اقتصاد الظل
تجد الحكومة صعوبة كبيرة في ضبط المتضررين، الذين يشتغلون بـ 200 ألف مقهى بالمملكة، التي أقفلت أبوابها بسبب قرار حظر التنقل الليلي طيلة شهر رمضان. ويبدو أن جوهر الصعوبة كما صرح بذلك الوزير مولاي حفيظ العلمي، لا يكمن فقط في توفير الموارد المالية للقرار، بل يتجلى في أن 80 في المائة من عمال المقاهي يشتغلون في قطاع غير منظم، مما يجعل التعويض على أساس اللوائح التي يقدمها أرباب المقاهي أمرا صعبا.
والحقيقة أنه إذا كان هناك من درس بليغ ينبغي استخلاصه من جائحة «كوفيد- 19»، فهو شبح القطاع غير المهيكل أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الأسود، الذي ظهر خلال الوباء أنه أكثر هشاشة مما نتوقع، وأن المشغلين والمشتغلين به هم الفئة الأكثر عرضة للتشرد والضياع. بطبيعة الحال مواجهة اقتصاد الظل لا يمكن أن تتم بالعقاب أو ترتيب الجزاءات، إدماج هذا القطاع وحوالي خمسة ملايين يشتغلون به يكون بتدابير تحفيزية، تجعل مئات الآلاف من المقاولات تفضل العيش تحت أعين الدولة وإجراءاتها، وليس البقاء في عوالم خاصة بعيدا عن القانون والعدالة، بسبب إجراءات حكومية غير مبررة في كثير من الأحيان.
واليوم يقدم الملك من خلال ثورة الحماية الاجتماعية التي أطلقها، أو من خلال صندوق محمد السادس للاستثمار فرصة ذهبية لن تتكرر مرة أخرى، من أجل وضع نقطة النهاية لاقتصاد الظل، أو على الأقل تضييق رقعته إلى أضيق نقطة، وحماية العاملين به، وتحسين البيئة القانونية والمؤسسية والاقتصادية والمالية، للمساهمة في إدماج سلس للاقتصاد غير المنظم الذي يشكل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
لذلك إذا لم نأخذ الدرس بالجدية الكافية من أهم خطر صحي عرفته البشرية في تاريخها، لتجنب تكرار مأساة تشرد الملايين من الأسر الناشطة في اقتصاد الظل والقطع مع سياسة «عين ميكة»، التي جعلت من هذا الصنف من الاقتصاد مجرد قطاع طفيلي يتغذى في زمن الأزمات على حساب الموارد المحدودة للدولة، فسنعود إلى المآسي نفسها، لكن بطريقة أبشع. لقد منحتنا جائحة كورونا رغم قساوتها الفرصة لفهم جيد لمعنى هشاشة اقتصاد الظل، وحتمت علينا الانفصال عنه، لكن إذا لم نفعل بالسرعة والفعالية المطلوبتين فلننتظر الكارثة.