوقه المجلس السابق على عهد تلموست في مواجهة حزب العدالة والتنمية المعارض وقتها، ومع الأسف يسوقه اليوم في صيغة مبررات مسؤولي المجلس البلدي الحالي ومسؤولي شركة الكرامة بيس».
بالرجوع إلى عهد شركة الهناء والمجلس الأسبق برئاسة محمد تلموست، لقراءة تحليل هذا الخطاب الديماغوجي، يقول مصدر الجريدة: «سنجد نفس الكلام كان يردده من كانوا قبل المجلس الحالي( مجلس تلموست)، فشركة حافلات الهناء كانت تقدم شكايات للمجلس البلدي والسلطة متضمنة نفس المبررات وذات الاكراهات التي تعلنها شركة الكرامة بيس في شكايات مماثلة لها اليوم».
بيد أن مبررات شركة الهناء لم تكن لتحظى بنفس الدعم من رباح وإخوانه الذي تحظى به شركة الكرامة بيس، بقدر ما اعتبر رباح عند وصول حزب العدالة والتنمية عام 2009 إلى رئاسة المجلس يؤكد مصدرالجريدة: «أن طرد الهناء من القنيطرة ربح سياسي وانتخابي والبلاد على أبواب انتخابات 2012» لكن « دون تخطيط استراتيجي يقي المدينة من السقوط في فوضى القطاع على عهد شركة كرامة بيس»، يشرح مصدرالجريدة.
ما جاء في تصريح المصدر ذاته، يؤكده تقرير للسلطة المحلية حرر على عهد الكاتب العام الأسبق لعمالة القنيطرة يوسف السعيدي المصادف للبدايات الأولى لتسيير العدالة والتنمية للمجلس عندما قال حول سعي رباح إلى طرد شركة حافلات الهناء: «إن الغرض من ذلك هو تصفية حسابات سياسوية ضيقة من طرف المجلس الحالي تحت قيادة العدالة والتنمية…». تكاد تكون عبارة «مبرر السمعة السيئة للمدينة» لازمة ترددها دائما الشركة المستفيدة، عند كل أزمة نقل لفرض الأمر الواقع وإحباط دعوات طردها، فقد قيلت سابقا بمدينة الرباط وتطوان وبالقنيطرة على عهد شركة الهناء، ومع ذلك لم تمنع تلك الفزاعة صاحب شركة الكرامة بيس التابعة لمجموعة «سيتي بيس»، من الدخول إلى سوق النقل الحضري بالقنيطرة، لكن من نافذة صديق رباح «الجماني».
ما لا يعرفه الكثير من المواطنين هو أن مالك شركة النقل الحضري المحتكرة اليوم بالقنيطرة، كان قد شارك في طلبات عروض تدبير مرفق النقل الحضري ولم يظفر بالصفقة، ليعود ليشتري شركة الكرامة من الجماني التي فازت بالصفقة، حيث سينتقل المجلس الجماعي برئاسة وزير النقل من متعاقد مع شركة ذات مسؤولية محدودة((sarl مع الضمانات القانونية التي تكفلها هذه الفئة من الشركات مع المتعاقدين، إلى التعاقد مع شركة مجهولة الاسم (SA)، وهو ما يكذب حقيقة فزاعة «القنيطرة سيئة السمعة» ويؤكد بالمقابل جاذبية الاستثمار في القطاع بالمدينة.
قبول المجلس البلدي بفوضى تدبير مرفق النقل الحضري، تفضحه مواقف حزب العدالة والتنمية بين موقعه في المعارضة وعهد جلوسه على كرسي الجماعة، لذلك يقول مصدر الجريدة: «عندما كانت شركة حافلات الهناء تتعرض للاعتداء وتكسير الزجاج من طرف بعض الأشخاص، إضافة إلى احتجاجات وإضرابات للعمال التابعين للنقابة الموالية للعدالة والتنمية، اعتبر الحزب المسير للمجلس البلدي الحالي، أن ذلك رد فعلي طبيعي على تقاعس الشركة»، مضيفا: «لكنهم اليوم يعتبرون الاحتجاجات المتكررة للمواطنين والطلبة ضد شركة الكرامة بيس، بأن المشاركين فيها مدفوعون من طرف الخصوم، وأن الطلبة مدفوعون من التيارات المخالفة وخاصة الطلبة القاعديين».
سياسة الكيل بمكيالين عند حزب العدالة والتنمية، إزاء فوضى النقل يبرره السعي نحو جني أهداف عدة في مقدمتها الصوت الانتخابي، ويتجلى ذلك وفق مصدرالجريدة في «كون المجلس وأمام الوضعية الحرجة التي يوجد عليها تجاه الساكنة بسبب تقهقر خدمات النقل الحضري للشركة الحالية، بات على عكس أيام المعارضة، يدفع في اتجاه تشجيع تأسيس جمعيات موالية له، مهمتها القيام بحملات تحسيسية للمواطنين بحجم الاعتداءات التي تتعرض لها الحافلات، والعمل على رفع منسوب الوطنية بعدم تكسير الممتلكات العمومية وغيرها، في محاولة للالتفاف على الأزمة وتداعياتها».
ماذا عن سلوك العدالة والتنمية تجاه فوضى ملف النقل الحضري في زمن تلموست؟ سؤال وجهناه إلى مصدرالجريدة فكان جوابه: «لقد عملوا أيام المعارضة على تشجيع جمعيات مستعملي النقل على توحيد الجهود للضغط على الشركة والمجلس، لفرض احترام القانون وتحسين خدمات النقل بل للإطاحة بالشركة والمجلس»، ليظهر جليا وفق المصدر ذاته، أن «منطق التجييش والحروب بالوكالة غير غريب على العدالة والتنمية منذ أيام المعارضة لتصدير الأزمات والمشاكل أو مواجهة الخصوم بالضرب تحت الحزام باستغلال الإعلام البديل أخذا بالاعتبار إتقان المجلس الحالي، لتكتيك الصراخ والضجيج والتسويق للتآمر، لاستثارة التعاطف، وكأن من يحتج عليه ويستنكر سلوكه، ما هو إلا مدفوع لإفشال تجربة العدالة والتنمية في تسيير المدينة».