افتتاحية
طالب رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والوزير السابق وعمدة أعرق مدينة ورئيس فريق سابق للحزب الحاكم ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب، بحل الأصالة والمعاصرة، الحزب الثاني وفق آخر اقتراع تشريعي والحزب المتصدر وفق آخر انتخابات جماعية. الأمر هنا ليس بمزحة سياسية أو مبالغة خطابية تقتضيها الصراعات السياسية، بل قناعة سياسية لطالما رددها قادة حزب «المصباح» بشكل فردي أو مؤسساتي. الخطير في مثل هذه المواقف التي تنتج في لحظة الحنق والعزلة، أنها تعكس حقيقة اللاشعور الجماعي لمن يركبون خطاب المظلومية والعقلية الإقصائية للحزب الحاكم، الذي لحسن حظ الجميع لا يتوفر على الآليات الدستورية والصفة القانونية التي تخوله قتل ما يشاء من الأحزاب المنافسة له.
لا أحد يقول إن حزب الأصالة والمعاصرة حزب ملائكي طهراني وخال من المشبوهين، بل بالعكس تماما حزب «الجرار» ارتكب كوارث سياسية لا حد لها، أفظعها مساهمته البهلوانية في إطالة عمر حزب العدالة والتنمية، ومده في لحظات دخوله مرحلة الاختناق بما يكفي من الهواء للتنفس والاستمرارية في الحياة، لكن ذلك لا يسقط عنه شرعية التواجد والعمل من داخل المؤسسات، فهو يبقى على كل حال تنظيما قانونيا مهما قيل عن كواليس ولادته بملعقة من ذهب، وهي ولادة لا تميزه عن نشأة معظم الأحزاب ومنها حزب العدالة والتنمية الذي أسسه عبد الكريم الخطيب، طبيب الملك الراحل الحسن الثاني ورجل ثقته.
لكن أن يلجأ الحزب الحاكم وهو المؤتمن قانونا في شخص أمينه العام على ضمان سلامة ونزاهة الانتخابات على ترديد سيمفونية الحل لحزب منافس يتمتع بكل الشرعية القانونية، فنحن صراحة أمام توجه خطير للغاية يضرب في الأساس مبدأ التعددية الحزبية ومنطق التنافس. فلا يمكن تصنيف إشهار سيف المطالبة بحل الأحزاب، على أنه خطابات انتخابية أو «بوليميك» يتطلبه سياق السجال السياسي، بل هو تعبير أمين عن الثقافة الاستبدادية التي تعشش في أذهان أفراد الحزب الحاكم، الذي يعتبر كل خصومه يستحقون القتل الرمزي والحل، إلى أن يثبتوا حسن سيرتهم بالموافقة على خدمة أجندته في التمكين السياسي والاجتماعي.