شوف تشوف

الرئيسية

الأخبار تروي قصصا مأساوية لعمال نظافة أصيبوا بأمراض مزمنة

كوثر كمار

تزامنا مع بداية الحملة الانتخابية بدأت تغرق العديد من الأزقة والشوارع بعدد من المدن بالأزبال، وذلك بسبب رمي بعض المتعاونين في الحملات الانتخابية والمرافقين لمترشحي الأحزاب كميات كبيرة من المناشير، في جو “احتفالي” لم يخل من حالات “هيجان” يتم فيها الرمي بالأوراق عاليا، لتتناثر في الهواء قبل أن تستقر على الأرض مشكلة معاناة إضافية لعمال النظافة.
الأمر الذي يزيد من معاناة عمال النظافة، حيث يقضون وقتا طويلا في جمع تلك الأوراق التي تلوث البيئة وتشوه المنظر العام.
سعيد عامل نظافة بمدينة الدار البيضاء يقول خلال حديثه مع “الأخبار” إن “معظم العمال يعانون كثيرا خلال حملة الانتخابات بسبب الأوراق الملقاة على الأرض خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يشعرون بالإرهاق وهم يكنسونها تحت أشعة الشمس الحارقة”، ويضيف سعيد أن عامل النظافة يتقاضى أجرا هزيلا مقابل العمل لساعات طويلة لا يكاد يكفيه في تلبية أبسط الحاجات بالنسبة لأبنائه وأسرته، فكيف بعلاج نفسه، إذ إن العديد منهم يتعرضون للمرض، بسبب العمل وسط الروائح الكريهة، ويكونون عرضة لمشاكل صحية خطيرة.

أمراض خطيرة تتربص بالعمال
يعاني بعض عمال النظافة من أمراض خطيرة بسبب ظروف اشتغالهم وسط النفايات لساعات طويلة.
محمد العربي، عامل نظافة بمدينة الدار البيضاء أيضا، يحكي خلال حديثه مع “الأخبار” أن خطورة جمع النفايات تكمن في نوعية الفضلات، فهي تحوي موادا سامة وأدوية منتهية الصلاحية وحقنا مستعملة وموادا كيماوية، في حين أن بعض العمال لا يستعملون وسائل الوقاية مثل الكمامات والقفازات، مما يؤدي إلى ظهور عدة أمراض في صفوفهم مثل الحساسية وأمراض الربو، والتي تصيب الكلى والعيون وأمراض الجلد وأخرى مجهولة. ومع ذلك لا ينعمون بأية تغطية صحية ولا يستطيعون تأمين الأدوية.
ويضيف العربي أن البعض منهم يضطرون إلى استعمال سعف النخيل، بسبب المكانس الرديئة، أما العربات فمعظمها غير صالحة للاستعمال.
يعمل محمد العربي طيلة اليوم مقابل ألفين وثلاث مائة درهم شهريا، متحملا مشاق العمل بسبب حاجته إلى المال فهو أب لخمسة أبناء.
يقول عامل النظافة بنبرة متحسرة: “بسبب رائحة الأزبال النتنة، أصبحت مريضا بحساسية شديدة على مستوى العين والأنف، لكنني لا أستطيع التخلي عن هذه المهنة الشريفة فأنا المعيل الوحيد لأسرتي”، مؤكدا أنه ليس الشخص الوحيد الذي يعاني من المرض، فمعظم زملائه مصابون بعدد من الأمراض، كما أن هناك حالات أصيبت بتمزقات عضلية بسبب ثقل الحاويات، التي تتكدس فيها أكوام هائلة من النفايات بشكل زائد عن طاقتها الاستيعابية، فللأسف قفازات اليد تتمزق قبل انتهاء الأسبوع الأول من استعمالها، كما يقول عامل النظافة، الشيء الذي يضطر معه إلى اللجوء أحيانا إلى جمع الأزبال من دونها، وقد يتعرض للإصابة بجروح بالغة بسبب قطع الزجاج المنكسرة.
يأمل محمد العربي أن يعاد الاعتبار إلى العاملين في مجال النظافة وصون كرامتهم فلولاهم، لغرقت العديد من المدن في الأزبال، فهم يقومون بمجهود جبار يجب أن يشجعوا عليه وأن لا يتم احتقارهم من قبل الآخرين.

أجور زهيدة
رغم المجهودات الجبارة التي يقوم بها عمال النظافة، إلا أنهم يتقاضون أجورا يعتبرها العمال هزيلة، إذ تتراوح ما بين ألفين وألفين وثلاث مائة درهم بالنسبة للعاملين في الشركات الخاصة، والعامة، بينما يصل أجور المياومين أو ما يطلق عليهم بعمال الإنعاش الوطني إلى حوالي 700 درهم شهريا.
عبد اللطيف في عقده الثالث يعمل على كنس شوارع الدار البيضاء بسعف النخيل منذ حوالي سنتين، يقول في حديثه مع الأخبار، إنه يتقاضى سبع مائة درهم مقابل العمل لساعات طوال، ويضيف أنه يعاني من مرض الربو، إذ يضطر إلى التسول من أجل شراء الأدوية.
رغم المشاكل الصحية التي يعاني منها عبد اللطيف بسبب عمله، إلا أنه لم يتخل عنه لعدم عثوره على بديل آخر.
فإن كان بعض المياومين غير قادرين على الرفع من أجورهم فبعض العمال بالشركات يضطرون إلى القيام بوقفات احتجاجية للمطالبة بتغيير أوضاعهم المزرية.
ففي مطلع السنة الجارية شهدت عدد من المدن إضرابات متكررة لعمال النظافة يطالبون بالزيادة في الأجور وتوفير ظروف عمل ملائمة للحفاظ على سلامتهم الصحية.
وعلى غرار العديد من العمال سبق أن خاض عمال النظافة بمدينة الخميسات إضرابا بسبب رفض شركة التدبير المفوض تطبيق محضر اجتماع أشرف عليه عامل إقليم الخميسات وحضرته مختلف الأطراف المعنية بالملف، وللمطالبة بتفعيل البند الخاص باحترام الوقت القانوني للعمل المحدد قانونا.
وكان العمال قد طالبوا بإنصاف السائقين بتمتيعهم بأجورهم الحقيقية، وتوفير بذلتي العمل (شتوية وصيفية)، والقفازات والحذاء ومختلف وسائل الوقاية، إضافة إلى أداء الأجور دون تأخير.
وتسليم أيضا العمال قرارات الإجازة السنوية وفقا للقوانين المعمول بها والتصريح بحوادث الشغل طبقا للقانون الجاري به العمل، إضافة إلى توفير مستودع خاص بالعمال، مجهز بجميع المرافق والمستلزمات الضرورية، ومستوف لشروط الصحة والسلامة، ومن بينها توفير مسجد، دوش دافئ، ومكتب لاستقبال العمال وممثليهم.

متى تتراكم الأزبال؟
تزداد معاناة عمال النظافة خلال الحملات الانتخابية وعيد الأضحى حيث تكثر النفايات بشكل كبير.
فالعامل في مجال النظافة يعمل في كل الأوقات حتى في الأعياد وآخر أيام الأسبوع، فهو دائما يستعد للأسوأ. يقول صلاح الدين عامل نظافة :«إن أسوأ يوم هو يوم عيد الأضحى، حيث تنتشر بقايا “تشواط» رؤوس الأغنام والأبقار والجلود الممزقة وكأنها ساحة حرب، فبالرغم من تنظيف الشوارع صبيحة يوم عيد الأضحى، إلا أنه سرعان ما تغرق المدينة في الأزبال المكونة من مخلفات الأضاحي، إضافة إلى أكوام من الرماد.
ويضيف أن بعض الأشخاص يحتقرون عامل النظافة، إذ يتعرض للسب والقذف من قبل المارة، ويعمد أحيانا البعض إلى رمي الأزبال على الأرض كي يجمعها.
ويحكي صلاح الدين أنه أصيب بجروح بليغة على مستوى اليد عندما قام بجمع بقايا قنينة مكسورة، غير أنه لم يتلق أي تعويض عن حادثة الشغل التي تعرض لها لكونه يعمل مياوما يتقاضى تسع مائة درهم في الشهر.
ويوضح أن هذه المهنة محفوفة بالمخاطر وتسبب لممتهنيها العديد من الأمراض كالحساسية والربو، بالإضافة إلى مشاكل في حاسة البصر بسبب الرائحة النتنة التي تنبعث من النفايات المنزلية.

اعتراف بالمهنة
للاعتراف بمهنة عمال التنظيف يقوم ما بين الفينة والأخرى الفاعلون الجمعويون بتنظيم حفلات لتكريم عاملات وعمال النظافة التابعين للإنعاش الوطني.
فبمدينة مراكش عرفت تكريم العمال من قبل جمعية “مبادرة شباب المغرب” بشراكة مع المديرية الجهوية للصحة لجهة مراكش أسفي، تحت شعار “خادم الناس سيدهم”.
و قالت الجمعية ذاتها، إنها اختارت تكريم عاملات وعمال النظافة التابعين لمؤسسة الإنعاش الوطني، لرد الاعتبار لهذه الفئة من المجتمع .
وعرف الحفل إجراء فحوصات طبية من قبل أطباء مختصين لعمال النظافة، وكذا توزيع شهادات امتنان وجوائز تقديرية لهذه الفئة التي تود الجمعية بهذه المناسبة تسليط الضوء عليها قصد تحسين ظروف عملها لتزيد من عطائها. من أجل نبذ الفوارق الاجتماعية وتكريس ثقافة النظافة والحفاظ على البيئة وفق تصريح الجمعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى