إعداد: مونية الدلحي
منذ ظهور وباء كورونا في العالم وانتشاره بهذا الشكل الكبير في كل الدول، دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، وقالت إن العالم اليوم يعيش في ظل جائحة، لهذا كان من الضروري أخذ كل الاحتياطات الضرورية من أجل التصدي لهذا الوباء. ليس هذا فحسب، فمن أجل التصدي للوباء لا بد من أخذ العديد من التدابير الاحترازية، كان أولها إعلان حالة الطوارئ ومنع العديد من الفعاليات وكل الأحداث التي تؤدي إلى تجمع الأشخاص وذلك في العديد من الدول، وبعدها تم اتخاذ قرار آخر وهو الحجر الصحي الذي تبنته العديد من الدول. والحجر الصحي يعني عدم الخروج من المنزل إلا في الحالات القصوى، الحجر الصحي هذا استمر لأزيد من شهرين في العديد من الدول، لهذا كانت لهذا الحجر الصحي مخلفات نفسية سلبية على العديد من الأشخاص، خصوصا أصحاب الشخصيات الهشة، كما أن الحجر الصحي كان له تأثير كبير جدا حتى على نفسية الأطفال الذين حرموا من الخروج ومن مدارسهم وممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.
كان للحالة الوبائية التي تفرض نفسها اليوم تأثير سيئ على الحالة النفسية للأفراد وأثرت عليهم بشكل كبير. فكيف يمكن لشخص كان يعيش حياته بشكل طبيعي، أن يجد نفسه وأقرباءه وأحباءه معرضين لمرض قد يكون فتاكا بالنسبة لبعض الفئات، وأن البقاء في المنزل والانعزال عن الآخرين هو السبيل الوحيد للنجاة، لا شك أنه سيكون لهذه الحالة وهذا الوضع تأثير نفسي سلبي جدا على حالة الكثيرين.
أهم الأعراض النفسية
من بين العديد من الأعراض النفسية التي ظهرت على الكثير من الأشخاص، نجد ظهور العديد من حالات الارتباك والغضب والخوف والإحباط، بالإضافة إلى الملل والصدمة. فهذه كلها كانت عبارة عن بعض مظاهر الحالة النفسية التي عانى منها الأشخاص أثناء الحجر الصحي، وهناك من لا زال يعاني منها بسبب استمرار حالة الطوارئ، وهذه الحالات لم يتم تحديدها عشوائيا بل هو استنتاج لتحليل قام به فريق من « كينغ كوليج لندن»، والذي تم نشره في مجلة «دولانسيت».
فمنذ ظهور الوباء، أو الفيروس التاجي أو كورونا المستجد، أو كوفيد 19 أو سار كوف 2 وهي كلها تسميات تطلق على الفيروس المستجد، فمنذ ظهوره أو ظهور بعض من أعراضه أو حتى الشك في الإصابة، يطلب من الشخص عزل نفسه عن الآخرين، أو القيام بالحجر الصحي لمدة أسبوعين للتأكد من هل ستتطور الحالة وهل ستظهر الأعراض وهل ستكون النتائج إيجابية للفيروس أم لا، وفي العادة يعتبر الحجر الصحي في كثير من الأحيان تجربة غير سارة لأولئك الذين يخضعون له. ولاحظ الباحثون في قسم الطب النفسي في «كينغ كوليج لندن» أن ابتعاد المرضى عن أحبائهم وأقربائهم، وفقدانهم لحريتهم، وخوفهم من المرض وعدم يقينهم بما ينتظرهم، في بعض الأحيان، يمكن أن يخلق تأثيرات دراماتيكية.
وكان الباحثون يرون أن الحجر الصحي الجماعي قد يكون له تأثير نفسي أخف وطأة من الحجر الصحي الانفرادي، لهذا كانت لدى السلطات الصحية رؤية واضحة للعواقب المحتملة. وللقيام بذلك، قام العلماء بإعداد أربع وعشرين دراسة علمية، أجريت في إحدى عشرة دولة منذ عام 2003، حول التأثير النفسي للحجر الصحي لدى عدة آلاف من الأفراد خلال أوبئة السارس التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، وأنفلونزا H1N1 وإيبولا.
مدة الحجر الصحي
خلال الدراسات التي قاموا بها، تبين للباحثين أن فترات الحجر الصحي الطويلة ترتبط بسوء الصحة العقلية، وأعراض الإجهاد اللاحق للصدمة، وسلوكيات التجنب والغضب. وعلى الرغم من أن طول الحجر الصحي ليس واضحا دائما ولا يكون الحجر طويلا دائما، فقد وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين تم عزلهم لأكثر من عشرة أيام لديهم أعراض أعلى بكثير من اضطراب ما بعد الصدمة من أولئك الذين تم عزلهم لمدة تقل عن عشرة أيام، وهذا يعني أنه كلما طالت مدة الحجر الصحي أثرت بشكل كبير على الحالة النفسية.
مخاوف من العدوى
أعرب المشاركون في ثماني دراسات عن مخاوف بشأن صحتهم أو صحة الآخرين وأقاربهم، والخوف من إصابة أحبائهم يكون أكبر عندهم من أولئك الذين لم يتم عزلهم، بحيث إن عدم القيام بالحجر يخلق لديهم المزيد من التوتر والقلق.
الإحباط والملل
غالبا ما يتسبب الحبس ونقص الروتين وتقليل الاتصال الجسدي والاجتماعي مع الآخرين، في الشعور بالملل والإحباط والشعور بالعزلة عن بقية العالم، وهو أمر مؤلم بالنسبة للكثير من الأشخاص، خصوصا للأشخاص الاجتماعيين.
نقص الحاجيات
يعد عدم توفر الإمدادات الأساسية الكافية، على سبيل المثال، الطعام أو الماء أو الملابس، أو حتى السكن أثناء الحجر الصحي، مصدرا للإحباط ولا يزال الأمر مرتبطا بالشعور بالقلق، وقد يستمر هذا الشعور لفترة أخرى بعد انتهاء الحجر الصحي.
الاستماع للأخبار غير الواضحة
انتشار الأخبار غير الصحيحة أو غير الواضحة لاشك يخلق الارتياب والضغط ويشعر الآخرين بالارتباك، خصوصا وأن الأخبار التي يتم نشرها وفي العادة تكون أخبارا زائفة، تجعل الأشخاص يشعرون بالخوف أكثر.
فمثلا، بعد اندلاع السارس في تورنتو بكندا، أبلغ المشاركون عن الارتباك الناجم عن كثرة التنوع في رسائل الصحة العامة وضعف التنسيق. ولاحظ الباحثون أن الافتقار إلى الوضوح بشأن مستويات الخطر المختلفة، على وجه الخصوص، جعل الأشخاص يخشون الأسوأ.
وبمجرد انتهاء فترة الحجر الصحي، يلاحظ المهتمون استمرار الضغط بشكل واضح. فوفقا للدراسات المذكورة، فإن الضغوطات، بعد الحجر الصحي، هي الخسائر المالية بسبب عدم القدرة على العمل أثناء العزل والخوف، والذي يستمر لفترة معينة من الزمن.
كيف يمكن التخفيف من العواقب النفسية الضارة للحجر؟
بالنسبة لمؤلفي الدراسة التي قام بها الباحثون من جامعة «كينغ كوليج لندن»، هناك العديد من المجالات الرئيسية للعمل عليها:
المعلومات ضرورية
يجب على الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي فهم الموقف ولماذا يتم وضعهم في هذا الوضع. ولكن أيضا يجب أن يكونوا على علم بما يمكنهم القيام به لتجنب الملل، وتلقي المشورة العملية بشأن أساليب التكيف مع الإجهاد والتعامل معه.
شراء اللوازم العامة والطبية
يجب أن تكون فترة الحجر الصحي قصيرة ولا يجب تغيير المدة إلا في الظروف القصوى. وتأتي معظم الآثار السلبية من القيود المفروضة على الحرية، والحجر الصحي الطوعي مرتبط بضائقة أقل ومضاعفات أقل على المدى الطويل.
ويسأل الباحثون في النهاية عما إذا كانت تدابير الصحة العامة الأخرى التي تمنع الحاجة إلى الحجر الصحي، مثل التباعد الاجتماعي، وإلغاء التجمعات الجماعية وإغلاق المدارس، يمكن أن تكون أمورا مرغوب فيها أكثر. هناك حاجة إلى البحث في المستقبل لتحديد فعالية هذه التدابير. ومع ذلك، يحذر الباحثون من أن هذا لا يعني أنه لا ينبغي استخدام الحجر الصحي، إذ يمكن أن تكون الآثار النفسية لعدم استخدام الحجر الصحي والسماح للمرض بالانتشار، أسوأ.
وخلاصة القول إنه، بالرغم من أن الكثيرين يرفضون الحجر الصحي ويعتبرونه حدا لحريتهم، فإنه يظل في مصلحة الصالح العام، وعواقبه النفسية مفيدة جدا، فالأشخاص الذين يجدون أن المرض يتفشى في بلدهم دون أن تأخذ السلطات أي تدابير احترازية، يشعرون بقلق وخوف مضاعفين.