الأخبار ترصد تفاصيل مشجعين رجاويين عائدين من سجن الحراش
أفرجت السلطات الجزائرية عن المشجعين المغربيين اللذين اعتقلا بالجزائر، وذلك بعد قضائهما أزيد من شهرين في سجن الحراش، عقب حادث الطائرة الجزائرية قبيل المباراة التي جمعت الرجاء البيضاوي ووفاق سطيف الجزائري برسم دوري أبطال إفريقيا. وشهدت أزمة مشجعي الرجاء البيضاوي سلمان العسري ومحمد ياسر المالقي انفراجا بعد قرار السلطات الجزائرية العفو عنهما بمناسبة عيد الاستقلال، حيث أصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أوامر عفو عن مجموعة من السجناء، ومن ضمنهم مشجعا نادي الرجاء البيضاوي.
يأتي قرار الإفراج بعد شهرين وستة أيام من توقيف المشجعين المغربيين اللذين انتقلا إلى الجزائر لمساندة فريق الرجاء الرياضي خلال المباراة التي أقصي فيها أمام مضيفه وفاق سطيف، لحساب إياب دور ثمن نهائي دوري الأبطال الإفريقية، حيث تم اعتقالهما في مطار الجزائر العاصمة قبل المباراة التي شهدت أعمال عنف تدخلت إثرها الشرطة، ما أدى إلى إصابة عدد من مشجي الرجاء البيضاوي، واعتقال آخرين، قبل أن تفرج عنهم لاحقا.
وأدانت المحكمة المشجعين المغربيين بستة أشهر حبسا نافذا بعد ثلاثة أسابيع من اعتقالهما، بعدما وجهت لهما تهم ثقيلة من قبيل السكر العلني وتهديد الأمن العام، وتعريض حياة ركاب الطائرة للخطر، فضلا عن تكسير وتخريب ممتلكات الغير.
غادر ياسر وسلمان سجن الحراش حيث كانا يقضيان العقوبة السجنية، لكن ترحيلهما من طرف سفارة المغرب في الجزائر تأخر طويلا، بدعوى الإجراءات الإدارية، لكن تبين أن السفارة كانت ترغب في ترحيلهما مع مجموعة من «الحراكة»، وهو ما رفضه أهالي المفرج عنهما.
«الأخبار» واكبت وصول العائدين من الحراش والتقت أفراد أسرهما وعاشت لحظات اختلطت فيها دموع فرح انفراج الأزمة بالبكاء على محنة أريد لها أن تنسحب قبل نهاية شهر رمضان الفضيل.
محام جزائري يذكر القاضي بجنسية مؤسس الرجاء
بعد اعتقال الشابين ياسر وسلمان وإحالتهما على سجن الحراش بقرار من السلطات الأمنية لمطار هواري بومدين، كان لابد من انتداب محام للدفاع عن المعتقلين، سيما أن القضاء الجزائري قدم توصية في هذا الشأن وطالب بضرورة توكيل دفاع يتابع القضية عن قرب. حدد تاريخ الجلسة وأصبح موعدها يزحف بقوة، ما اضطرت معه أسرتا المعتقلين إلى تنسيق جهودهما من أجل تعيين محام موحد مادامت القضية واحدة.
بتوصية من أحد الأقارب اهتدى الطرفان إلى محام جزائري اسمه بنهاشم لمناصر، الذي أعرب عن رغبته في الدفاع عن الشابين، بل إنه انتدب ابنه المهدي وهو محام شاب لمساعدته على احتواء القضية. ليس سهلا انتداب محام عن بعد، فالمسطرة القضائية تقتضي وجود توكيل رسمي من ولي أمر كل معتقل، وهو ما حصل بأقصى سرعة فموعد أول جلسة كان على مرمى حجر، وانتظار المفاوضات مع المكتب المسير للرجاء مجرد مضيعة للوقت والجهد.
توصل المحامي بالتوكيل وأتعابه التي بلغت ألف دولار، عن كل ملف، وراح يبحث عن ثغرات في القضية، وهو يروي تاريخ الرجاء ويحيل هيئة المحكمة على وجود رجل اسمه حجي بن عبادجي، جزائري الجنسية مغربي القلب والانتماء، كان وراء تأسيس الرجاء ونال شرف محتضنها، واعترف المحامي بحب الجزائريين للرجاء، وقال إن حالة ياسر وسلمان لا تختلف عن حالة مناصريين يساندون فريقا جزائريا وجدا نفسيهما وراء الزنزانة.
الحسين والد سلمان: «بودريقة خذلني»
على الرغم من المصاب ظل الحسين العسري والد سلمان حريصا على الالتزام بهدوئه على امتداد أطوار القضية، يردد كلما توقف عن الكلام المباح الحوقلة، ومسح بيمناه لحيته البيضاء التي ترمز لوقار هادئ. يقول الحسين وهو يتذكر أصعب لحظات النازلة التي يعتبرها قضاء وقدرا: «حين علمت باعتقال ابني في الجزائر لم أعرف ما سأقدم وما سأؤخر، كنت في صلواتي أدعو الله ليفك أسر ابني وصديقه، بينما أنا في حيرة من أمري اتصل بي محمد بودريقة رئيس الرجاء البيضاوي، وسألني عن أحوال ابني وقال لي إنه قرر تعيين محاميين للدفاع عن المشجعين وأن الرجاء لا يمكنه أن يتخلى عن أنصاره في هذه المحنة. سررت بهذه الالتفاتة وأخبرت أسرة ياسر بفحوى المكالمة لكن مع مرور الوقت واقتراب موعد المحاكمة، تبين أن وعد الرئيس مجرد كلام، وحين كنت أتصل به لا يرد على مكالماتي.. حينها توجهت إلى مقر إدارة الرجاء البيضاوي لعرض القضية مباشرة، فاستقبلني محمد الناصري، مدير النادي، وطلب منني معلومات حول تاريخ المحاكمة والتهم والإجراءات ووعدني خيرا، لتنتهي الزيارة وأعلم أن انتظار تدخل الرجاء مجرد مضيعة للوقت».
تقرر تعيين محام مشترك بين أسرتي ياسر وسلمان، وكتب الحسين توكيلا للمحامي الجزائري ليرافع عن ابنه، بينما تقرر إيفاد شقيقه لقمان إلى الجزائر لمتابعة الوضع عن قرب وزيارته كل أربعاء محملا بقفة الزيارة الأسبوعية.
لم تتوقف أسرة العسري عن النضال من أجل لفت نظر الرأي العام إلى اختفاء ابنها في الجزائر، بل إن لقمان شقيق المعتقل اعتقل في الرباط وتم الاعتداء عليه في ملعب الأمير مولاي الحسن خلال المباراة التي جمعت الرجاء بالفتح، فقط لأنه حمل لافتة يطالب فيها بالتدخل للإفراج عن سلمان وياسر، قبل أن يفرج عنه في نهاية المباراة.
يقول الحسين إن الاعتقال كلف الأسرة مبالغ مالية مهمة قاربت 52 ألف درهم، دون احتساب تذاكر السفر، «المشكل أن الحكومة المغربية لا تقدم لنا تسهيلات لأداء هذه المبالغ بالعملة المغربية، لقد وجدنا صعوبات في التحويل وكنا نطلب من أسرة مقيمة في الجزائر تسديد المبلغ ونحن نسلمها في المغرب لأقاربها».
عبد العالي والد ياسر: «عرضت منزلي للبيع»
لا تختلف محنة أسرة ياسر عن محنة أسرة سلمان، فهما في هم الاعتقال سواء، لكن خطوط الاتصال لم تنقطع بينهما وتنسيق الجهود وتوحيدها كان أمرا محتوما في قضية واحدة، يروي عبد العالي المالقي والد ياسر، المحنة بتأثر كبير: «منذ 29 أبريل إلى يوم الإفراج عن ياسر وسلمان ونحن نعاني، لقد انقلبت حياتنا رأسا على عقب، كنا نعيش حياة هادئة قبل أن يحصل زلزال كاد أن يبعثر كل شيء، خاصة حين وجدنا أنفسنا دون سند، فرئيس الفريق أغلق هاتفه والإداريون لا حول ولا قوة لهم، لذا قررت السفر إلى الجزائر حيث كنت أقيم عند أسرة هناك قبل أن أستأجر غرفة في فندق بالحراش غير بعيد عن السجن وأتابع القضية مع المحامي، بسعر لا يقل عن 400 درهم لليلة مع مصاريف التنقل والقفة. صدقني لقد وضعت على منزلي بالدروة علامة «للبيع» وفكرت في بيع المسكن لتوفير المال الكافي لمواجهة الاعتقال، فأنا متقاعد من فرقة المظليين وكنت أعيش حياة هادئة قبل أن تدخل حياتي نفقا مظلما، لقد فاقت المصاريف في ظرف شهرين 50 ألف درهم».
يقتسم الأب معاناته مع زوجته التي فقدت تركيزها وانتابها المرض وغابت عن فصول الدراسة لعدم قدرتها على تعليم النشء بعقل مسافر على الدوام إلى الحراش.
سلمان: «شاهدنا مباراة نجم الساحل من السجن»
انخرط سلمان منذ مغادرته بوابة المغادرة، في صمت رهيب كان يعتقل دموعه، ويشعر بحجم الألم الذي نزل على أسرته، فقد كانت مضاعفات اعتقاله فوق كل التصورات، إذ اضطرت الأسرة إلى إغلاق محل بيع الوجبات الخفيفة الذي كان يديره هو وشقيقه لقمان في حي الصدري بالدار البيضاء.
سألت «الأخبار» المفرج عنه عن معاملة الجزائريين لمغربي في المعتقل، خاصة من سجناء الحق العام، فقال: «الشكر الجزيل لجميع الجزائريين وللشعب الجزائري تعاملوا معنا بـ«الرجولة» وقدموا لنا كل التسهيلات ليكون اعتقالنا بأقل معاناة، للأسف المكتب المسير للرجاء لم يكن في المستوى تجاهلنا عكس إخواننا الرجاويين والجزائريين الذين آزرونا، فقد قيل لنا إنهم رفعوا صورنا في الملعب وقاموا بوقفة سلمية أمام قنصلية الجزائر في الدار البيضاء، كما أن إدارة السجن كانت متفهمة جدا، وحين طالبناها بتمكيننا من متابعة مباراة الرجاء البيضاوي ضد وفاق سطيف أو مباراة سوسة ضد نجم الساحل قبلت الملتمس ووفرت لنا ظروف الفرجة لأنها تعرف مدى عشقنا للرجاء».
سألنا سلمان عما إذا كان سيعلن توبته ويتوقف عن السفر مع الرجاء بعد هذا المصاب، فكان رده واضحا: «القضية قضية قضاء وقدر لا يمكن أن أتوقف عن متابعة فريقي فقط لمجرد اعتقال، يمكن أن أعتقل بسبب آخر خارج نطاق الكرة فالله هو الذي يعلم مصيرنا.. الرجاء في القلب حتى وأنا في سجن الحراش كنت أدعو لفريقي بحسن الخاتمة، لقد عشقت الرجاء منذ الطفولة وتابعت مبارياته وعمري 12 سنة وسافرت معه في كل أرجاء الوطن، ولا يمكن أن أنهي هذه الحكاية لمجرد فترة اعتقال».
ياسر: «الجزائريون أحسنوا معاملتنا»
قدر ياسر المالكي أن يحتفل بعيد ميلاده الـ24 في الجزائر بعيدا عن موشحات «السنة الحلوة» وأنواع الحلويات والمشروبات والشموع المضيئة، لكن رفاق ياسر استقبلوه بأهازيج «لانيفرسير» ورددوا بعد أن خرج من المطار «سنة حلوة يا ياسر»، في إشارة إلى احتفال أجلته زنزانة سجن الحراش. بل إن أناشيد المدرجات حضرت بقوة في بهو المطار احتفاء بإطلاق سراح عنصرين أساسيين من مكونات «المكَانة».
قال ياسر: «أشكر الشعب الجزائري على حسن المعاملة، لقد كان إخواننا في الجزائر سندا لنا في محنتنا، في الوقت الذي انهالت علينا بعض الكتابات الصحفية المغربية بالضرب والجلد، لقد كتبوا أشياء لا علاقة لها بواقع الحال هناك، ومنهم من توعدنا بأقسى العقوبات. نحن مجرد مشجعين حصل لهما سوء تفاهم مع طاقم الطائرة، لقد أدينا ثمن حبنا للرجاء ونحن سعداء بذلك، للأسف لا أحد اهتم بنا باستثناء المحامي وابنه وأسرنا وأصدقائنا وإدارة السجن التي وفرت لنا خلال المحاكمة الأخيرة التي انتهت بعفو رئاسي، ملابس جديدة، عكس ما يظنه الناس تماما، وألتمس من أبي ووالدي وكل إخواني الصفح نظرا لحجم المحن التي عانوها منذ اعتقالي، أما المكتب المسير للرجاء وسفارة المغرب في الجزائر والخارجية المغربية، فاختاروا التفرج على هذه المعاناة». لأول مرة تعيش أسرة الملكي إفطارا بنكهة رمضانية، بعد أن مرت وجبات أيام رمضان بلا طعم.
العائدان من الحراش ينتقدان سفارة المغرب
منذ أن علمت السفارة المغربية في الجزائر، بعد نهاية المباراة، أن شابين من مشجعي الرجاء يوجدان رهن الاعتقال في سجن الحراش، بعد اعتقالهما بمطار هواري بومدين فور وصولهما إلى الجزائر، بسبب تقرير أنجزه ربان الطائرة الجزائرية يتهم فيه المشجعين بإثارة الفوضى خلال الرحلة الرابطة بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة يوم 29 أبريل الماضي، أخبرت السفارة أسر المحتجزين وبدأ البحث عن مخرج من الأزمة، خاصة وأن التهمة كانت ثقيلة «تعريض حياة المسافرين للخطر وتهديد الأمن العام».
قال القنصل العام للمغرب في الجزائر عبد الله أودادس، إن معتقلي موقعة سطيف يتجاوز محبوسي قضية الطائرة، «هناك حالات أخرى تتميز بالتهور، زهير سفيان وعبد الحميد السرغيني شابان اتفقا على التوجه إلى سطيف برا، رغم أن الحدود مغلقة بين البلدين منذ 26 غشت 1994، عبرا الحدود بالاستعانة بـ«حراك» سلماه ألف درهم، حسب إفادتهما، وقررا قطع مسافة 1100 كيلومتر من غرب الجزائر إلى شرقها لمتابعة مباراة الرجاء والوفاق، لكن الشرطة اعتقلتهما في مدينة مغنية الحدودية وظلا في المعتقل حوالي أسبوع. أما الشاب أمين كتبي ابن الدار البيضاء، فقطع الحدود البرية على مستوى مدينة السعيدية دون جواز سفر، علما أنه يشتغل في المطار، وعلى الرغم من عدم توفره على جواز السفر فقد قطع الحدود، لكنه سقط في قبضة الأمن الذي أشعرنا به وسلمناه لشرطة الحدود في وجدة، على غرار زميليه».
ويصر أودادس على تبني السفارة لملف ياسر وسلمان، حين قال لـ«الأخبار» إن «سفارة المغرب في الجزائر عينت محاميا مغربيا يشتغل ضمن هيئة محامي الجزائر العاصمة، وأن المحامي التمس من المحكمة تمكينه من «ترخيص بالزيارة»، وخلالها سيتعرف عن قرب على المعتقلين»، وأضاف أن «محامية جزائرية اتصلت بالسفارة المغربية وأعلنت رغبتها في الدفاع عن المعتقل المغربي محمد ياسر الذي مكنها من رقم هاتف والدته المدرسة، في أفق ضمها إلى هيئة الدفاع»، لكن هذه المعطيات نفاها العائدان من الجزائر جملة وتفصيلا وأكدا أن المحامي بنهاشم لمناصر وابنه المهدي هما من دافعا عنهما في هذا الملف، بل إن المحامي الأب ظل يتردد عليهما للاطلاع على أحوالهما حتى بعد الاعتقال.
يقول عبد العالي المالقي: «المحامي كان يطمئنني باستمرار ويزرع في دواخلي التفاؤل، فهو من أجل إدراج الملف لثلاثة أيام وهو من طمأننا حتى بعد إصدار حكم ابتدائي بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر».