اغتصاب البراءة
كشفت دراسة تشخيصية حول زواج القاصرات، أنجزتها رئاسة النيابة العامة، عن واقع أسود ترزح تحته آلاف من الفتيات المغربيات بعمر الزهور يتحملن أعباء زواج وأسرة لا قدرة لهن عليهما، ولا يستوعبن دورا فرض عليهن.
الدراسة، التي طالب بإعدادها المسؤول الأول عن النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، أظهرت أن الهدر المدرسي هو الرافد الأساسي لزواج القاصرات بالمغرب، مشيرة إلى أن الأوساط التي تنتشر فيها الأمية والجهل والتأويلات المتعسفة للدين هي الأكثر إنتاجا لهذا النوع من الزواج وإعادة إنتاجه.
بدون مكياج أو تزييف للواقع المعيش، فإن زواج القاصرات هو اغتصاب بحق الطفولة واعتداء على الكرامة الإنسانية، وهو جريمة مكتملة الأركان لما يخلفه من آثار نفسية وجسدية على طفلة مازالت تحتاج من يرعاها لا من ترعاه، إنه اغتصاب مقنن واغتيال لبراءتهن ومنعهن من الاستمتاع بالحياة. وللأسف فالقاصرات وحدهن من يدفعن فاتورة هذا الاغتصاب المشروع الذى يقضى عليهن ببطء قاتل.
إن ما توصلت إليه دراسة النيابة العامة من خلاصات قاتمة ما هو إلا فتيات مغربيات دفعن دفعاً إلى مرحلة الأمومة قبل الأوان، هنّ ضحايا مجتمع يتغنّى على السطح بمزايا الانفتاح والحداثة، والتحرر والمناصفة وحقوق المرأة، لكنّه يقبع تحت سطوة العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين وأسر إما تعجز عن حماية طفلاتها من العنف والاغتصاب، بإذن شرعيّ وديني، أو تبيع أبناءها في سوق النخاسة.
والمعضلة التي تعرفها النيابة العامة والبرلمان والحكومة أن جزءا من التشجيع على هتك أعراض طفلات ساقهن محيطهن الاجتماعي والديني للاقتران تحت التهديد أو الترهيب، توجد أساسا في المنظومة القانونية التي لم تتضمن حظراً شاملاً لهذا الفعل الشنيع، وإنما اشترطت موافقة قاضي الأحداث قبل تزويج قاصرات وليس فقط وليّ أمرهن. والأدهى أن البرلمان والحكومة يشاركان في عمليات الزواج القسري للأطفال من خلال فتح فترات زمنية لتسوية الوضعية الخاصة بالأطفال المولودين بالفاتحة، مع العلم أن السلطات تعلم أن تلك الزيجات تذهب ضحيتها القاصرات.
في الحقيقة نحن أمام سوق نخاسة لبيع الأطفال تحت ذريعة القانون والأعراف والتأويل السيئ للدين السمح، وما لم تظهر السلطات منتهى الصرامة مع أولياء الأطفال وتراخيص القضاة فلا يمكن سوى أن تتسع هاته الظاهرة إلى غير حدود.