«الأخبار» ترصد أزمات التدبير المفوض بالشمال

تطوان: حسن الخضراوي
فشلت المجالس الجماعية، بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، في تتبع ومراقبة ملفات التدبير المفوض، فضلا عن فشلها في تجويد الخدمات المقدمة إلى السكان، نتيجة الاستغراق في الاستغلال السياسي لملفات تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل والنظافة، وكذا غياب الكفاءات والطاقات التي يمكنها أن تتابع بشكل دقيق تنزيل بنود دفاتر التحملات الموقعة بين الأطراف المعنية.
وقامت مصالح وزارة الداخلية بالتدخل مرات متعددة، من أجل العمل على إنقاذ مدن الشمال من كوارث بيئية، نتيجة إضرابات واحتجاجات قطاع النظافة، فضلا عن تدخلها لوقف نزع عدادات الكهرباء والماء، من قبل شركة «أمانديس» الموكول إليها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل في إطار ما يسمى التدبير المفوض، واستمرار تزويد الزبناء في ظروف اجتماعية صعبة، والتساهل في أداء أقساط الديون، ومراعاة تضرر الاقتصاد بسبب تداعيات «كوفيد- 19».
على الرغم من ترؤس حزب العدالة والتنمية للجنة تتبع ومراقبة «أمانديس» بالشمال، وإطلاقه وعودوا بتجويد الخدمات والدفاع عن مصالح الزبون، إلا أنه وجهت إلى محمد إدعمار، رئيس اللجنة المذكورة، اتهامات بالجملة من قبل المعارضة وجمعيات المجتمع المدني بالفشل في تفعيل دور لجان التتبع والمراقبة، ووقوف الديون المتراكمة على المجالس الجماعية حاجزا أمام خروج قرارات جريئة، في إطار تجويد خدمات التدبير المفوض، والصرامة في تنزيل دفاتر التحملات وتسجيل غرامات في حال المخالفة.
وساهمت صراعات وتصفية حسابات ضيقة داخل التحالفات الهشة بجماعات تطوان والمضيق والفنيدق، في إهمال ملفات التدبير المفوض، واضطرار مصالح وزارة الداخلية إلى القيام بمهام تسيير الشأن العام المحلي، قصد ضمان السير العادي للمرفق العام، وتفادي احتجاجات السكان وإضرابات العمال، فضلا عن الحفاظ على المال العام، والتخفيف من الديون المتراكمة.
ديون متراكمة
لم تسلم جماعات تطوان والمضيق والفنيدق ومرتيل من تراكم ديون التدبير المفوض بالملايير، وهو الشيء الذي تسبب في ارتباك كبير في خدمات النظافة والماء والكهرباء، حيث أصبحت شركات النظافة تطالب بأداء الديون المتراكمة على عاتق المجالس الجماعية، لدفع الأجور الشهرية للعمال، ما تسبب في مشاكل لا حصر لها بين نقابات وإدارات شركات للتدبير المفوض، واحتجاجات واعتصامات شلت مرافق حساسة.
وحسب مصادر مطلعة، فإن المدير العام لشركة «أمانديس» بطنجة وتطوان، أكد قبل أيام قليلة خلال اجتماع مع محمد إدعمار، رئيس جماعة تطوان، على الجانب المالي للشركة، مشيرا إلى أن هناك بعض الشركات والجماعات لم تقم بأداء ما بذمتها من مستحقات تجاه شركة «أمانديس»، خلال أزمة «كوفيد- 19»، الشيء الذي ينعكس سلبا على الخدمات وبعض المشاريع المزمع تنفيذها بهذه المناطق.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن الجماعات الترابية بالشمال، مثل تطوان ومرتيل والمضيق والفنيدق، تغرق في ديون استهلاك الماء والكهرباء بالملايير، بسبب أزمة الميزانية وغياب المصادقة عليها من قبل السلطات الإقليمية، أو الفشل في جمع الأغلبية للمصادقة عليها أثناء انعقاد دورات رسمية، ناهيك عن الفشل في تحصيل مستحقات ومداخيل، وغياب استراتيجية واضحة لتقليص مبالغ الباقي استخلاصه.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن إدعمار تحرك خلال مارس الماضي، بشكل وصف بالمتأخر، قبيل المحطة الانتخابية المقبلة، لتنبيه إدارة شركة «أمانديس» إلى مسألة الفواتير التي يجب أن تحظى بالتدقيق والوضوح، قصد تكريس الشفافية والثقة مع الزبناء، من خلال التواصل معهم عن قرب وتنظيم لقاءات مفتوحة للتعريف بطبيعة هذه الفواتير، مضيفا أن الشركة مطالبة بتغيير استراتيجيتها مع الزبناء، عبر إعطاء الأولوية لمسألة التواصل معهم .
من جانبه، ذكر مصدر مسؤول بشركة «أمانديس» أن مصالح الشركة تتساهل في أداء أقساط الديون، وإدارتها تدرس جميع الإجراءات لتنظيم الأبواب المفتوحة لتطوان، لفتح المجال أمام الجمعيات والزبناء قصد الاطلاع ومواكبة خدمات الشركة، وكذا الإجراءات المتخذة لتجويدها.
تدخلات الداخلية
تستمر مصالح وزارة الداخلية بجهة الشمال، في الإشراف على تتبع تنزيل دفاتر التحملات الموقعة بين الأطراف في ملفات التدبير المفوض، بسبب غياب شبه تام لدور المجالس الجماعية المعنية، وفشلها في وقف الإضرابات والاحتجاجات، والتنصل من المسؤولية بادعاء أن الأمر يتعلق بمشاكل في علاقة العمال بشركات التدبير المفوض، تخص مدونة الشغل وأداء الأجور الشهرية في وقتها، والتعويضات والمصاريف الخاصة بالتغطية الصحية.
وتدخلت السلطات الإقليمية بتطوان أكثر من مرة لضمان السير العادي لقطاع النظافة، وفك الاحتقان بين عمال القطاع والشركات المفوض إليها، حيث تبين عدم أداء الجماعة للديون المتراكمة عليها، في ظل ضعف المداخيل وارتفاع المصاريف، حيث نبه يونس التازي، عامل إقليم تطوان، رئاسة الجماعة إلى تدهور خدمات قطاع النظافة، في مراسلة رسمية، وطالبها بتحمل مسؤوليتها الكاملة كطرف مفوض.
وحسب مصادر مطلعة، فإن السلطات المختصة قامت بتصحيح جميع المغالطات التي تمت إثارتها من قبل بعض المجالس الجماعية بإقليم المضيق، فضلا عن محاولة بعض المستشارين عرقلة المصادقة على مؤسسة «مجموعة الجماعات الشمال الغربي»، من أجل تدبير مرافق توزيع الماء الصالح للشرب، وتوزيع الكهرباء، والتطهير السائل، ومحطات معالجة المياه العادمة، حيث ينتظر أن تسحب المؤسسة المذكورة البساط من تحت أقدام رؤساء الجماعات الذين يستغلون ملفات التدبير المفوض انتخابيا، ما يؤثر على جودة التتبع والمراقبة.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن مصالح وزارة الداخلية بالمضيق، واجهت ما يتم ترويجه من قبل رؤساء جماعات بإقليم المضيق، كون التصويت والمصادقة على إحداث مؤسسة «الشمال الغربي»، يعتبر بمثابة ضوء أخضر لتمديد عقد شركة «أمانديس» الموكول إليها تدبير قطاعي الماء والكهرباء والتطهير السائل بجهة الشمال. وأظهرت السلطات الإقليمية أن الأمر يتعلق بالاستناد إلى وثائق رسمية، بمؤسسة سيشرف على تدبيرها رؤساء الجماعات المعنيون ومستشارون منتدبون عن المجالس نفسها، إلى جانب موظفين وتقنيين.
يذكر أنه تم تحديد مجموع المساهمات المالية لإنشاء مؤسسة التعاون بين الجماعات «الشمال الغربي» في 300 مليون سنتيم، مقسمة على الجماعات الترابية؛ طنجة، تطوان، المضيق، مرتيل، الفنيدق، اكزناية، أصيلة، أنجرة، البحراويين، ملوسة، جوامعة، حجر النحل، العوامة، أقواس برييش، حد الغربية، واد لو، الملاليين، أزلا، زاوية سيدي قاسم، الزيتون، صدينة، عليين، بليونش.

مجالس فاشلة
من أهم أسباب الفشل في تدبير ملفات التدبير المفوض بالجماعات الترابية بالشمال، غياب التنسيق بين التحالفات الهشة والهجينة، ونشوب صراعات قوية وتصفية حسابات ضيقة بين رؤساء جماعات ونوابهم، فضلا عن فقدان حزب العدالة والتنمية أغلبيته بالجماعة الحضرية للفنيدق، وفقدان حزب الأصالة والمعاصرة الأغلبية بالجماعة الحضرية للمضيق.
وساهمت صراعات إدعمار مع نائبه الأول نور الدين الهاروشي عن حزب الأصالة والمعاصرة، في نشوب حرب استقطابات داخل المستشارين من أحزاب مختلفة، والتهافت على التقرب من الرئاسة للفوز بمكاسب التسيير، ما أدى إلى إهمال الملفات الساخنة في تسيير الشأن العام، وتراكم ديون «أمانديس» وشركات النظافة، في غياب تام لاستراتيجية واضحة المعالم تمكن من إنقاذ الوضع، وضمان السير العادي لمرافق عمومية لا تتحمل التوقف أو الانتظار، وترتبط ارتباطا مباشرا بالسلم والأمن الاجتماعيين.
وذكر مستشار جماعي أن فقدان حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية بالمضيق والفنيدق أغلبيتهما المصوتة، نتج عنه جمود قرارات واستحالة الجودة في تتبع ملفات التدبير المفوض، سيما وأن تتبع تنزيل دفاتر التحملات الموقعة بين الأطراف، يتطلب تنسيقا محكما بين المستشارين والنواب، والكفاءات التي يمكنها المراقبة، وهو الشيء الذي تفتقده معظم مجالس الشمال، ما يضطر مصالح وزارة الداخلية إلى التدخل بشكل مباشر، قصد ضمان استمرار الخدمات العمومية.
وأضاف المتحدث نفسه أن مؤشرات فشل المجالس الجماعية بالشمال في ملفات التدبير المفوض، تظهر بشكل جلي من خلال ديون استهلاك الماء والكهرباء، وديون قطاع النظافة، ما يضعف رأي رؤساء الجماعات أثناء الاجتماعات واللقاءات، بحيث تطالب الأطراف المفوض إليها بأداء الديون المتراكمة، مقابل تنفيذ كل مطالب العمال والمجالس والزبناء، وهو الشيء الذي تعجز المجالس المعنية عن الوفاء به، بسبب ضعف المداخيل وأزمة الميزانية، وصراعات التحالفات واستغلال التسيير انتخابيا.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المجالس الجماعية المقبلة، مدعوة للتفكير على المدى المتوسط في تأسيس شركات تنمية محلية، والعمل على التخلص من تبعات التدبير المفوض، بشكل تدريجي ووفق استراتيجية واضحة، وهو الشيء الذي سيعود بالنفع على الميزانية، والاقتصاد والحكامة في صرف المال العام، وتجويد الخدمات المقدمة إلى الزبناء، والقطع مع الاحتجاجات والإضرابات التي تربك قطاعات حساسة لا تتحمل التوقف أو الانتظار.
استغلال وإضرابات
وجهت اتهامات إلى حزب العدالة والتنمية باستغلال ملفات التدبير المفوض انتخابيا، حيث تطرقت أصوات معارضة إلى مرحلة تخفيف إجراءات إضافة عداد من قبل شركة «أمانديس» بتطوان، فضلا عن فضيحة تسريب مراسلات قام بها رئيس جماعة شفشاون لشركة النظافة المفوض إليها، لمنح الدعم لجمعيات تنشط بالمدينة.
وكشف حزب التجمع الوطني للأحرار بالفنيدق عن استغلال إخوان سعد الدين العثماني في الرئاسة ملف التشغيل بشركة النظافة، حيث تم التدخل بطرق غير مباشرة لقبول أعضاء ومتعاطفين مع «البيجيدي»، في حين طالبت المعارضة باعتماد معايير واضحة لضمان تكافؤ الفرص، وتيسير وتسهيل تفعيل دور لجنة التتبع والمراقبة.
وخرج تجمعيون بتطوان، للتعبير عن استيائهم من تداعيات أزمة النظافة بالمدينة، وضرورة تحمل الأغلبية مسؤوليتها في حماية صحة وسلامة السكان، وضمان حقهم في بيئة نظيفة، حيث لا يمكن لذلك أن يتأتى سوى في ظل أداء الديون العالقة، والقطع مع الاستغلال السياسي، وتفعيل دور لجنة التتبع والمراقبة.
وذكر مصدر أن السلطات الإقليمية بتطوان أصبحت مضطرة إلى تتبع سير قطاع النظافة بشكل يومي، ومراسلة الجماعة لموافاتها بتفاصيل الديون المتراكمة، حتى يتم وضع برامج لتدبير الأمر الواقع، والخروج من الأزمة التي تسبب فيها فشل المجلس في تنمية المداخيل، واضطرار العامل إلى تسيير الميزانية بقرارات عاملية.
وأضاف المصدر نفسه أن إضرابات واحتجاجات قطاع النظافة بتطوان عمقت أزمة إخوان سعد الدين العثماني، ورفعت من درجة السخط والتذمر من الفشل في تنزيل الوعود الانتخابية المعسولة، وغياب التنمية والاستغراق في تدبير روتيني، مع تسويق نجاحات وهمية في وقف إضرابات واعتصامات ما كان لها أن تكون، لو توفرت الجودة في التسيير وتوازن الميزانية.
من أهم أسباب الفشل في تدبير ملفات التدبير المفوض بالجماعات الترابية بالشمال، غياب التنسيق بين التحالفات الهشة والهجينة، ونشوب صراعات قوية وتصفية حسابات ضيقة بين رؤساء جماعات ونوابهم