افتتاحية
مرور 65 عاما على تأسيس الأمن المغربي مناسبة تستحق الاحتفال والاحتفاء والتوقف عندها مطولا، خصوصا وأنها تتزامن مع أعتى وباء يضرب البشرية بما تطلبه من مجهودات أمنية مضاعفة لحماية النظام العام من الانهيار.
ومهما قيل أو كتب في هذه المناسبة في حق الأجهزة الأمنية بمختلف أصنافها، فلن نوفيها حقها وسيظل هناك الكثير مما يجب أن يقال عن رجال الأمن وتاريخهم المشرف ودورهم الوطني وتضحياتهم الجسام. والأكيد أن الشعار الذي اختارته المديرية العامة للأمن للاحتفاء بذكرى تأسيسها “65 سنة من التضحية في سبيل الحفاظ على استقرار الوطن وأمن المواطنين” أفضل تعبير عن جوهر رسالة المؤسسة الأمنية ودورها الوطني الذي لعبته منذ نشأتها حتى اليوم، وهو يعكس بالفعل لا بالقول جوهر رسالتها الوطنية ودورها هو الولاء لله وللوطن وللملك، والدفاع عن الوطن والشعب والقيادة، وتقديم التضحيات من أجل ذلك.
ولن ينسى التاريخ في هاته الذكرى لرجال الأمن الدور الوطني الذي لعبوه حين تعرضت البلاد لأحداث كادت تتحول إلى شلالات من الدم لولا الألطاف الربانية واحترافية مؤسساتنا الأمنية في تفكيك المئات من الخلايا النائمة داخل الوطن وخارجه، حتى نالت تقديرا دوليا غير مسبوق، بل أصبحت مؤسساتنا الأمنية قبلة تتسابق عليها قوى عظمى طلبا لخدماتها في محاربة الإرهاب العابر للحدود.
لا يمكن أن نتجاهل في هاته الذكرى الهجمات الضارية التي تشنها جهات مسخرة للمس بصورة المؤسسة الأمنية، المنوط بها واجبات الحفاظ على النظام العام وإنفاذ القانون مهما كانت الحسابات والرهانات والأجندات، وهذا التحامل الشديد على الصورة المسلكية والمكانة الاعتبارية لجهاز تتركز جل أعماله ضد المجرمين والخارجين على القانون، لا علاقة له بتقييم موضوعي يتطلبه تجويد أداء المؤسسة بل تهدف إلى حشر الأمن في الزاوية الضيقة من أجل سحب الشرعية عنها وإظهارها بمظهر المؤسسة الخارجة عن القانون المعتدية على الحقوق تمهيدا لفرض سيادة الفوضى والفتن.
لا أحد في المغرب ولا حتى داخل المؤسسة الأمنية نفسها، يقول إننا أمام جهاز كل أعضائه من الذين لا يخطئون التقدير ولا يرتكبون بعض الهفوات خلال آلاف الساعات التي يقضونها يوميا في محاربة الخارجين عن القانون وفي مواجهة احتجاجات ينتجها الفاعل السياسي، لكن لا يمكن النيل من مؤسسة تشكل العمود الفقري لأمن واستقرار الوطن بسبب أخطاء بشرية منفردة وتجاوزات معزولة، والركوب على بعض الأحداث هنا وهناك لإضعاف فاعلية الأجهزة الأمنية، من طرف أفراد وجماعات يميلون إلى الاستقواء على هيبة كل المؤسسات بمنظمات حقوقية ودول معادية وإعلام متحيز والتنمر عليها كلما كان ذلك ممكنا.
والحقيقة هناك من ليس في صالحه أن يطغى الجانب المشرق من دور مؤسساتنا الأمنية على الأقل منذ تعيين مدير قطبيها عبد اللطيف الحموشي الذي يبلي البلاء الحسن للنهوض بالمؤسسة الأمنية على المستوى الاجتماعي والمؤسساتي والتكويني وإخضاع المؤسسة للحكامة الأمنية كما أوصت بها هيئة الإنصاف والمصالحة وتوخاها واضع الدستور، لكن في المقابل هناك من يعمل كل ما في جهده لتدمير ذلك المجهود والعمل على شيطنة الأمن العام وتصوير رموزها كقوة إنكشارية غاشمة، وإظهارها كأداة بطش عمياء، همها الوحيد تكسير العظام وتهشيم الجماجم في الشوارع والازقة. ولا يخفى على أحد أن الهدف من تقديم صورة قاتمة عن رجال الأمن هو عزل الجهاز الشرطي عن عمقه المواطناتي وجعله جهازا يتيما بدون سند شعبي، وهذا ما أخفقت فيه كل محاولات النيل والاستهداف من بعض المرتزقة داخل الوطن وخارجه.
لا يفهم هؤلاء حين تخفق المؤسسات الأمنية في محاربة الخارجين عن القانون وجلبهم للقضاء، وتفشل في فرض القانون في الفضاء العام، وتخفق في حماية الممتلكات الخاصة والعامة أن الدولة المغربية ستلتحق بركب الدول الفاشلة، وبعد ذلك على الاستقرار والسلام الاجتماعي والدولة ذاتها ألف سلام، فلا يمكن أن تستقيم الأمور سوى بجهاز شرطة قوي ومواطن ومدافع عن مصالح الوطن والمواطنين، فهو الدعامة الرئيسية للاستقرار والأمن فى البلد لكي لا تعم الفوضى ويسود منطق حرب الجميع ضد الجميع، وهذا لن يتحقق مادام لهذه الدولة ملك يرعاها وقوة أمنية تحميها من أعداء الداخل والخارج.