تطوان: حسن الخضراوي
على الرغم من التساقطات المطرية الهامة، التي تشهدها مناطق الشمال بشفشاون ووزان والحسيمة وضواحي تطوان..، كل فصل شتاء من السنة، إلا أن أزمة المياه مازالت ترخي بظلالها على العديد من الأقاليم بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فضلا عن استمرار الاحتجاجات على العطش بالمناطق النائية، والعشوائية والفوضى في استغلال المياه الجوفية، وحفر آبار دون تراخيص، وخارج الضوابط القانونية المنصوص عليها بخصوص كيفية استغلال الملك العام المائي.
حسب مصادر مطلعة، فإن من أهم أسباب استنزاف الثروة المائية بمناطق بالشمال، شبكات زراعة القنب الهندي من نوع «كريكيتا» التي يتم جلبها من مختبرات سرية بالخارج، وتسببت في أزمة عطش بمناطق وزان وشفشاون وتاونات..، نتيجة استنزاف الثروة المائية الخاصة بالمياه الجوفية ومياه الأنهار والينابيع، حيث يتم استعمال وسائل متطورة ومضخات كهربائية بتقنيات عالية، كان من نتائجها وقف جريان مياه وديان في الكثير من الأحيان، والتسبب في كوارث بيئية، وموجة عطش شملت الإنسان والطبيعة والحيوان.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن المتضررين من اتساع أزمة العطش بمناطق نائية بوزان وشفشاون، سبق تنظيمهم احتجاجات ومسيرات في اتجاه المؤسسات المسؤولة، للمطالبة بتوفير المادة الحيوية المذكورة التي لا حياة بدونها، في وقت مازال تدخل حكومة سعد الدين العثماني، من أجل إيجاد حلول ملموسة لمعالجة مشكل استنزاف الثروة المائية محتشما، ولا يرقى إلى استراتيجيات واضحة تقطع مع الفوضى والعشوائية، وتجتهد في استغلال مياه الأمطار عبر تجميعها، والبحث عن بدائل حقيقية لزراعة القنب الهندي من نوع «كريكيتا»، وهي النبتة التي أصبحت تهدد استقرار سكان المناطق المعنية، بفعل انتشارها واعتمادها من قبل المزارعين لمردوديتها الكبيرة.
في ظل هذه المعطيات والتخبط الحكومي، واحتجاجات السكان على ندرة المياه، وتحذير الجمعيات والمهتمين من أزمة العطش، أتت المبادرة الملكية السامية، التي تمثلت في تعليمات الملك محمد السادس، للعديد من المسؤولين الكبار ووزراء حكومة سعد الدين العثماني، بهدف بلورة مشروع متكامل من أجل تنمية العرض المائي لاسيما من خلال بناء السدود، وتدبير الطلب وتثمين الماء، خاصة في القطاع الفلاحي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، فضلا عن إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، والتواصل والتحسيس من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها.
«كريكيتا» والعطش
من ضمن أهم أسباب أزمة العطش بأقاليم شفشاون ووزان وتطوان.. انتشار زراعة القنب الهندي من نوع «كريكيتا» التي تم جلبها من الخارج خلال السنوات الأخيرة، وتستهلك كميات خيالية من المياه لضمان مردودية أكبر، وأرباح مالية مضاعفة تذهب إلى جيوب الشبكات المنظمة، التي تنشط في المجال وفق خطط محكمة، وتقوم بزراعة مساحات شاسعة من القنب الهندي، كما تستقوي بعلاقاتها الخفية مع سياسيين ومسؤولين.
وكشف مصدر خاص بإقليم شفشاون، أن جلب بذور «كريكيتا» من الخارج، وانتشارها بمناطق زراعة الكيف، أجج الصراعات على مياه السقي، وتهافت الشبكات التي تقوم بزراعة مساحات كبرى، على مياه الوديان والينابيع، وكذا إقامة السدود العشوائية الصغيرة، حيث يتم اللجوء إلى استعمال مضخات كبيرة ومتطورة، تتسبب في انقطاعات متتالية للكهرباء نتيجة العشوائية، فضلا عن تسببها في استنزاف مياه الوديان وتوقفها عن الجريان.
واستنادا إلى المصدر نفسه فإن نبتة القنب الهندي «البلدية»، التي كانت تزرع من قبل، لا تتطلب كميات كبيرة من المياه لسقيها، لذلك لم تظهر أزمة المياه والاحتجاجات إلا بعد دخول النبتة الهجينة، التي تسببت في اشتعال حروب مائية، وصلت حد سقوط قتلى وجرحى في صراعات دامية حول الأحقية في استغلال مياه السقي، والفوضى والعشوائية التي ترتبط بالقطاع.
وأشار المصدر ذاته إلى أن دخول النبتة الجديدة، الأقاليم الشمالية التي اشتهرت بزراعة القنب الهندي، رفع من تجارة المضخات المائية المتطورة، وكافة التقنيات المرتبطة بها، فضلا عن استغلال الكهرباء بعشوائية والقيام بسرقته، والتسبب في أعطاب تقنية للمحولات الكهربائية، ما جعل سكان العديد من القرى النائية يعيشون في الظلام لأيام وأسابيع في بعض الأحيان، رغم الاحتجاجات المتكررة والمطالبة بالمراقبة وزجر المخالفين حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
وكانت العديد من الجمعيات المهتمة بالبيئة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، نبهت السلطات والمؤسسات المسؤولة، إلى الكوارث البيئية الناتجة عن الاستغلال العشوائي لمياه الوديان والينابيع والجداول..، من قبل الشبكات المنظمة لزراعة نبتة الكيف «كريكيتا»، حيث تسبب جفاف بعض الوديان في نفوق مجموعة من الأسماك وتدمير كائنات حية، إلى جانب العطش الذي يصيب السكان الذين يعتمدون على صبيب الأنهار في تربية المواشي وسقي المزروعات، وأنشطة فلاحية بسيطة.
ركوب سياسي
وجهت اتهامات بالركوب السياسي من قبل أحزاب الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية والاتحاد الدستوري وكذا حزبي الحركة الشعبية والاستقلال..، على أزمة الماء بمناطق الشمال، ما تسبب في تعطيل إيجاد الحلول المناسبة، وتوالي اللقاءات والاجتماعات، وسط استمرار احتجاجات السكان المتضررين، وفي ظل غياب الدراسة المتأنية للأسباب الحقيقية لموجة العطش، ومحاولات التستر على استنزاف زراعة القنب الهندي الثروة المائية بطرق ملتوية، حيث يتم تجاهل مناقشة الأمر من قبل السياسيين والبرلمانيين، لحساسية الموضوع وارتباطه بالخوف من فقدان القواعد الانتخابية.
وسُجل فشل جل المجالس الجماعية التي تتحمل المسؤوليات بالمناطق النائية، في التعامل مع أزمة الماء بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، لغياب الكفاءات التي يمكنها تقدير تحذيرات الجهات المختصة من عواقب استنزاف الثروة المائية، والتقلبات المناخية التي يشهدها المغرب بصفة عامة، إلى جانب تراجع نسبة التساقطات خلال السنوات الأخيرة.
وبادرت ولاية جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، في وقت سابق، إلى عقد لقاء موسع بتطوان، حضره مجموعة من عمال الأقاليم ورؤساء الجماعات وممثلي المؤسسات المسؤولة، حيث استغرق العديد من السياسيين في التحذير من موجة العطش بشفشاون ووزان، علما أنهم يتحملون المسؤولية، وعليهم الاجتهاد لطرح الحلول المناسبة، وإخراج مشاريع إلى الوجود بتنسيق مع المؤسسات المعنية، سيما وأن تشخيص الأزمة أصبح مبالغا فيه، وقد نبهت إلى ذلك مجموعة من الخطب الملكية السامية.
ويرى العديد من المتتبعين للشأن العام الجهوي بالشمال، أن كل الأحزاب السياسية تقترب من موضوع أزمة المياه بحذر، وجل المسؤولين يتحاشون التطرق لنبتة الكيف «كريكيتا» التي تجلب من الخارج، لأن توجيه الاتهام إلى شبكات زراعة القنب الهندي يعني الموت السياسي وفقدان القواعد الانتخابية، حيث يتم الاكتفاء بالتطرق لنتائج المشكل عوض البحث في الأسباب الحقيقية.
وحسب مصدر مطلع، فإن مجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، الذي يرأسه حزب الأصالة والمعاصرة، منح وعودا بالجملة لسكان المناطق القروية بوزان والحسيمة وشفشاون، تتعلق بتجاوز أزمة مياه الشرب، لكن الوعود المذكورة تبخرت ويستحيل تنفيذها كاملة، خلال المدة المتبقية من الولاية الانتخابية، والتي تحملت فيها فاطمة الحساني مسؤولية الرئاسة بعد استقالة إلياس العماري من منصبه، وفشله الذريع في حل مجموعة من الملفات الاجتماعية المتراكمة.
مشاريع متعثرة
أثار تعثر بعض المشاريع الخاصة بتوفير الموارد المائية بشفشاون ووزان، احتجاجات السكان المتضررين، وقيامهم بمسيرات في اتجاه المؤسسات المعنية، حيث وصل صدى الملف إلى المؤسسة التشريعية، من خلال مساءلة وزراء حكومة سعد الدين العثماني حول تأخر مشاريع، واستفسارهم عن تاريخ انطلاق استفادة سكان العديد من الجماعات الترابية من إقامة السدود.
واعترف عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، في معرض جوابه عن أسئلة كتابية لبرلمانيين حول أزمة مياه الشرب بشفشاون، ببعض الإكراهات التي تتسبب في تأخر تنفيذ المشاريع، منها التعرضات التي يقوم بها السكان المتضررون من تمرير القنوات داخل أراضيهم، فضلا عن البحث في إمكانية استغلال مياه الأمطار في المستقبل، وتجاوز كل إكراهات تأخر مشاريع السدود بالمنطقة، إلى جانب تحديد تاريخ بداية استغلال مشاريع وتوفير الاعتمادات المالية الضرورية.
وتناول العديد من المتدخلين والمشاركين في اجتماع حول معالجة مشكل ندرة المياه بتطوان، مشاكل وتبعات التأخر الحاصل في تنفيذ مجموعة من المشاريع المرتبطة بقطاع الماء الشروب بإقليم شفشاون، حيث سبق وطالب التجمع الوطني للأحرار بضرورة تشييد سدود إضافية تنهي مشاكل الفيضانات، ويتم من خلالها استغلال مياه الأمطار التي تذهب في اتجاه البحر، ويبقى السكان في حاجة ماسة إليها لتفادي مشاكل ندرة مياه الشرب والسقي.
وكان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قام بتخصيص ميزانية تفوق 2,3 مليار درهم، من أجل تعزيز تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، على مستوى جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، حيث تروم هذه المشاريع المبرمجة، التي تندرج ضمن التنزيل الجهوي للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020 – 2027، تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، والقضاء على الهشاشة التي تعرفها بعض المناطق النائية، عبر تسريع وتيرة إنجاز البرامج المسطرة من طرف مختلف المتدخلين واعتماد برنامج تكميلي بالنسبة للمناطق غير المشمولة بالبرامج الجارية.
فوضى وعشوائية
كسائر مشاكل استغلال الملك العام، يشهد تدبير الملك العام المائي بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فوضى وعشوائية عارمة، على مستوى استنزاف مياه الوديان والينابيع وحفر الآبار دون الحصول على التراخيص الضرورية، فضلا عن غياب شبه تام للجان المراقبة، بسبب قلة الموارد البشرية المكلفة بالقطاع، وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة في حق من يستنزفون الثروات المائية بالمناطق النائية وكذا داخل المدار الحضري.
ويقوم العديد من أصحاب المشاريع الكبرى والمتوسطة بمدن تطوان والمضيق والفنيدق وغيرها..، بحفر آبار لاستغلال المياه الجوفية (الملك العام المائي)، دون الحصول على أي تراخيص من المؤسسات المسؤولة، وضرورة توفرها على المسح الكامل للمنطقة التابعة لها، من أجل تنزيل سياسة الاقتصاد وتدبير ملف إكراه المؤشرات السلبية لاستنزاف الثروة المائية في المستقبل، خاصة وتحذير المهتمين من تبعات الاستغلال العشوائي على البيئة.
وذكر مصدر أن حكومة سعد الدين العثماني مدعوة إلى حسن استغلال مياه الأمطار التي تتساقط بمناطق بالشمال، عوض تركها تذهب في اتجاه الشواطئ، وذلك من خلال تنزيل استراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار أزمة مياه الشرب والاحتجاجات المصاحبة، فضلا عن الصرامة في ردع من يستنزفون الثروات المائية بشكل عشوائي، ومراجعة عمليات حفر الآبار للقطع مع الفوضى والعشوائية.
وأضاف المصدر نفسه أن لا أحد يريد تكرار مشاكل الحروب المائية التي تخلف ضحايا بمناطق بالشمال، نتيجة التسابق على استنزاف الثروة المائية، في سقي نبتة الكيف «كريكيتا»، كما لا أحد يريد عودة هاجس انقطاع الماء خلال فصل الصيف، وتقنين التزويد بالعديد من المدن، خاصة وأن مناطق الشمال تشهد تساقطات مطرية هامة، فضلا عن توفرها على مخزون مهم من المياه الجوفية التي يجب حسن استغلالها إلى جانب التركيز على إنشاء السدود تنفيذا للتعليمات الملكية السامية في الموضوع.