افتتاحية
كلما أصدر القضاء حكما في قضية يكون أحد أطرافها شخصا ينتمي لقبيلة الحقوقيين أو الصحفيين أو السياسيين، إلا وقامت الدنيا ولم تقعد، وخرج أفراد من القبيلة مستعينين بقاموس التشكيك والاتهام بانهيار المؤسسات ومعلنين سقوط دولة القانون ومشهرين فزاعة تشويه صورة البلد.
لقد أصبح واضحا أن البعض يريد قضاء ينتعل وأحكاما تفصل على مقاس المحميين الجدد، فهذا حزب العدالة والتنمية يطالب القضاء بتجميد متابعة أعضائه لضمان مشاركتهم في الانتخابات المقبلة وإلا أشهر شعار «لن نسلمكم أخانا»، وهذا فريق من سماسرة حقوق الإنسان يريدون أن تجري المحاكمة وفق هواهم والإخراج الإعلامي الذي يودونه، وهؤلاء بعض الصحفيين يريدون قضاء أعمى أصم وأبكم، لا يرى ولا يسمع ولا ينطق.
وحين يحكم القضاء بما لا يشتهون فالقضاء فاسد ومتعفن ويتحرك بالتعليمات، فالقضاء عند سماسرة حقوق الإنسان وبعض مرتزقة مهنة الصحافة هو الوسيلة لحماية أهدافهم السياسية والمادية وإسباغ الشرعية الإعلامية والسياسية على جنحهم وممارساتهم الحاطة بالأخلاق وبالقانون وبحقوق الآخرين حتى ولو كانت تلك الممارسات ضد القانون، المهم أن يؤيدهم القضاء لا أن يطبق القانون في حقهم.
المحميون الجدد لا يهمهم استقلال القضاء أو نزاهة أحكامه فتلك شعارات يرفعونها للاستهلاك السياسي هم يريدون قاضي أحكام على مقاس أعضائهم يحكم فقط بصك البراءة، ونيابة عامة لا تحرك الدعاوى إلا ضد الآخرين الخارجين عن قبيلتهم الحقوقية والسياسية، وقاضي تحقيق لا ينش ولا يهش دوره أن ينفذ فقط طلبات المحميين الجدد دون أن يجادل أو يناقش، لأنه في اعتقادهم حين يرتكب المحميون جناية أو جنحة أخلاقية ومالية فذلك لسبب أسمى كثيرا من دولة القانون، فهي ممارسات لنصرة الشرعية والديموقراطية والحداثة، لا يهم إذا تم انتهاك حقوق الآخرين، لا يهم ما يعانيه الضحايا من آلام نفسية، لا يهم القانون، ما يهم أن يرى القضاء ولا يتحرك وإلا سيتم تحريك أسطول (مراسلون بلا حدود) ومنظمة العفو الدولية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من أدوات الابتزاز السياسي والإعلامي.
إن الذين يطالبون باستقلال القضاء عن التعليمات وعن كل أشكال التأثير والضغط هم الذين يريدون اليوم قضاء تحت سطوة السياسيين، وتحكم بعض الحقوقيين وسلطة بعض الصحفيين. والمشكلة الحقيقية أننا لم نسمع من الأحزاب أو المؤسسات الوسيطة أي رد فعل تجاه حملة استهداف المؤسسات ولعل المانع خير، نحن نعلم أن أحزابنا أقل من اللحظة وأضعف من مواجهة تيار جارف نجح في تحويل جناة إلى مظلومين، وجرائم إلى أعمال خير، ونعلم أن تسونامي الشعبوية الجارف الذي يحمل من يقف أمامه إلى وجهة غير معلومة يرهب الأحزاب والإعلام، لكن من غير المتصور ومن غير المقبول كذلك، ترك المؤسسة القضائية بمفردها تخوض معركة الدفاع عن مرفق العدالة، صحيح أنها قادرة على ذلك وزيادة، لكن الدفاع عن قضاء يحاول جاهدا لكي يصل إلى أعلى درجات من النزاهة، رغم بعض الممارسات الفردية التي تستوجب الضرب بيد من حديد، تفرض منا قول الحقيقة حتى لا تنجح أجندة القضاء على القضاء.