حسن البصري
ظل اللاعب الدولي السابق حسن امشراط، الملقب بـ«اعسيلة»، مواظبا على حضور المباريات التكريمية، حريصا على الوجود في الصفوف الأخيرة لمآتم الرياضيين، مصرا على أن يسجل اسمه في كشوفات الحضور والانصراف، كلما دعته مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، أو جمعية رياضة وصداقة للقاء يجمعه برفاق الأمس.
لا يتكلم حسن كثيرا عن إنجازاته، رغم أنه كان من بين هدافي المنتخب الوطني لكرة القدم في السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، لا تمارس عليه ميكروفونات الصحافيين جاذبية ولا يهوى الحديث عن مساره ولا يكشف عن فتوحاته، حتى تعتقد أنك أمام مكلف بالأمتعة، لا في حضرة هداف كان له نصيب في حصول المنتخب المغربي على أول وآخر كأس إفريقيا للأمم.
شاءت الصدف الغريبة أن يقضي «اعسيلة» ساعات عصيبة في مصحة البرنوصي، كان يسأل عن رفاق دربه الموجودين في الديار المقدسة، حيث كانوا يؤدون فريضة الحج، وحين عادوا إلى الوطن التقى بعضهم، ثم مات.
كلما زرناه في غرفته بالمصحة، يرسم على محياه ابتسامة ويعلن نفسه معافى، وكلما سألناه عن وضعه الصحي تظاهر بالعافية، ولعن السجائر التي أجهزت على جهازه التنفسي وأغلقت مجاريه، على حد تعبيره الساخر.
حين دخل «اعسيلة» المصحة، بسبب اختناق على مستوى القفص الصدري، رافقته الإشاعات ورزقه الله من الأخبار الزائفة من حيث لا يحتسب، وكأن مروجي الإشاعات كانوا يستعجلون موت هذا اللاعب الأسطوري.
قبله «قتل» أحمد فرس في منصات التواصل الاجتماعي وفي المواقع التي تقتات من الإثارة، وباسم السبق الصحفي بادر بعض المتعاطين للصحافة إلى تقديم أخبار الموت مقرونة بعبارة «عاجل»، وفي غمرة التهافت على كسب سباق الفواجع، يقتل رموزنا مرات حتى يصبح موتهم الحقيقي مجرد إشاعة.
ظل حسن محافظا على حسه الفكاهي وهو مرتبط بأنابيب «السيروم»، كان يوزع قفشاته على زواره، إلى أن تطرق ممرضة باب غرفته لتذكر زواره بحاجة المرضى إلى الهدوء. وقبل أن يلفظ أنفاسه ظل يحكي لأفراد عائلته ما تبقى في رصيده من حكايات.
قال عنه طبيب المنتخب المغربي الذي رافقه في رحلة إثيوبيا، إن «اللاعب «اعسيلة» هو اللاعب الذي لا يطرق باب غرفتي طلبا للأدوية، في بلد عانى فيه اللاعبون من الإسهال على امتداد مقامهم بين ديرداوة وأديس أبابا، حتى اعتقدت أنه لا يشرب ماءنا ولا يتناول غذاءنا، فقط يلتهم سجائره».
في حفل تكريم أقيم على شرف «اعسيلة» صعد المحتفى به إلى المنصة وهو يخفي ملامحه في قبعة، طلب منه منشط الحفل كلمة، تسلم الميكروفون شاكرا المنظمين، معاتبا أبناء فضالة الذين يعتبرونه مضافا إليه في ثنائية «فرس واعسيلة».
تسلم «اعسيلة» من فاعل سياسي تذكارا وخمسة لترات من «الزيت البلدي»، والتقطا صورة للذكرى، وحين نزل من المنصة تخلى عن كمية الزيوت لفائدة صحفي، وعاد إلى مقعده يستعجل الرجوع إلى المحمدية، داعيا صديقه الحميم الحارس الدولي السابق، عبد اللطيف العراقي، لشد الرحال إلى المحمدية، مسقط رأسه وقلبه.
لم يحمل «اعسيلة» سوى قميصين على امتداد مشواره، قميص شباب المحمدية والمنتخب الوطني، وظل على وفائه يتابع المباريات في مقهى زميله روكي، إلى أن سدده الزمن خارج دائرة الأضواء.
في جنازة «اعسيلة» حضر كثير من هواة الركوب على صهوة المآتم، ساروا خلف جثمانه وعيونهم تبحث عن ميكروفون ينقل أحزانهم المعلبة ومشاعرهم المصطنعة، بعضهم أعاد من حيث لا يدري الكلمات نفسها التي رددها أمام الصحافيين في مأتم سابق.
لحسن الحظ أن مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، ما زالت تحمل جرعة أمل لكثير من اللاعبين الدوليين الذين قست عليهم الظروف، وتحف أبطال الأمس بالحد الأدنى من الكرامة، إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا.