شوف تشوف

الافتتاحية

افتتاحية

بعيدا عن خطابات الشعبوية التي أصبحت تغزو كل الفضاءات التواصلية وتحقق رغبة ذاتية لدى البعض في إشباع استيهاماتهم وحماقاتهم، ليست هناك أي سلطة أو جهة مخول لها اتخاذ قرارات حماية النظام العام والصحة العامة غير السلطات العمومية بناء على ما توفر لديها من معطيات طبية وأمنية واقتصادية واجتماعية. فقرار حماية الأمن الصحي ليس مسؤولية الفقهاء أو الدعاة أو نُشاط الفيسبوك أو المنتخبين أو الصحفيين أو الأساتذة، هو تنفيذ قانوني لما اهتدت إليه اللجنة العلمية والتقنية وفق ما تتوفر عليه من معطيات دقيقة حول تطور الوباء ببلادنا.
وبطبيعة الحال قرار الحجر الليلي الذي اتخذته الحكومة بما يكفله لها قانون الطوارئ الصحية خلال شهر رمضان يبقى في ظاهره قرارا صعبا ومؤلما لأي مواطن، لكن إذا ثبت للحكومة أن الأوضاع ستزيد سوءا وقد تدخلنا العادات الاجتماعية المرتبطة بطقوس رمضان في نفق مظلم لن نستطيع الخروج منه، فمن واجب السلطات ومسؤوليتها الحصرية ألا تتردد في اتخاذ القرارات الضرورية لحماية الأمن الصحي للمواطنين حتى ولو كانت هذه القرارات مؤلمة ومثيرة للغضب.
بدون شك، هناك من سيحاول جاهدا ممارسة التوظيف السياسي لقرار الحجر في ليالي رمضان ومحاولة تصوير الدولة مثل الشيطان المارد الذي يريد حرمان المؤمنين من إقامة الشعائر الدينية أو «الزطاط» الذي يريد قطع أرزاق المواطنين الفقراء، لكن المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق المؤسسات تفرض عليها اتخاذ ما يلزم بكل جرأة وصرامة.
لسنا من هواة رفع المسؤولية تماما عن كاهل المواطن ونرى أن هذا الأخير لابد وأن يتحلى بالمسؤولية وخصوصا في مواجهة تحول وبائي طارئ وخطير كالذي نعيش فيه، لكن في المقابل لا يمكن أبدا إنكار مسؤولية السلطات في اتخاذ تدابير اجتماعية بإمكانها تيسير تطبيق القرارات وحماية الملايين من شبح الفاقة والبطالة.
وبما أن قاعدة التناسب بين الحقوق والواجبات، تفرض ضمن دائرة الواجبات قيام كل فرد في المجتمع بالالتزام بتطبيق القرارات المطلوبة لمكافحة الفيروس المتحور خلال الشهر الفضيل مهما كانت درجة قسوتها، فهذا لن يكفي وحده، فلابد من احترام السلطات لدائرة الحقوق التي تحتم على الحكومة القيام بجهد أكبر في حماية المتضررين من قراراتها لاسيما الطبقة الهشة، وأن توفر الحد الأدنى من الحاجيات بدل أن تكتفي بلعب دور الدركي الذي لا يهمه سوى تطبيق القانون دون النظر في تداعياته الاجتماعية.
لا نشك أن الكل يريد عودة الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت ولكن لن يكون ذلك ممكنا ولا آمنا قبل أن نتخطى مرحلة الذروة المتوقعة، وهذا لن يتم دون تعاون بين المواطن والسلطات ودون تناسب بين القرار وإجراءاته المصاحبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى