اغتيال مغنية.. مرتا… مرتا… المطلوب واحد! (2/2)
كذلك فإنّ المطلوب، الأبسط بدوره، هو إعادة قراءة التصريحات التي نُسبت إلى أرملة مغنية، وتضمنت اتهاماً واضحاً لأجهزة الأمن السورية بالتورّط في العملية (قولها، إذا صحّ أنها القائلة: «لقد سهّل السوريون قتل زوجي»، و«رفض سوريا مشاركة محققين إيرانيين هو الدليل الدامغ على تورط نظام دمشق في قتل عماد»، فضلاً عن تلميحها إلى «الخيانة» و«الغدر»). وكان نائب وزير الخارجية الإيراني، علي رضا شيخ عطار، قد أعلن يومذاك أن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين طهران ودمشق هو مطلب إيراني حاسم، وكان أيضاً رغبة من «حزب الله» وأسرة الفقيد. هيهات، بالطبع، إذْ من نافل القول إنّ أيّ تحقيق مشترك كان سيشكّل ضربة شخصية موجعة إلى اللواء شوكت، صهر آل الأسد، شخصياً؛ وإلى جهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان يترأسه، من هرم الإدارة إلى أصغر مفرزة. والحال أنّ عرقلة تشكيل هيئة تحقيق سورية ـ إيرانية مشتركة وقفت خلفه الأسباب، ذاتها، التي منعت النظام من كشف أيّ خيط «عملياتي» ملموس، وراء واقعة الاغتيال؛ رغم مرور أسابيع وأشهر وسنوات، ورغم السخط الشديد الذي تعاظم في أوساط مناصري «حزب الله»، وما استولده الصمت من إشاعات وإشاعات مضادّة مسّت «هيبة» النظام. ولا يخفى أنّ ما تصدّر تلك الأسباب هو ذلك المحظور، القاتل: إنّ البدء من أيّ كبش فداء، صغير أو متوسط أو كبير، لا بدّ أن ينتهي إلى انكشاف مستوى أعلى، هو أدهى بكثير من افتداء الأكباش جمعاء!
والمطلوب، ثالثاً، ودون أن يستتبع هذا أيّ طراز من استبعاد المسؤولية الإسرائيلية المباشرة عن الاغتيال؛ استعادة هذه الحقيقة النوعية: قبيل اغتياله بأسابيع معدودة، تردّد أنّ مغنية ذهب بعيداً في ممارسة مهامّه الجديدة في التنسيق بين «الحرس الثوري» الإيراني وكلّ من «حزب الله» والحركات الجهادية الفلسطينية. ولعلّه ذهب أبعد ممّا هو مسموح به، وتحديداً في خرق «اتفاق الشرف» المبرم مع السلطات السورية، والذي تضمّن إطلاع جهاز الاستخبارات العسكرية السورية، ورئيسه اللواء شوكت شخصياً، على كلّ صغيرة وكبيرة في ذلك التنسيق. يُضاف إلى هذا أنّه ـ إذا اتضحت ذات يوم مسؤولية الأجهزة الأمنية السورية عن اغتيال الحريري، وانكشفت طبيعة العون اللوجستي الذي قد تكون قدّمته أطراف لبنانية، بينها أجهزة «حزب الله» الأمنية ـ فإنّ مغنية كان سينقلب إلى واحد من أبرز الشهود. وهنا قد يبدو وكأنّ شغف الـ«فيغارو» بنظرية اغتيال مغنية على يد ماهر الأسد، يكتسب بعض المصداقية؛ خاصة إذا نُصح الصحافي الفرنسي اللوذعي بالربط بين اغتيال مغنية، واغتيال العميد محمد سليمان، في (غشت) من العام ذاته.
ومن المعروف أنّ سليمان كان أحد أفراد الحلقة الضيقة المقربة من بشار الأسد، وأحد أبرز مستشاريه في ملفات واسعة النطاق، كانت تبدأ من خيارات فنية محضة تخص تسليح وإعادة تحديث أسلحة الجيش السوري، ولكنها اشتملت أيضاً على قضايا أمنية ذات حساسية عالية. ولم يكن غريباً، والحال هذه، أن تقفز في تأويل تصفيته عناوين مثل اغتيال مغنية، أو قصف مشروع المفاعل النووي قرب دير الزور، أو العلاقات السرية مع أجهزة استخبارات إقليمية وعالمية، أو حتى اغتيال الحريري…
وكما في أمثولة يسوع مع شقيقة لعازر، لوقا 10/38.42: مرتا، مرتا، أنت تهتمّين بأمور كثيرة، والمطلوب واحد! والمطلوب الأبسط، في ملفّ اغتيال مغنية، واحد جوهرياً؛ رغم تشعّب مستوياته وأسبابه ومنابعه.
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس