حسن البصري
يبدو أن قرار اللاعب حكيم زياش بالاعتزال الدولي شغل المغاربة أكثر من انشغالهم بانحباس المطر، فقد نسينا محنة الجفاف ونادينا بصلاة استعطاف جماعية ليرتدي حكيمنا قميص المنتخب.
متى استرخصتهم الفريق الوطني واستعبدتم محبيه وكأن أمهاتهم ولدتهم أشرارا؟
كلما غنى لاعب دولي مع كارول سماحة «اعتزلت الحب وارتحت من الغرام»، انتفضنا ونظمنا عملية استجداء جماعية كي لا يطوي الفتى جناح القلب ويعصف بالأحلام.
كلما اجتاحت لاعبا مغربيا محترفا نوبة غضب يدير ظهره لمنتخب بلاده ويمزق قصائد العشق التي نظمها حين كان على أعتابه، فنوبات الغضب في ملاعب الكرة قد تكون نسمة هواء تارة أو ريحا أو إعصارا تارة أخرى.
هزت قلوب عشاق المنتخب المغربي عاصفة من المشاعر لمجرد سطر على «انتسغرام» زياش، يعلن فيه اعتزاله النهائي اللعب دوليا لمنتخبنا، والتركيز على مساره في ناديه تشيلسي الإنجليزي. قرر ألا يلامس الكرة بقميص المنتخب وألا يوزع متعته على المغاربة وألا ينشد النشيد الوطني وألا يوقع أوتوغرافات لمحبيه وأن يصادر عشق المنتخب الساكن فينا ليل نهار.
منذ أن قدم مدرب المنتخب الوطني وحيد خاليلوزيتش دفوعاته في ندوة المعمورة، رابط الصحافيون أمام عتبة حساب زياش على «انستغرام» يترقبون رد فعله، وحين أعلن قرار الاعتزال الدولي نسي الناس شح السماء وهول الآبار وشرعوا في كتابة الملتمسات.
لا أحد يجادل في كون المدرب وحيد رجلا صداميا، لم يتخلص بعد من مضاعفات أيام عاشها في البوسنة، وأن الرجل يريد أن يحول منتخب الكرة إلى دولة يحكمها ديكتاتور عطل كل الدساتير وحل الحكومة والبرلمان وحول تشكيلته إلى مختبر تجارب.
سيرحل وحيد يوما عن المنتخب كما رحل عشرات المدربين، سيحزم حقائبه ويصفف شعره وتعويضات نهاية الخدمة ويودعنا بتدوينة كما فعل مع جيراننا، لكن الفريق الوطني سيظل حيا يرزق يعيش تحت وصاية كفيل آخر.
في زمن العشق الحقيقي لقميص المنتخب، كان لاعبونا المحترفون، على قلتهم، يشترون تذاكر السفر من مالهم ويركبون الأهوال ليلتحقوا بالمنتخب، في زمن لم يكن فيه ذكر للمصروف اليومي للجيب ولا تشاور مع الوسطاء والمعلنين ولا «انستغرام».
برغم جميع سوابقه وبرغم جميع معاركه، سيظل وحيد مدربا عابرا للسبيل، ستنتهي صلاحيته يوما لكن المنتخب سيظل حيا يحيي في وجداننا حب الوطن.
لن يعتزل وحيد أدوار الشر، لن يتوقف عن ترويض نجوم الدوريات العالمية، لكن لا أحد من اللاعبين يملك عصا سحرية بضربة منها سنتأهل إلى كأس العالم ونفوز على الخصوم.
لقد اعتزل عشرات اللاعبين المغاربة وقاطعوا المنتخب لكن لا أحد من المقاطعين تمرس في البطولة المحلية وعاش شغف الشعب بالمنتخب.
نريد لاعبين محترفين يتلاعبون بخصومنا بدل التلاعب بمشاعرنا، نريد نجوما يردون لنا جميل متابعتهم في المقاهي المختنقة وما تحملنا من أجلهم من رائحة السجائر وتسريبات العرق.
لقد أغضبنا مدرب المنتخب الوطني بقراراته المنفلتة وتصريحاته غير المحسوبة، فطالبنا بمصادرة لسانه في فمه، وإصدار قرار بمنعه من الكلام وتعيين ناطق باسم الفريق الوطني لتهدئة النفوس الغاضبة.
الاعتزال الدولي موضة عالم الكرة، وكل محترف مغربي يلجأ لهذا الخيار كلما انتابته نوبة غضب. لكن دلوني على مشجع مغربي اعتزل مساندة المنتخب مهما كانت شحنة الغضب الراقدة في قلبه.
حين يعتزل رئيس النادي في بلادي يصبح برلمانيا، وحين يعتزل المدرب يصبح محللا رياضيا، وحين يعتزل الحكم يصبح مندوبا أو مراقبا، لكنهم لا يغلقون عند الاعتزال أبواب حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي ولا يصدون أنصارهم.
ليس الاعتزال الدولي موقفا بطوليا مهما كانت دوافعه، إلا في بلد يعتبر الإقصاء في النهائيات «هزيمة بشرف».