في ظل تراجع نسبة التساقطات المطرية التي تشهدها شفشاون ووزان والحسيمة وتطوان والمضيق.. بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، استنفرت أزمة الماء كافة السلطات المعنية من أجل تنزيل التعليمات الملكية السامية، بتسريع مشاريع سدود، والعمل على تزويد العالم القروي بشبكات المياه الصالحة للشرب ومواجهة العطش، مع إطلاق مشاريع لتحلية مياه البحر والعمل على تطوير ذلك بالاعتماد على تقنيات حديثة.
تطوان: حسن الخضراوي
على الرغم من المجهودات الجبارة التي تقوم بها مؤسسات متعددة، إلا أن أزمة الماء بالشمال تحتاج المزيد من الجدية والاستمرارية في العمل، لمعالجة كافة الملفات التي ترتبط بالاحتجاجات على العطش بالمناطق القروية النائية، والقطع مع العشوائية والفوضى في استغلال المياه الجوفية، كما يحدث بحقول القنب الهندي خارج التقنين، فضلا عن منع حفر آبار دون تراخيص، وخارج الضوابط القانونية المنصوص عليها بخصوص كيفية استغلال الملك العام المائي.
وعملت السلطات الإقليمية المختصة بشفشاون، على تنزيل تدابير أمنية ودوريات مكثفة، طيلة غشت الجاري، من أجل وقف استنزاف الثروة المائية، وردع شبكات زراعة القنب الهندي من نوع «كريكيتا» التي يتم جلبها من مختبرات سرية بالخارج، خارج الانضباط لمشروع التقنين والانخراط داخل تعاونيات منظمة، في أفق القضاء النهائي على زراعة الكيف لإنتاج المخدرات، وتحويل حصاد النبتة المثيرة للجدل إلى تصنيع مواد تجميلية وصيدلية والنسيج.
وتسبب سوء استغلال الثروة المائية ببعض مناطق الشمال، في أزمات متفرقة واحتجاجات على العطش بمناطق بوزان وشفشاون وتاونات والعرائش وتطوان..، وذلك نتيجة استنزاف الثروة المائية الخاصة بالمياه الجوفية ومياه الأنهار والينابيع، حيث يتم استعمال وسائل متطورة ومضخات كهربائية بتقنيات عالية، كان من نتائجها وقف جريان مياه وديان في الكثير من الأحيان، والتسبب في كوارث بيئية، وموجات عطش شملت الإنسان والطبيعة والحيوان.
ويرى العديد من المتتبعين للشأن العام المحلي بالشمال، أن المؤسسات المعنية مازالت غائبة بالنسبة للاجتهاد في استغلال مياه الأمطار عبر تجميعها بالمراكز الحضرية، وإحداث قنوات خاصة بها معزولة عن شبكات التطهير السائل، ما سيمكن من تجميع ثروة مائية هائلة تفرغ في البحار، ولا يستفاد منها رغم الحاجة الماسة إليها في ظل التحولات المناخية العالمية وقلة الأمطار.
في ظل احتجاجات السكان على ندرة المياه، وتحذير الجمعيات والمهتمين من أزمة العطش، أتت العديد من المبادرات والتوجيهات الملكية السامية، التي تمثلت في دعوة المسؤولين الكبار ووزراء حكومة عزيز أخنوش، بهدف بلورة مشروع متكامل في إطار المخطط الوطني للماء من أجل تنمية العرض المائي لاسيما من خلال بناء السدود، وتدبير الطلب وتثمين الماء، خاصة في القطاع الفلاحي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، فضلا عن توسيع وتسريع مشاريع إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، وتكثيف التواصل والتحسيس من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها.
مشاريع السدود
شرعت المصالح الحكومية المختصة، في تتبع إقامة مشاريع سدود بوزان وشفشاون، من أجل التخفيف من أزمة مياه السقي والشرب، والتعامل مع أزمة الجفاف التي أثرت بشكل كبير على القطاع الفلاحي، وتسببت في احتجاج سكان مناطق قروية، والصعوبات التي يجدونها أثناء تنقلهم لمسافة طويلة من أجل سقي المياه، باستعمال الدواب والدراجات النارية ثلاثية العجلات.
وفي ظل التعليمات الملكية السامية بالجدية والمحاسبة في موضوع تدبير أزمة الماء، أصبحت جميع القطاعات الوزارية المكلفة بتنفيذ مشاريع سدود تلية بوزان وباقي مدن الشمال، مطالبة ببحث كل السبل الممكنة الخاصة بتسريع تنزيل حلول ناجعة لمشاكل العطش وندرة المياه، والتعامل بشكل استباقي مع تبعات الجفاف وقلة التساقطات المطرية، ووقف كافة أشكال استنزاف الثروة المائية.
وينتظر العديد من سكان المناطق القروية بوزان، الاستفادة من ثلاثة مشاريع سدود تلية بجماعتي موقريصات وزومي، على أمل طرد شبح العطش الذي استمر بالمنطقة لسنوات طويلة، والعمل على التخفيف من ظاهرة استنزاف الفرشة المائية، نتيجة ضغط الاستهلاك المرتفع للشرب والسقي، خاصة في ظل فشل التدابير الترقيعية التي تقوم بها الجهات المختصة، من أجل تجاوز مشاكل الماء من خلال توفير صهاريج متنقلة، أو ماشابه ذلك من الحلول التي لا تدخل ضمن استراتيجية واضحة للتعامل مع ندرة الماء بنظرة مستقبلية واضحة.
وحسب مصادر مطلعة، فقد بلغ تقدم بناء سد الجبهة، بإقليم شفشاون، قبل أسابيع قليلة 80 في المائة، حيث يروم المشروع حماية المدينة من الحمولات المائية لوادي مسيابة وتقليص آثار الفيضانات التي كانت تحدث سابقا وتهدد سلامة السكان، وتبلغ الكلفة المالية لهذا المشروع، الذي تنجزه مديرية التجهيزات المائية التابعة لوزارة التجهيز والماء، ما يناهز 39 مليون درهم.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن المشروع المذكور يندرج في إطار اتفاقية لحماية مركز الجبهة من الفيضانات، بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 200 مليون درهم، وتشمل بناء سد الجبهة وتهيئة واد مسيابة وروافده، وتقوية الشبكة الطرقية ومعالجة نقطة انزلاق وانجراف التربة بمدخل مركز الجبهة بإقليم شفشاون.
وعلى الرغم من طمأنة السكان بالفنيدق، حول جودة مياه الشرب التي تأتي من السد، واستمرار تدابير المراقبة اليومية، والحرص على شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، إلا أن الطعم الغريب الذي يلمسه زبناء شركة التدبير المفوض في مياه الشرب، دفع بالعديد من السكان لاختيار سقي المياه من الينابيع والآبار للشرب، في انتظار زوال الطعم الغريب الذي استمر جدله لشهور، وسط تأكيد الجهات الرسمية على الجودة والسلامة والمراقبة اليومية بمختبرات عمومية.
فوضى الاستنزاف
من المشاكل المستعصية التي تواجه سكان مناطق بالشمال وتهدد مستقبل التنمية والسلم الاجتماعي، فوضى استنزاف الثروة المائية، وسوء الاستعمال والتبذير، وغياب الحكامة في استغلال المياه الجوفية، حيث كثر الضغط على الفرشة المائية، حتى أصبحت الآبار والينابيع جافة، ما يتطلب الزيادة في العمق، ويزيد الطين بلة بسبب تعميق أزمة الفرشة المائية.
واستنفرت السلطات المختصة، جميع المصالح المعنية بتطوان والمضيق ومرتيل والفنيدق..، من أجل تدبير أمثل للعطلة الصيفية والتعامل مع ارتفاع الإقبال على ملء المسابح بالأداء وتلك الخاصة بالفيلات والإقامات السياحية، حيث تم وضع ترتيبات يمكن من خلالها خفض الاستهلاك، إلى الحد الأدنى الممكن، والتنسيق مع شركات التدبير المفوض، للرفع من مستوى التوعية والتحسيس بالاقتصاد في استهلاك الماء خلال الصيف والذروة السياحية.
وتعرضت الفرشة المائية بوزان وشفشاون والعرائش..، لاستنزاف طويل المدى استمر لسنوات، من زراعة القنب الهندي بشكل عشوائي، وإقامة حقول شاسعة من فاكهة الأفوكادو التي تستهلك كميات خيالية من المياه، ما دفع بالعديد من المهتمين بأزمة الماء بالشمال، إلى دق ناقوس الخطر، والتنبيه إلى أن الزراعات التي تستهلك كميات خيالية من الماء ليس من ربح خلفها غير خسارة الثروة المائية، وتصدير المياه بطريقة غير مباشرة، ما يهدد بموجات عطش صعب التعامل معها باعتبار أن مشكل قلة المياه تترتب عنه مشاكل أخرى تتعلق بالهجرة القروية، وانتشار أحزمة الفقر والهشاشة بالمدن، وتراجع الانتاج الفلاحي الذي يشكل عصب الاقتصاد الوطني، ومن خلاله يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء.
ويقوم العديد من أصحاب المشاريع الكبرى والمتوسطة بمدن تطوان والمضيق والفنيدق وغيرها..، بحفر آبار لاستغلال المياه الجوفية (الملك العام المائي)، دون الحصول على أي تراخيص من المؤسسات المسؤولة، وضرورة توفر الجهات المعنية على المسح الكامل للمنطقة التابعة لها، من أجل تنزيل سياسة الاقتصاد وتدبير ملف إكراه المؤشرات السلبية لاستنزاف الثروة المائية في المستقبل، خاصة وتحذير المهتمين من تبعات الاستغلال العشوائي على البيئة.
وتعيش العديد من المجالس الجماعية بالشمال، في سبات عميق وعدم تقدير حجم تبعات أزمة المياه واستنزاف الثروة المائية، وذلك لغياب الكفاءات والطاقات وتركيز الأحزاب على الوجوه التي يمكنها تحقيق هدف الأرقام الانتخابية وجمع الأصوات، لذلك تتكرر مشاكل الحروب المائية التي تخلف ضحايا بمناطق بالشمال، نتيجة التسابق على استنزاف الثروة المائية، وسط مطالب بتنزيل التعليمات الملكية وفق الجودة لتفادي تكرار انقطاع الماء خلال فصل الصيف، وعدم عودة مشكل تقنين التزويد الذي سبق العمل به بالعديد من المدن.
وتشهد العديد من المناطق بجهة الشمال، تساقطات مطرية هامة خاصة خلال فصل الشتاء، فضلا عن توفرها على مخزون مهم من المياه الجوفية التي يجب حسن استغلالها إلى جانب التركيز على الاستمرار في سياسة إنشاء السدود ومشاريع تحلية مياه البحر وإعادة استعمال مياه التطهير السائل بعد عملية التصفية بمحطات خاصة بذلك، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية في الموضوع.
مساءلة الحكومة
وجه العديد من البرلمانيين سيلا من الأسئلة إلى نزار بركة وزير التجهيز والماء، ومحمد الصديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، في موضوع مشاكل الماء الصالح للشرب بأقاليم شفشاون ووزان وتطوان..، وذلك وسط مطالب بتسريع وتيرة مشاريع والتساؤل حول استمرار الاحتجاج على ندرة المياه وبطء ربط المناطق القروية بشبكة الماء الصالح للشرب.
ونبهت البرلمانية سلوى البردعي وزارة التجهيز والماء، إلى أنه في ظل قلة التساقطات وعدم انتظامها، أصبحت بعض المناطق ببلادنا تعاني من ندرة الماء ونضوب عدد من الينابيع والسواقي التي تزود السكان بمياه السقي والشرب، ما تسبب في خروج سكان دوار بوفنزار جماعة سيدي رضوان إقليم وزان في وقت سابق للاحتجاج والمطالبة بإنهاء شبح العطش.
وأضافت المتحدثة أن ما يفاقم الوضعية بالدوار المذكور، هو غياب ربطه بشبكة الماء الصالح للشرب، وضرورة فك العزلة ليتمكن السكان من الولوج السهل إلى المناطق المجاورة، لذلك فوزارة التجهيز والماء مطالبة بالكشف عن الإجراءات التي ستقوم بها لإنقاذ سكان الدوار المذكور من شبح العطش وفك العزلة لتحقيق الأهداف التنموية المسطرة والاهتمام بالعالم القروي.
وحسب مصادر الجريدة فإن معاناة سكان دواوير بوزان من قلة مياه الشرب، والانتقال لمسافات من أجل جلب الماء، هي المعاناة نفسها التي تتكرر بدواوير تطوان وشفشاون والعرائش..، لذلك فإن الحلول الشاملة توجد في المخطط الوطني للماء، والإسراع بتنفيذ مشاريع سدود، وحفر أثقاب مائية لتزويد السكان بمياه الشرب، والعمل على وقف استنزاف الفرشة المائية، والتوعية والتحسيس بأهمية الاقتصاد في استهلاك المياه كمادة لا حياة بدونها.
وطرح الفريق الاستقلالي بالمؤسسة التشريعية بالرباط، معاناة سكان العديد من الدواوير التابعة لإقليم تطوان، وبالضبط دوار أشلور التابع لجماعة أولاد علي منصور، قيادة بني حسان جراء أزمة العطش، إذ تعتبر المنطقة من بين الجماعات الترابية التي غابت عنها مؤشرات التنمية، وتغيب فيها أبسط متطلبات الحياة الكريمة وعلى رأسها ندرة الماء لعدة سنوات، بالإضافة إلى وعورة المسالك الطرقية.
وطالب الفريق الاستقلالي، وزير التجهيز والماء بالتفاتة سريعة، قصد مد سكان دواوير بتطوان بالماء الشروب، وإنهاء رحلة البحث اليومي عن الماء من مناطق بعيدة، ما يتطلب اتخاذ كافة الإجراءات لتزويد الدواوير المعنية بالمادة الحيوية وعلى رأسها دوار أشلور التابع لجماعة أولاد علي منصور، قيادة بني حسان بإقليم تطوان.
حرب مستمرة
تواصل مصالح وزارة الداخلية بالشمال، مواجهة مشاكل العطش ومطاردة شبكات زراعة القنب الهندي خارج التقنين لمنعها من استغلال موارد مائية بشكل عشوائي، فضلا عن تحرير ينابيع ونقط للتزود بالماء، والعمل على تتبع أشغال سدود ومشاريع لحل أزمة مياه الشرب، ناهيك عن بحث سبل تعميم شبكة الماء على العديد من الدواوير والقطع مع مشاكل انقطاع الماء أو تراجع الصبيب.
وحسب مصادر مطلعة فإن استنزاف الثروة المائية بعدد من المناطق الشمالية، ارتبط بالقطاعات غير المهيكلة بصفة مباشرة، حيث توفير مناصب الشغل والمساهمة في التنمية، ما يتطلب التدريج في تنزيل القرارات التي تروم الخروج من ظلام فوضى القطاعات غير المهيكلة نحو فضاء الهيكلة وتوفير مناصب شغل بكرامة، والعمل في إطار مشروع تقنين الكيف، بشكل يعود على الطبقات الاجتماعية الهشة بمداخيل تحفظ كرامتها عوض استغلالها من قبل شبكات الاتجار في المخدرات التي تبسط يدها على السوق وتتحكم في الأسعار والأرباح.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن التقارير التي تم رفعها بعد حادث وفاة الطفل ريان نتيجة سقوطه بثقب جاف بالقرب من منزله، كشفت عن معطيات صادمة حول عدد الآبار والأثقاب العشوائية، واستنزاف مهول للفرشة المائية، ما تطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الزجرية المستعجلة، ودق ناقوس الخطر لتخفيف الضغط على مياه الأنهار والوديان والينابيع وسط تسجيل تراجع مخيف في الفرشة المائية، رغم التساقطات المطرية.
وتركز التوجيهات الملكية السامية، على ضمان الأمن المائي والغذائي، وكذا ضمان تزويد المواطنين والمواطنات في الحواضر وفي المناطق القروية بالمملكة بالماء الصالح للشرب، فضلا عن الجودة في تتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، وتسريع وتيرة إنجاز السدود الكبرى والصغرى والمتوسطة، والعمل كذلك على تسريع وتيرة محطات تحلية مياه البحر.
وتحظى المشاريع المسطرة لتخفيف أزمة المياه بمناطق بالشمال وباقي جهات المملكة، بتتبع ملكي واهتمام بالغ من المؤسسات المعنية، وسط التحذير من أي تأخر أو اختلالات محتملة، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما جاء في دستور المملكة، والأهمية البالغة للماء في حفظ السلم الاجتماعي ووقف الهجرة القروية، وتحقيق الأهداف التنموية من خلال الاقتصاد في السقي الفلاحي وتخفيف الضغط على الفرشة المائية، وتعميم شبكة الماء الصالح للشرب، وحسن استغلال مياه الأمطار، وتصفية مياه الواد الحار، وتنفيذ مشاريع تحلية مياه البحر لمواجهة النمو الديمغرافي وحاجة السكان للمادة الحيوية التي لا عيش ولاحياة بدونها.