شوف تشوف

الرئيسيةخاص

البناء العشوائي والهجرة القروية بالشمال..مشاريع تستنزف الملايير ومنتخبون مهددون بالعزل

تطوان: حسن الخضراوي

تُلفت نظر كل زائر لمدن تطوان والمضيق والفنيدق ومرتيل بالساحل الشمالي، الإصلاحات والمشاريع الملكية الضخمة لتنمية القطاع السياحي، لكن مع التوغل داخل الأحياء الهامشية والعشوائية، التي تسببت فيها الهجرة القروية المكثفة طيلة السنوات الماضية، نتيجة فشل حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني في الحد من البطالة، تتفاجأ بعالم العشوائية والفوضى في كل مناحي الحياة، وانتشار الفقر والبطالة والاتجار في المخدرات والتطرف الديني، وخطر الاستقطاب من الجماعات الإرهابية التي تعمل السلطات الأمنية والأجهزة الاستخباراتية على تفكيكها بتوجيه ضربات استباقية.

خلال جولتها بالعديد من مدن الشمال، عاينت «الأخبار» أحياء عشوائية تفتقد لأبسط شروط ومعايير العيش الكريم، حيث الأزقة الضيقة جدا، ومشاكل غياب الطرق و أعطاب قنوات الصرف الصحي، إلى جانب غياب التنظيم في التصفيف قبل البناء، وظهور بنايات إسمنتية من بعيد وكأنها وحوش تتسلق الجبال، في مشهد يتعارض مع الطموح لبناء مدن حديثة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المبادرات الملكية، بتوفير العيش الكريم للمواطنين وجلب استثمارات سياحية ضخمة للتنمية وتحريك عجلة الاقتصاد.
ومن ضمن الأحياء العشوائية الكبرى التي تشكل نقط سوداء بمدن الشمال هناك ؛ حي كرة السبع بتطوان وحي الديزة بمرتيل وأحياء بالمضيق، وحي رأس الوطا وحومة ربع ساعة بالفنيدق، وحي البوير بجماعة أزلا..، حيث تشترك الأحياء المذكورة وغيرها في مظاهر العشوائية، والاستغلال السياسي من قبل الأحزاب لجمع الأصوات، وإطلاق وعود معسولة بتوفير البنيات التحتية والمرافق العمومية من ملاعب ومكتبات وتجهيز البنيات التحتية وتعميم شبكة الماء والكهرباء والتطهير السائل.
التجزيء السري، حسب مصادر مطلعة، يكلف ميزانية الدولة الملايير من أجل إطلاق مشاريع تجهيز البنيات التحتية، حيث تقوم لوبيات متحكمة لها علاقات خفية مع مسؤولين وسياسيين، ببيع قطع أرضية بواسطة عقود عرفية أو بالتوثيق عند العدول، قبل أن تنطلق عمليات البناء العشوائي خارج أي تصاميم تهيئة أو إعادة الهيكلة، ودون الحصول على التراخيص الضرورية، أو دفع أي تكاليف لخزينة الدولة، إذ بمجرد ما يتم فرض الأمر الواقع وتشييد أحياء عشوائية ذات كثافة سكانية عالية، تركب المجالس الجماعية الموجة، وتطالب بحق السكان في البنيات التحتية لاستغلالهم سياسيا، علما أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تتحمل عبء كل شيء تقريبا، بشراكة مع الجماعات الحضرية المعنية.

غياب البنيات التحتية بحي رأس الوطا العشوائي بالفنيدق

خطر الفيضانات
من أخطر ما يواجه البناء العشوائي بمدن الشمال، حدوث فيضانات بشكل متكرر عند التساقطات المطرية، وذلك بسبب استحالة إيجاد حلول ناجعة لمشاكل البناء داخل مجاري الوديان، رغم المشاريع التي أنجزتها الدولة بالملايير، لخفض خطر الفيضانات وتصريف مياه الأمطار، حماية لأرواح المواطنين وممتلكاتهم، وتدبير الأمر الواقع الذي فرضه الاستغلال السياسي لأحياء عشوائية، شوهت معالم المدن بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة.
(ب،م) عن جمعية حقوقية بواد لو، قال إن الرأي العام المحلي ينتظر مآل التحقيق في محضر رقم 2019/3211/12912، والمتعلق بشكاية إلى النيابة العامة المختصة بتطوان، قصد الاستماع إلى برلمانيين وسياسيين وتجار مخدرات، يشتبه في تورطهم في البناء بمحارم الطرق والوديان بالمنطقة، خارج الحصول على تراخيص البناء التي توافق عليها مصالح الوكالة الحضرية وقسم التعمير بالعمالة، وتخضع لتصاميم التهيئة المصادق عليها من قبل الجهات الحكومية المختصة.
الفرقة الوطنية للدرك الملكي تبحث بدورها، استنادا إلى ما أكده المتحدث نفسه، في ملفات تسليم وتوقيع رخص بناء انفرادية بجماعات بإقليم تطوان، ما ضيع على الميزانية مداخيل ضخمة، يمكن استثمارها في التنمية وإطلاق مشاريع البنيات التحتية الضرورية، وتجويد الخدمات العمومية بما يضمن العيش الكريم لجميع السكان، والخروج من مأزق الديون المتراكمة وعجز الميزانية.
الشكايات التي وضعت ضد برلمانيين وسياسيين للاشتباه في تورطهم في البناء بمحارم الوديان، وتشييد عمارات شاهقة خارج تصاميم التهيئة، تم تعزيزها، حسب الفاعل الجمعوي، بمحاضر إثبات منجزة من قبل مفوض قضائي، فضلا عن التفصيل في الشكاية التي تتوفر الجريدة على نسخة منها لإظهار كافة الحيثيات، قصد مساعدة النيابة العامة لسرعة كشف التهم بعد دراسة المحاضر التي تشرف عليها الضابطة القضائية المكلفة.
ومن ضمن الأحياء العشوائية التي تتهددها الفيضانات بشكل خطير جدا، حي الديزة بمرتيل، الذي تم تشييد العديد من المساكن داخله، بطمر المياه والبناء فوقها، فضلا عن انتشار العقود العرفية، وعدم التوفر على وثيقة الملكية، وقد سبق للسلطات المختصة فتح تحقيقات في ملف البناء العشوائي بالحي، انتهى بعضها بتوجيه المتهمين إلى القضاء كمخول وحيد للفصل في التهم، إلى جانب إصدر عقوبات تأديبية في حق مسؤولين.

جانب من أحياء عشوائية بإقليم المضيق

استغلال سياسي
تقوم الأحزاب السياسية عند كل موعد انتخابات، باستغلال الأحياء العشوائية، من أجل جمع الأصوات وإطلاق وعود بتجهيز البنيات التحتية، وتوفير الكهرباء والماء، ومنح شواهد إدارية، وذلك دون أدنى تحرك من قبل الجماعات الترابية المعنية، للمساهمة في الحد من تنامي الفوضى في البناء، ووقف التجزيء السري، والهجرة القروية للعمل بقطاعات غير مهيكلة، ما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الفئات الشابة.
السلطات المحلية بتطوان، بتنسيق مع السلطات الإقليمية، قامت بشن حملات لهدم البناء العشوائي بأحياء راقية وأخرى هامشية، فضلا عن منع استغلال إجراءات كوفيد 19، وقانون الطوارئ الصحية، لارتكاب مخالفات تعميرية، والإسراع لاستكمال بنايات قصد فرض الأمر الواقع، والتعقيدات المسطرية التي تتعلق بمخالفات قديمة يصعب هدمها، سيما بنايات تستخدم لأغراض السكن أو مشاريع خاصة.
ومازالت تداعيات مراسلة عامل إقليم تطوان، لمحمد إدعمار رئيس الجماعة الحضرية، في موضوع وقف توقيع رخص انفرادية تتعلق بالربط بشبكة الماء والكهرباء، تخيم على صراعات قوية بين الطرفين، وتبادل اتهامات حول الأسباب الحقيقية لانتشار البناء العشوائي، حيث خرج إدعمار بتصريح لموقع حزبه الرسمي، قال فيه، «أيهما يسبق الآخر، التزود بالماء والكهرباء، أم بناء البيت واستكمال جميع أساساته؟»، مضيفا أن «الموضوعية تقتضي نقل الحقيقة كاملة، وعدم تحميل الجماعة مسؤولية تقصير لا يد لها فيه».
السلطات الإقليمية بتطوان ما زالت تبحث في ملفات خاصة باستغلال قرارات انفرادية لرئيس الجماعة الحضرية انتخابيا، ومحاولة «البيجيدي» توسيع القواعد الانتخابية بالهوامش، باستغلال الربط بشبكة الماء والكهرباء والتطهير السائل، فضلا عن تحديد المسؤوليات لربطها بالمحاسبة في قضايا تضييع ميزانيات ومداخيل مهمة على مؤسسة الجماعة والدولة.
وتقوم السلطات المختصة، بدوريات مكثفة بالأحياء الهامشية، لضمان عدم انتشار والحد من ظاهرة البناء العشوائي، في ظل الانشغال بتنزيل إجراءات الوقاية من الجائحة، فضلا عن حماية الملك الغابوي بالهوامش، ومنع الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالعقود العرفية لبيع قطع أرضية، والسمسرة في عقارات، وتسهيل خرق قوانين التعمير، والتجزيء السري.

فوضى الرخص
تورط العديد من رؤساء الجماعات الترابية والبرلمانيين بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، في منح وتوقيع رخص بناء انفرادية، لا تحترم قوانين التعمير المعمول بها، وتخالف توجيهات عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، كما تشكل خرقا سافرا لمضامين تصاميم التهيئة المصادق عليها، ولا يتم عند توقيعها استشارة مصالح الوكالة الحضرية ولا قسم التعمير بالعمالة.
ومن ضمن الرؤساء الذين تورطوا في منح رخص بناء انفرادية وتمت مقاضاتهم من قبل مصالح عمالة تطوان، أو الجهات المتضررة، هناك رئيس جماعة أزلا وبرلماني حزب التقدم والاشتراكية العربي احنين، ورئيس جماعة واد لو وبرلماني حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد الملاحي، ورئيس جماعة زاوية سيدي قاسم عن حزب التقدم والاشتراكية، ورئيس جماعة بني سعيد عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فضلا عن رئيس جماعة بنقريش عن حزب الأصالة والمعاصرة الذي تم عزله لنفس أسباب البناء العشوائي.
الرخص الانفرادية التي تم منحها من قبل رؤساء الجماعات المعنيين بالشمال، تم إسقاطها جميعها من قبل المحاكم الإدارية، مع الأمر بترتيب الآثار القانونية على ذلك، ومازالت السلطات الإقليمية، بحسب مصادر مطلعة، تدرس تقديم ملفات عزل ضد الرؤساء والبرلمانيين المعنيين، بسبب مخالفتهم القوانين وخرق القانون التظيمي للجماعات الترابية 113/14، والمساهمة في انتشار العشوائية، وعدم احترام تصاميم التهيئة.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن منح الرخص الانفرادية، يتم من قبل رؤساء جماعات لبناء مشاريع عقارية من الأساس، ومنح الموافقة على طوابق متعددة، وتوقيع تراخيص السكن، للربط بشبكة الماء والكهرباء والتطهير السائل، حيث يقوم المستفيدين بعمليات بيع دون استفادة خزينة الدولة من المستحقات الضريبية، ومخالفة المسار القانوني والمؤسساتي الذي يسلكه المستثمرون في العقار للحصول على تراخيص تتعلق بالعملية التعميرية والبيع.

تبعات الهجرة القروية
ساهم ارتفاع الهجرة القروية واستقبال مدن تطوان ومرتيل والمضيق..، جحافل من السكان الذي هجروا قراهم للاستقرار بهوامش المدن بحثا عن فرص عمل بالقطاعات غير المهيكلة، في انتشار رقعة البناء العشوائي، والتهافت على اقتناء قطع أرضية غير مجهزة، ما ساهم في انفجار ديمغرافي ملحوظ، تطلب استنفار كافة المؤسسات لتوفير التعليم والأمن، وتجهيز البنيات التحتية وإعادة الهيكلة.
وتضاعفت مشاكل انتشار استهلاك المخدرات، والتطرف والجريمة، في صفوف سكان الأحياء الهامشية، حيث تبذل السلطات الأمنية، مجهودات جبارة لمعالجة الملفات الأمنية، في ظل فشل حكومي في معالجة مشكل البطالة، وغياب رؤية استراتيجية لطرح البديل عن القطاعات غير المهيكلة.
وتحاول الدولة من خلال القوانين الجديدة للتعمير، وربط المسؤولية بالمحاسبة في البناء العشوائي، تجاوز المشاكل والاكراهات المتعلقة بصرف ميزانيات ضخمة لتوفير البنيات التحتية بالهوامش، خاصة واعتماد مقاربة التجهيز القبلي، والقطع مع التجزيء السري، وضمان تهيئة شوارع في المستوى وتوفير مرافق عمومية، ومتابعة احترام تصاميم التهيئة في العملية التعميرية.
وبدا واضحا من خلال مؤشرات متعددة، فشل المجالس الجماعية في رسم استراتيجية للخروج من مأزق العشوائية والفوضى في البناء، سيما في ظل تورط سياسيين في خروقات تعميرية بالجملة، واستغلال الأحزاب للعشوائية انتخابيا، عوض الاجتهاد في التنمية وتوفير السكن اللائق للمواطنين وفرص العمل بكرامة، كما ينص على ذلك دستور المملكة، والتوجيهات الملكية السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى